
شهدت قرية "ترسين" الواقعة في ولاية جنوب دارفور ضمن سلسلة جبل مرة، كارثة إنسانية غير مسبوقة، وذلك إثر انهيار أرضي ضخم أودى بحياة المئات، وأدى إلى فقدان غالبية سكان القرية، بحسب ما أفادت به حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، التي تسيطر على القرية ومناطق أخرى في جبل مرة.
وقالت الحركة في بيان إن "منطقة ترسين المنهارة، التي تُعد من أشهر مناطق جبل مرة في إنتاج الموالح، قد سُويت بالأرض تماماً"، مناشدة الأمم المتحدة، والمنظمات الإقليمية والدولية، مساعدتهم في انتشال جثامين الضحايا من تحت الأنقاض.
وأوضحت الحركة أن عدد الضحايا يقدر بأكثر من ألف شخص من الرجال والنساء والأطفال".
وفي مناشدة منفصلة، قال قائد الحركة عبد الواحد محمد النور: "هناك توقعات بحدوث كوارث مماثلة في بعض المناطق والقرى المجاورة، مما يتطلب وضع خطة عاجلة لإجلاء المواطنين وتوفير السكن المناسب لهم."
ترسين في ذاكرة جغرافيا جبل مرة
تقع ترسين في منطقة جبلية وسط سفوح جبل مرة، الذي يمتد عبر 3 ولايات في إقليم دارفور (الشمالية، الوسطى، والجنوبية).
وتتسم طبيعة المنطقة بالوعورة، حيث تحيط بها مناطق شديدة الانحدار تجعل القرى معرضة لمخاطر الانزلاقات الطينية والانهيارات الأرضية.
ويبلغ ارتفاع جبل مرة أكثر من 3000 متر فوق سطح البحر، ويتميّز بمناخ مداري، حيث تصل ذروة موسم الأمطار إلى الفترة ما بين يوليو وسبتمبر، ما يزيد من احتمالات وقوع الكوارث الطبيعية.
مأساة إنسانية كبيرة
وفي بيان رسمي، قالت حركة جيش تحرير السودان - عبد الواحد نور، إن الكارثة التي ضربت قرية ترسين كانت مدمرة إلى درجة لم ينجُ منها سوى شخص واحد فقط.
وأضافت أن ما حدث ناتج عن الانزلاقات الأرضية؛ بسبب الأمطار الغزيرة التي ضربت المنطقة، في وسط جبل "مرة"، التابعة لدائرة "أمو"، وهي إحدى تقسيمات الحركة لمناطق سيطرتها.
وقال منسق الأمم المتحدة المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية بالإنابة في السودان، لوكا ريندا: "نشعر بحزن عميق إزاء كارثة الانهيار الأرضي في ترسين".
وتابع: "تشير التقديرات إلى فقدان ما بين 300 إلى 1000 شخص.. نحن وشركاؤنا نعمل على حشد الجهود الإنسانية العاجلة لدعم المتضررين".
من جهته، أكد منسق مجلس غرف طوارئ جبل مرة وطويلة، عبد الحفيظ علي، أن عدد الضحايا قد يتجاوز ألف شخص.
وأوضح لـ"الشرق": "تمكنا حتى الآن من انتشال 9 جثامين فقط.. لكن الأمطار الغزيرة ووعورة الطرق تعيق جهود الإنقاذ بين الضحايا"، مشيراً إلى أن من بين الضحايا 450 نازحاً لجأوا إلى ترسين بعد اندلاع الحرب".
ولفت إلى أن التواصل مع الأهالي في المنطقة بات مستحيلاً، حيث يُستخدم الإنترنت الفضائي في تلك المناطق، "إلا أن هطول الأمطار وانقطاع الطرق يحولان دون تشغيله".
تحذيرات من تكرار الكارثة
من جانبه، أوضح المتحدث باسم تنسيقية النازحين واللاجئين في دارفور، آدم رجال، أن ما حدث في ترسين ليس الأول من نوعه، لافتاً إلى وقوع حادثة مشابهة في 2018 "لكنها لم تكن بهذه الفداحة".
وعبر آدم رجال لـ"الشرق"، عن خشيته من تكرار المأساة في ظل استمرار الأمطار، مطالباُ بإخلاء المدنيين فوراً، مع وقف إطلاق النار لتمكين فرق الإغاثة من العمل.
وذكر محمد أحمد صباح الخير، مدير التوقع ورئيس غرف الطوارئ في الهيئة العامة للأرصاد الجوية، لـ"الشرق"، أن المنطقة تعيش حالياً ذروة موسم الأمطار، وهو ما يضاعف من احتمالات الانهيارات الأرضية.
وأضاف: "الأمطار في جبل مرة موسمية وصيفية، حيث تبلغ ذروة موسم الأمطار ما بين يوليو وسبتمبر.. وهو ما يزيد احتمالات الكوارث الطبيعية، ومع غزارتها تتزايد مخاطر السيول والانزلاقات الطينية التي تهدد القرى أسفل الجبال".
مأساة مركبة.. وتضامن دولي
وتأتي كارثة ترسين في وقت يعاني فيه إقليم دارفور من الصراع المسلح ونزوح واسع، ما يضاعف من حجم الأزمة الإنسانية. وتبقى الحاجة ملحة إلى تدخل عاجل لإنقاذ المدنيين، وانتشال الجثامين، ومنع تكرار الكارثة في القرى الجبلية الأخرى، بينما حصدت الحادثة تضامناً دولياً ودعوات إلى وقف إطلاق النار، فهل تنجح ترسين في إسكات أصوات البنادق ولو إلى حين؟