كيف يغير التراجع التاريخي في أعداد المهاجرين سوق العمل الأميركي؟

time reading iconدقائق القراءة - 6
رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم باول خلال مؤتمر صحافي في واشنطن بشأن سياسة أسعار الفائدة- 30 يوليو 2025 - Reuters
رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم باول خلال مؤتمر صحافي في واشنطن بشأن سياسة أسعار الفائدة- 30 يوليو 2025 - Reuters
دبي-الشرق

قال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم باول، الأسبوع الماضي، إن سوق العمل في الولايات المتحدة تعيش حالة من "التوازن الغريب"، فالطلب على العمالة تراجع، غير أن معدل البطالة بقي مستقراً، وذلك لأن المعروض من اليد العاملة تباطأ بشكل مفاجئ. 

ويقف خلف هذا التباطؤ تحول هائل في مسار الهجرة، من واحدة من أكبر موجات الهجرة في تاريخ الولايات المتحدة إلى شبه توقف كامل، إذ يقول اقتصاديون إن لذلك "تبعات دقيقة ولكن مستدامة"، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال". 

ورأى بعض الخبراء أن التراجع شبه التام في عبور الحدود بشكل "غير قانوني" إلى جانب تشديد عمليات الترحيل وتصاعد المناخ المناهض للأجانب، قد يعني أن صافي الهجرة هذا العام سيكون سلبياً للمرة الأولى منذ عقود. 

ويحمل هذا الوضع منفعة قصيرة المدى، كما أشار باول، إذ إن تراجع الطلب على العمالة لن يؤدي بالضرورة إلى ارتفاع معدل البطالة، الذي يبلغ حالياً 4.2%، وهو مستوى منخفض تاريخياً، غير أن الصورة على المدى البعيد مختلفة، إذ قد يحد ذلك من قدرة الاقتصاد على النمو، ويؤدي إلى عجز أكبر في الموازنة. 

وبحسب مكتب الموازنة في الكونجرس، بلغ صافي الهجرة السنوي بين عامي 2010 و2019 نحو 917 ألف شخص، ثم قفز الرقم إلى 3.3 مليون في عام 2023، وإلى تقديرات تقارب 2.7 مليون في عام 2024، في واحدة من أكبر موجات الهجرة في التاريخ الأميركي. 

وفي ورقة بحثية حديثة صادرة عن "أميركان إنتربرايز" ذي التوجه المحافظ، قدر الاقتصاديون ويندي إيدلبرج وستان فويجر وتارا واتسون، أن صافي الهجرة سينخفض هذا العام إلى سالب 205 آلاف شخص، بهامش خطأ يقارب ربع مليون.

وعزا الباحثون ذلك إلى اجتماع عاملين هما شبه توقف الهجرة غير النظامية، وارتفاع حاد في معدلات الهجرة العكسية إلى ما بين 675 ألفاً و1.02 مليون فوق المعدلات المعتادة، مدفوعاً بتزايد عمليات الترحيل، والمغادرة الطوعية استجابة لسياسات إدارة الرئيس دونالد ترمب.

وكانت آخر مرة بلغ فيها صافي الهجرة السنوي مستويات متدنية بهذا الشكل في ستينات القرن الماضي، غير أن الوضع حينها كان مختلفاً، إذ كان جيل "الطفرة السكانية" يدخل سوق العمل، ويدفع عجلة الاقتصاد، أما اليوم فذلك الجيل يتقاعد، ما يجعل سوق العمل أكثر اعتماداً على المهاجرين. 

وقال اقتصاديون وخبراء سكان إن "المهاجرين باتوا يمثلون بالفعل الغالبية العظمى من النمو السكاني، ومن المعروض في سوق العمل". 

