
كانت نيجين خبالواك في منزلها بالعاصمة الأفغانية كابول حين سمعت أن حركة طالبان وصلت إلى ضواحي العاصمة، وسرعان ما انتاب الذعر قائدة الأوركسترا البالغة من العمر 24 عاماً، والتي كانت يوماً وجهاً لأوركسترا أفغانية ذائعة الصيت جُلّ أعضائها من النساء.
وفي المرة الأخيرة التي وصلت فيها طالبان إلى الحكم (1996-2001)، منعت الموسيقى ولم تسمح للنساء بالعمل.
وفي الأشهر الأخيرة من تمردهم، نفذ أعضاء الحركة هجمات تستهدف من اعتبروهم "خانوا رؤيتهم لأحكام الإسلام".
وقالت خبالواك التي فرّت إلى الولايات المتحدة بين عشرات الآلاف ممن هربوا إلى الخارج بعد أن سيطرت طالبان بشكل خاطف على أفغانستان: "شعرت بالفزع الشديد، شعرت بأن ذكريات حياتي كاملة تحولت إلى رماد".
تلخّص قصة الأوركسترا في الأيام التي أعقبت انتصار طالبان، التي جمعتها وكالة "رويترز" جنباً إلى جنب عبر مقابلات مع أعضاء مدرسة خبالواك الموسيقية، مشهد الصدمة الذي شعر به شبان أفغان مثل خبالواك، على الأخص النساء.
وتتألف الأوركسترا، التي تُسمى "زهرة" تيمناً بإلهة الموسيقي الفارسية، بشكل أساسي من فتيات ونساء من دار للأيتام في كابول تتراوح أعمارهن بين 13 و20 عاماً.
تأسست الأوركسترا في 2014، وأصبحت رمزاً عالمياً للحرية التي بدأ الأفغان يشعرون بها في العشرين عاماً الماضية منذ آخر مرة حكمت طالبان البلاد، على الرغم من العداء والتهديدات التي استمرت تواجهها من البعض.
وترتدي النساء أغطية حمراء براقة للرأس، ويعزفن مزيجاً من الموسيقى الأفغانية التقليدية والكلاسيكية الغربية، بآلات محلية مثل الربابة الشبيهة بالجيتار، أمام جمهور استمتع بأدائهن في أماكن امتدت من دار أوبرا سيدني حتى المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس.
الآن يحرس مقاتلو طالبان المسلحون المعهدَ الوطني الأفغاني للموسيقى المغلق، الذي كانت المجموعة تمارس فيه العزف، بينما أمرت الحركة في بعض أجزاء البلاد محطات الإذاعة بوقف بث الموسيقى.
وقال أحمد سارماست، مؤسس المعهد: "لم نتوقع أبداً أن تعود أفغانستان إلى العصر الحجري"، مشيراً إلى أن أوركسترا زهرة كانت مثالاً للحرية وتمكين المرأة في أفغانستان وأن عضواتها كن يعملن "كدبلوماسيات ثقافيات".
وأضاف سارماسات متحدثاً من أستراليا لوكالة "رويترز"، أن طالبان "منعت الموظفين من دخول المعهد"، مشيراً إلى أن "فتيات أوركسترا زهرة، وبقية فرق الأوركسترا والمجموعات في المدرسة (المعهد)، يخشون على حياتهم وهم مختبئون".
وفي الوقت الذي كانت خبالواك تحرق بذعر ذكرياتها الموسيقية في 15 أغسطس الجاري، وهو اليوم الذي دخلت فيه طالبان كابول من دون قتال، كانت بعض قريناتها يحضرن تدريباً في المعهد الوطني للموسيقى، استعداداً لجولة دولية كبيرة في أكتوبر المقبل.
وفي العاشرة صباحاً بالتوقيت المحلي، هرع حراس أمن المعهد إلى غرفة التدريب ليخبروا الموسيقيين بأن طالبان تقترب، وأثناء مسارعتهم إلى الهرب، ترك الكثيرون خلفهم الآلات ثقيلة الوزن واللافتة المظهر والتي يصعُب حملها في شوارع العاصمة، وفقاً لما ذكره سارماسات.
وقال سارماسات الذي كان في أستراليا في ذلك الوقت، إنه تلقى العديد من الرسائل من الطلاب القلقين بشأن سلامتهم ويطلبون المساعدة، وأبلغه موظفوه بألا يعود إلى البلاد بسبب بحث طالبان عنه وتعرض منزله للهجوم عدة مرات.
وتسلط الضوء على الأخطار التي تواجه الفنانين في أفغانستان بصورة وحشية في 2014، حين فجّر مهاجم انتحاري نفسه خلال عرض مسرحي في مدرسة تديرها فرنسا في كابول، ما أصاب سارماسات الذي كان بين الحضور بجروح.
وفي ذلك الوقت، أعلن مقاتلو طالبان مسؤوليتهم عن الهجوم وقالوا إن المسرحية، التي تدين التفجيرات الانتحارية، إهانة "للقيم الإسلامية".
وحتى خلال 20 عاماً كانت السلطة خلالها لحكومة مدعومة من الغرب في كابول، تسامحت مع حريات مدنية أكبر من طالبان، كان ثمة مقاومة لفكرة الأوركسترا النسائية بالكامل.
وتحدثت عضوات بأوركسترا زهرة في السابق عن اضطرارهن لإخفاء موسيقاهن عن الأسر المحافظة وتعرضهن لإساءات لفظية وتهديدهن بالضرب، بل كانت هناك اعتراضات بين الشبان الأفغان.
وتتذكر خبالواك حادثة في كابول حين توقفت مجموعة من الصبيان يشاهدون أحد عروضهم باهتمام بالغ.
وبينما كانت تحزم أغراضها، سمعتهم يتحدثون فيما بينهم، وتتذكر قولهم: "يا له من عار تلك الفتيات يعزفن الموسيقى"، "كيف سمحت لهن عائلاتهن بذلك.. الفتيات مكانهن البيت".
وتمكنت خبالواك من الفرار من كابول، بعد أيام قليلة من وصول طالبان، على متن طائرة إجلاء مع مجموعة من الصحفيات الأفغانيات.
وخبالواك أصغر سناً من أن تتذكر بالكامل الحياة في ظل الحكم السابق لطالبان، لكن الوصول إلى العاصمة وهي فتاة صغيرة لكي تذهب إلى المدرسة عالق في ذاكرتها.
وقالت: "كل ما رأيته هو أنقاض، ومنازل مهدمة، وثقوب في الجدران التي أصابها الرصاص، هذا كل ما أتذكره، وتلك هي الصورة التي ترد في ذهني حالياً حين أسمع اسم طالبان".
اقرأ أيضاً: