
تواجه حركة طالبان مأزقاً جديداً يتعلق بفراغ البلاد من الكفاءات الأفغانية تحت ما يُعرف بـ"هجرة الأدمغة"، ما أقلق الحركة التي تسيطر على البلد منذ 15 أغسطس، ودفعها لإعلان حصر المغادرة على الأجانب، دون الأفغان.
ويشكل ذوو الكفاءات من قانونيين وموظفين وفنيين، نسبة كبيرة من آلاف اللاجئين الأفغان، الذين تهافتوا في الأسابيع الأخيرة، للفرار من بلادهم.
وأعطى الغربيون الأفضلية في عمليات الإجلاء، للأفغان الذين تعاملوا معهم، من "صحافيين ووسطاء ومترجمين فوريين، وأعضاء في منظمات غير حكومية، ولأشخاص من الممكن أن تكون حياتهم في خطر في ظل نظام طالبان، مثل الفنانين والمثقفين".
ودعت حركة طالبان الغربيين الثلاثاء، إلى حصر الإجلاء على الأجانب، وليس الأفغان ذوي الكفاءات مثل المهندسين، باعتبارهم ضروريين للبلد.
عند الأزمات يهاجر المتعلم
وقال مسؤول برنامج "كروسينغ بوردرز" (عبر الحدود) في معهد لوكسمبورغ للأبحاث الاجتماعية الاقتصادية فريديريك دوكييه: "ليس لدينا معرفة دقيقة بتشكيلة أفواج اللاجئين الأفغان، لكن عند قيام أزمة في بلد ما، وهو ما رأيناه مع نزوح السوريين عام 2015، تكون نسبة المتعلمين بين طالبي اللجوء أكبر من بقية أفراد الشعب، وهي ظاهرة تزداد حدة في الدول الفقيرة".
وأشار دوكييه إلى أنه "في الدول الغنية، يهاجر خريجو التعليم العالي بنسبة 20% أكثر من الفئات الأخرى، وبالتالي فإن حصتهم من نسب الهجرة هي 1.2. أما في الدول الأكثر فقراً، فهم يهاجرون عشرين مرة أكثر من فئة غير المتعلمين".
وتابع:"حين يكون هناك نزاع أو انقلاب عسكري، كما هو الحال إلى حد ما مع نظام طالبان، فإن الهجرة رداً على هذا النوع من الصدمات، تكون أكثر كثافة أيضاً بين المتعلمين، وتتعدى حصتهم 20 ضعفاً".
وأوضح دوكييه أن"رأس المال البشري عامل مهم جدا للتطور، والتعليم من أهم مصادر النمو، وحين يُحرم بلد من القوة العاملة الماهرة، يُحرم من عوامل نمو وقدرة تنافسية".
طالبان بحاجة للكفاءات
من جانبه قال مايكل باري، الخبير في شؤون أفغانستان، والأستاذ السابق في الجامعة الأميركية في كابول "إن طالبان الذين يتحدرون في معظمهم من مناطق ريفية، لا يملكون المواصفات المطلوبة للحكم".
وأضاف:" طالبان على يقين أنهم بحاجة إلى حد أدنى من الفنيين والأشخاص ذوي التعليم العالي، لتحريك عجلة إدارة تحتاج إلى الاستمرار في امتصاص المساعدات الدولية، ولو اقتصرت على مساعدة صينية أو باكستانية أو قطرية".
وتابع منتقداً :"كانت مسؤوليتهم الكبرى حتى الآن تقضي بتدمير البلد، والتسبب بتفكيك الإدارة، لذلك مولتهم باكستان".
سبب السماح بالهجرة
وفي ظل ظروف كهذه، يتبادر للأذهان السؤال عن السبب في سماح طالبان بخروج عشرات آلاف من الأفغان.
وأجاب مايكل باري "إنهم يظهرون أنفسهم في صورة جيدة أمام المجتمع الدولي، بتقديمهم هذا التنازل، ويتخلصون في الوقت نفسه من محتجّين محتملين، فالأدمغة على الدوام رديفة انتقادات محتملة، وفكر حرّ ".
ويرى بالتالي أن الهدف كان "الإبقاء قدر الإمكان على حد أدنى منهم، من أجل تحريك عجلات الإدارة التي لا بدّ منها".
واتفق فريديريك دوكييه مع احتمالية نشأة الاحتجاج وقال:"المثفقين في مجتمع يشهد الكثير من القمع هم عوامل احتجاج، عند خسارتهم، تخسر في الوقت نفسه احتمال الاحتجاج هذا، وبالتالي احتمال التغيير".
والعديد من الأفغان الذين تم إجلاؤهم، قد لا يكونون من حملة الشهادات، إلا أنهم اكتسبوا "نمطاً غربياً" جراء عملهم مع الأجانب.
هجرة بلا ميزة
ولفت الخبير في حركات الهجرة الدولية، أن سلوك طريق المنفى، لا يكون دائماً أمراً سلبياً، فالمهاجرون يساهمون في حركة التبادل مع وطنهم الأم، سواءً عبر التجارة أو الاستثمارات، غير أن الأمر قد يختلف بالنسبة لأفغانستان، معتبراً أن الكثير سيرحلون مع عائلاتهم، ولن تكون لديهم أسباب كثيرة للمساهمة في تنمية البلاد"، مضيفاً "قد تكون هذه مجرد خسارة لأفغانستان، ستحد على الأرجح من قدرة البلد على النهوض على المدى البعيد".
وفر من البلاد منذ منتصف الشهر أكثر من 100 ألف شخص، بحسب ما أعلن البيت الأبيض في بيان، الخميس، خشية أن تعيد طالبان فرض النظام المتطرف نفسه، الذي حكم البلاد بين 1996 و2001 وشهد ارتكاب فظاعات.
حياة من الصفر
وقال رشيد (40 عاماً) وهو أفغاني لجأ مع زوجته وطفلهما إلى فرنسا، بعدما كان موظفاً كبيراً في الإدارة الأفغانية "لم أرغب يوماً في مغادرة البلاد، والانطلاق مجدداً من الصفر في مكان آخر، كان لديّ في أفغانستان عمل أحبه، و50 شخصاً تحت إشرافي، ومكانة اجتماعية، ما كنت أقوم به كان مفيداً لبلدي".
وأضاف:"الأشخاص الثلاثون أو الأربعون الذين درسوا معي في الخارج، غادروا جميعهم، تركنا البلاد في قبضة متوحشين، لكن هل كان بإمكاننا البقاء والعمل في ظل حكمهم، خلاصنا الوحيد كان في المنفى".
ووصف الصحافي الأفغاني بلال سارواري، مراسل "البي بي سي" سابقاً واللاجئ في الدوحة الآن، مايحدث بـ"تسونامي هجرة الأدمغة"، وذلك في حديثه للوسيلة الإعلامية "ديموكراسي ناو".