القطاعات غير الزراعية 

وبحسب تقديرات تورستن سلوك، كبير اقتصاديي "أبولو"، فإن الاقتصاد الأميركي، من دون صافي هجرة إيجابي، لن يتمكن من إضافة أكثر من 24 ألف وظيفة شهرية في القطاعات غير الزراعية بشكل مستدام، مقارنة بمتوسط 155 ألف وظيفة بين عامي 2015 و2024. 

وظهرت بالفعل تقارير تقول إن "صافي الهجرة بات سلبياً، مثلما ورد في تقرير لمركز "بيو" للأبحاث الأسبوع الماضي. 

وفي بيان صدر في 14 أغسطس الجاري، قالت وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم، إن 1.6 مليون مهاجر غير نظامي غادروا الولايات المتحدة خلال أول 200 يوم من توليها المنصب. 

وقالت الناطقة باسمها تريشيا ماكلوجلين في رسالة عبر البريد الإلكتروني للصحيفة إن الرقم "يستند إلى بيانات خاصة"، من دون تقديم تفاصيل. 

لكن البيان ذاته تضمن رسماً بيانياً منقولاً من "مركز دراسات الهجرة"، وهو مجموعة تدعو إلى الحد من الهجرة، وقدر مؤخراً أن 1.6 مليون مهاجر غير نظامي غادروا البلاد منذ يناير الماضي.

ويستند هذا الرقم، وكذلك تقديرات "بيو"، بشكل كبير إلى مصدر واحد هو "المسح السكاني الحالي" الشهري الذي يجريه مكتب الإحصاء الأميركي، وهو الأداة ذاتها المستخدمة لاحتساب معدل البطالة والمؤشرات الأخرى لسوق العمل، غير أن المكتب نفسه يحذر من استخدام هذا المسح لتقدير حجم المهاجرين عبر الزمن.

وقالت ميشيل ميتلستادت، المتحدثة باسم "معهد سياسات الهجرة"، إن "انخفاض معدلات الاستجابة يؤدي إلى تقديرات منخفضة بشكل غير صحيح لحجم السكان المهاجرين في الاستطلاعات، من غير المعقول أن يكون 1.6 مليون مهاجر غير نظامي قد غادروا الولايات المتحدة حتى الآن في عهد إدارة ترمب". 

قياس التراجع 

ورغم صعوبة قياس التراجع في صافي الهجرة بدقة، فإن أثره أصبح ملموساً، ففي الفترة بين مايو ويوليو الماضي، أضاف الاقتصاد الأميركي 106 آلاف وظيفة غير زراعية فقط، أي بمعدل 35 ألف وظيفة شهرياً، وهو أدنى مستوى لفترة 3 أشهر منذ جائحة "فيروس كورونا"، وعدم ارتفاع معدل البطالة في الوقت نفسه يشير إلى أن عدداً أقل من الأشخاص دخلوا سوق العمل بحثاً عن وظائف، في دليل على تأثير التشدد في سياسات الهجرة. 

وبما أن الناتج الاقتصادي يعتمد على عدد العمال وإنتاجيتهم، فإن تراجع الهجرة يؤدي تلقائياً إلى خفض معدل النمو. وقد توقع اقتصاديون استطلعت "وول ستريت جورنال" آراءهم الشهر الماضي، أن تؤدي سياسات الهجرة في عهد ترمب إلى اقتطاع نحو 0.2 نقطة مئوية من النمو في عام 2025 و0.3 نقطة في عام 2026. 

وفي بعض القطاعات، قد يكون الأثر أشد وضوحاً، ففي عام 2023، شكل غير المواطنين 33% من العاملين في وظائف التنظيف المنزلي والفندقي، و30% من عمال البناء، و24% من عمال تنسيق الحدائق، وفق بيانات التعداد السنوي التي جمعها مركز IPUMS لدمج البيانات. 

كما قدرت وزارة الزراعة الأميركية مؤخراً أن 42% من العاملين في الحقول الزراعية هم من "المهاجرين الذين لا يحملون تصاريح عمل".

تصنيفات

قصص قد تهمك