
لم تخل طرق العاصمة المصرية القاهرة يوماً من التحديات سواء بسبب الازدحام المروري أو العقبات المتنوعة، لكن سائقي المركبات الآن مضطرون لمواجهة خطر آخر هو انتشار لوحات إعلانية بأضواء وامضة ومبهرجة تتنافس على جذب انتباههم المشتت بالفعل.
وأفادت شركة "آد مزاد" لتحليلات الإعلانات والإعلام، بأن عدد اللوحات الإعلانية الكبيرة التي تصطف على طرق القاهرة زاد بأكثر من المثل خلال السنوات الست الماضية، بعدما كان كبيراً بالفعل، ليصل إلى نحو 6300 مقارنة بنحو 2500 لوحة إعلانية في 2019.
ويعني ذلك وجود أكثر من 30 إعلاناً لكل كيلومتر مربع من المساحة المأهولة بالسكان، دون احتساب الإعلانات الرقمية الجديدة الوامضة، والتي زادت بأكثر من 10 أمثال خلال الفترة نفسها إلى أكثر من 300 إعلان حالياً.
وقال أحمد عادل، من سكان القاهرة، بينما كان يقود سيارته في إحدى المناطق السكنية والتجارية الراقية في المدينة: "لا توجد نقطة في الشارع خالية من الإعلانات".
يمكن إرجاع الزيادة في الإعلانات إلى حد كبير إلى التوسع السريع في شبكة النقل في مصر، فمنذ توليه السلطة في 2014 اهتم الرئيس عبد الفتاح السيسي بإنشاء الطرق والجسور الجديدة في كل أنحاء العاصمة، بسبب الزيادة السكانية وارتفاع أعداد السيارات سنوياً.
وتروج الإعلانات التي تصطف على هذه الطرق لمجموعة لا حصر لها من المنظفات والوجبات السريعة والعقارات الفاخرة، وغالباً ما تكون الإعلانات مزودة بشاشات مضيئة LED وساطعة يشكو سائقو المركبات مثل عادل من أنها ترهق أعينهم ليلاً.
وقال أحمد عفيفي، رئيس تطوير الأعمال في شركة MOT للاستثمار والتنمية، وهي الذراع الاستثمارية للهيئة القومية لسكك حديد مصر ووزارة النقل، إن هذا القطاع أصبح مصدراً متزايد الأهمية لإيرادات الدولة.
وأظهرت بيانات "آد مزاد" أن إيرادات الإعلانات الخارجية، والتي تشمل اللوحات، والإعلانات على وسائل النقل العام، نمت بأكثر من 50% في 2024، لتصل إلى نحو 6.3 مليار جنيه (نحو 130 مليون دولار).
وأضاف عفيفي أن هذه الأموال تذهب إلى خزينة الدولة بشكل كبير عن طريق وزارة النقل أو الهيئات التابعة لها، موضحاً أن أسعار الإعلانات تختلف حسب الموقع، وغالباً ما ترتفع مع تقديم العلامات التجارية المتنافسة عروضاً لوضع إعلاناتها في المواقع الاستراتيجية.
ويجد بعض سائقي المركبات في اللوحات الإعلانية تسلية في أثناء توقفهم بسبب الازدحام المروري، أو يعتبرونها أداة تسويقية فعالة، لكن البعض الآخر يراها إضافة مرهقة إلى أعباء تنقلاتهم.
وأشار الطبيب النفسي، خالد صلاح الدين، إلى الأضرار النفسية التي ربما تلحق بسائقي المركبات خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية، بعد ارتفاع التضخم وخفض الدعم على مدى سنوات.
وقال إن التعرض باستمرار للإعلانات وأنماط الحياة المثالية يؤدي إلى مقارنة ربما تشعر الفرد بأحاسيس مثل النقص والدونية.
وعقد رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الأربعاء، اجتماعاً لمتابعة تنفيذ الاشتراطات والضوابط والمعايير الخاصة بالإعلانات على الطرق العامة والمحاور.
وقال مدبولي إن الأمر يتطلب المزيد من التنظيم لتلك الإعلانات "بحيث تراعي الحفاظ على النسق العمراني، كما يتعين الحرص على الالتزام بمعايير تحقق القيم الجمالية للشكل الخارجي لهذه الإعلانات واللافتات، فضلاً عن ضوابط التزام المحتوى الإعلاني بالقيم المجتمعية المصرية".
وقدم وزير الإسكان عرضاً بشأن مشروع القانون الذي ينص على إنشاء الجهاز القومي لتنظيم الإعلانات على الطرق العامة، والأهداف والمهام المختص بها، بالإضافة إلى الملامح الخاصة بالقانون والضوابط الخاصة بوضع الإعلانات ومعايير القيم الجمالية للشكل الخارجي للإعلانات واللافتات، والاشتراطات العامة للحفاظ على سلامة المنتفعين بالطرق العامة وضمان السلامة والسيولة المرورية، وضوابط إصدار ترخيص وضع الإعلان أو اللافتة، بجانب ضوابط تحديد الرسوم المستحقة عن إصدار الترخيص مقابل الاستغلال.
وأوضح الوزير أن القانون منح الضبطية القضائية للعاملين بالجهاز والعاملين بالجهات المختصة، كما حدد عقوبة وضع إعلان مخالف وإزالة الإعلانات التي تمثل خطورة على المارة، بجانب تنفيذ أعمال الصيانة والتنسيق للإعلان.