أثار إقرار مجلس النواب المصري تعديلات قانون الإيجار القديم مخاوف لدى شرائح من الأطباء والصيادلة الذين يعملون في عيادات وصيدليات تخضع لأحكام القانون الصادر منذ نحو قرن.
بموجب التعديلات سيكون على هؤلاء البحث عن أماكن بديلة بعد 5 سنوات من بداية تطبيق القانون، أو القبول بزيادة قيمة الإيجار الشهري.
وبموجب التعديلات، التي أقرت مطلع يوليو، تزيد قيمة الإيجار الشهري للأماكن المؤجرة لغير أغراض السكنى، ومنها العيادات والصيدليات، إلى 5 أضعاف القيمة الحالية، اعتباراً من أول شهر يُستَحق بعد بدء سريان القانون.
وبعد انتهاء المهلة يصبح المستأجر أمام خيارين، إخلاء الوحدة، أو الاتفاق مع المالك على تحرير عقد إيجار جديد.
وحذَّر اتحاد نقابات المهن الطبية في مصر مما سماه التأثيرات السلبية للقانون، معتبراً أن تطبيقه بهذا الشكل يمثل "تهديداً لاستقرار الخدمات الصحية الأولية، خاصة في المناطق الأكثر احتياجاً".
مخاوف من إغلاق 21 ألف عيادة و40 ألف صيدلية
الاتحاد أشار إلى أن القانون بهذه التعديلات يهدد بإغلاق 21 ألف عيادة، وما يترواح بين 30 إلى 40 ألف صيدلية مؤجرة بالقانون القديم، ويقع معظمها في مناطق شعبية وريفية.
وقال الدكتور أسامة عبد الحي، نقيب الأطباء ورئيس اتحاد المهن الطبية، لـ "الشرق"، إن القانون بشكله الجديد يضع "الكيانات الطبية في مأزق حقيقي، يتمثل في خطر الإخلاء والإغلاق، أو تحملها تكاليف مرتفعة للانتقال وإعادة التراخيص، وخسارتها العلاقة المتراكمة عبر السنين مع المترددين عليها".
وتوقع عبد الحي حدوث ارتفاع كبير في تكلفة الخدمة الطبية لتعويض الزيادة في قيمة الإيجارات.
وأضاف: "نرى أن فسخ العقد رغم أنه كان قائماً بالتراضي بين الطبيب أو الصيدلي وصاحب الوحدة، منتهى الظلم للأطباء، وهو غير دستوري؛ لأن هذه العقود أُبرمت بالتراضي، ووفق قانون صحيح، وإجراءات صحيحة".
زيادة الإيجار ترفع رسوم الكشف الطبي
في أحد شوارع محافظة الفيوم جنوب غربي القاهرة، يعمل الطبيب أحمد ياسين، استشاري طب الأطفال، في عيادته المزدحمة، منذ نحو 30 عاماً، اكتسب خلالها شهرة وثقة كبيرة بين أهالي الحي، ويخشى أن يفقدها إذا اضطر إلى إخلائها.
ويؤكد ياسين أنه لا يمانع زيادة القيمة الإيجارية، لكن مع ضرورة مراعاة مصالح الأطباء والصيادلة أصحاب الظروف المشابهة.
وقال لـ"الشرق": "هناك انعكاس آخر على المريض؛ سأكون مضطراً لتحميل قيمة الإيجار على المريض، أي مضاعفة تعريفة الكشف الطبي".
وفي الفيوم أيضاً يلفت الصيدلي محمد رحمي إلى أن نقل الصيدلية لمكان آخر يتطلب الحصول على عدة تراخيص، نظراً لضرورة توافر بعض الشروط في موقع اختيار الصيدلية.
ويساعد محمد والده أحمد رحمي، البالغ من العمر 83 عاماً، في إدارة الصيدلية التي افتتحت قبل نحو 55 عاماً، ويقول إنها أصبحت علامة مميزة بمدينة الفيوم.
وقال رحمي: "الصيدليات لها اشتراطات صعبة في الترخيص، إذ يجب أن تكون أقرب صيدلية لها على بعد 100 متر، وأن تكون مساحة الصيدلية 25 متراً على الأقل، وبارتفاعات معينة، مع صرف بطريقة خاصة بسبب المواد الكيميائية والأشياء المشابهة".
وأضاف: "بعد 5 سنوات، سيقولون لنا: اخرجوا، فإلى أين نذهب؟".
وأمام صيدليته في قلب القاهرة، يشعر وحيد عبد الصمد بالقلق خشية خسارة موقع صيدليته التي أنشئت عام 1906، ويديرها منذ نحو 40 سنة، ويؤكد أنه نجح خلالها في صنع علامة تجارية موثوق بها.
وقال: "صيدلية بهذا التاريخ، نأتي نحدد عمرها، ونقول لها إنك ستموتين بعد 5 سنوات، لماذا؟ وفي أي عُرف نضيع العلامة التجارية، والقيمة التاريخية لهذ المكان، ولماذا؟".
"بدائل حكومية للمستأجرين"
وفق المادة 123 من الدستور المصري، لرئيس الجمهورية التصديق على القانون، أو الاعتراض عليه خلال مدة أقصاها 30 يوماً من تاريخ إقراره، وهو ما يعني أن مهلة قانون الإيجار الجديد تنتهي، الجمعة.
وفي حال لم يرده خلال المدة القانونية المحددة، يصبح القانون سارياً، ويُنشر في الجريدة الرسمية.
أما إذا قرر رئيس الجمهورية الاعتراض، فيُعاد القانون لمجلس النواب لمناقشته مجدداً، إلا أن ذلك يتوقف على وجود مجلس نيابي قائم، ومع انتهاء دورة المجلس الحالي، فإن القانون - في هذا السيناريو - يظل معلقاً حتى يُعاد تشكيل البرلمان الجديد.
والأسبوع الماضي، قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولى إن الحكومة تعمل على إعداد اللائحة التنفيذية لقانون الإيجار القديم تمهيداً لتفعيله بشكل منظم وفعّال.
وأوضح أن الحكومة "ستُطلق خلال الفترة المقبلة منصة إلكترونية لتلقي طلبات المستأجرين الراغبين في الحصول على وحدات بديلة، لتستطيع الدولة بناء الوحدات وتوفيرها قبل الموعد المقرر في القانون".
وشدد على أن "الدولة حريصة على تطبيق قانون الإيجار القديم بطريقة تحفظ حقوق جميع الأطراف، سواء الملاك أو المستأجرين".