أعلنت مصر عزمها عدم السماح بدخول أي منتجات إلى السوق المصرية إلا بشرط استيفائها "المعايير الأوروبية"، اعتباراً من مارس المقبل، بالتزامن مع انتهاء الحكومة من برامج "ميكنة الإجراءات" الضريبية والجمركية في كافة منافذ البلاد.
القرار الذي أعلنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الثلاثاء، أثار حالة من الجدل خاصة داخل أوساط المستوردين، وكذلك الشارع، بشأن تبعاته وتأثيره على حركة التجارة داخل البلاد من ناحية، وبين مصر ودول العالم من ناحية أخرى، وما إذا كان يتسبب في ارتفاع أسعار السلع بالسوق المحلية، واختفاء السلع الرخيصة، أو يؤدي إلى خفض العجز في الميزان التجاري من خلال تقليل فاتورة الاستيراد.
مهلة لتوفيق الأوضاع
كان السيسي، قال خلال جولة تفقدية لعمليات تطوير ميناء الإسكندرية البحري، أحد أهم المنافذ البحرية في البلاد، الثلاثاء، إن "مصر لن تسمح بدخول بضائع لا تستوفي تلك المعايير لأنه لن يسمح ببيع منتجات دون المستوى للجمهور المصري، تعمل لمدة أسبوع أو شهر ثم تتلف"، في إشارة إلى رداءة بعض السلع خاصة الرخيصة الواردة من بعض دول شرق آسيا باستثناء اليابان.
وبحسب ما أعلنه الرئيس المصري، فإن الحكومة عكفت، خلال الفترة الماضية، على وضع مجموعة من المعايير التي تتطابق مع المعايير الأوروبية، ولن يسمح لأي مستورد بداية من مارس 2022 بالتعاقد على بضائع لا تستوفي تلك المعايير، مشيراً إلى أن الفترة من الآن وحتى موعد التطبيق، تعتبر فترة سماح للمستوردين لتوفيق عقود الاستيراد طبقاً للمعايير الجديدة.
وأضاف أن هدف الدولة هو التسهيل على المستوردين، موجهاً حديثه لهم، "لن أرهقكم معي، أنفقنا مليارات كثيرة لتطوير الموانئ وطورنا المنظومة المالية بحيث أصبحت مميكنة بالكامل".
وتابع: "الإجراءات الجديدة قد تبدو صعبة على المستوردين لكنها ليست ابتكاراً مصرياً، وهي مطبقة في العديد من الدول ونحن نحاول اللحاق بها لضمان التسهيل على الناس، ومطابقة المنتجات المستوردة للمعايير، وتحييد أي مواد غير قانونية مثل المخدرات من دخول مصر"، مشيراً إلى أن الحكومة تواصل ميكنة منظومة الضرائب والجمارك بالكامل، على أن تنتهي برامج التطوير والميكنة في مارس المقبل.
"الميكنة لمواجهة الفساد"
وأكد السيسي أن الهدف من "ميكنة الخدمات" هو "تحييد العامل البشري بالكامل لتلافي المشكلات والصعوبات التي تواجهها المنظومة ومكافحة الفساد"، موضحاً أن "مواجهة الفساد لا تتأتى إلا بأن يتعامل البشر مع ماكينات، سواء المواطن أو الموظف، يجب ألا يوجد اتصال مباشر".
وقررت مصر تطبيق نظام التسجيل المسبق للشحنات الواردة إلى مصر ACI، وحظر دخول أي بضائع من الخارج، إلا من خلال النظام، بداية من أول أكتوبر المقبل.
وتقول الحكومة إن النظام الجديد يوفر الكثير من التكلفة والإجراءات لأنه يحدد مسبقاً ما إذا كانت الشحنات القادمة لمصر ستدخل البلاد أم لا قبل شحنها من مصدرها، وبالتالي توفير الكثير من التكاليف في عمليات الشحن والتفريغ وشغل أرصفة الموانئ.
الصين في المقدمة
وبحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر (جهة حكومية) فإن قيمة الواردات في الشهور الخمسة الأولى من العام الجاري، ارتفعت 3.8 مليار دولار لتصل إلى 32.6 مليار دولار، مقابل 28.8 مليار في نفس الفترة من العام الماضي، وجاءت الصين في مقدمة الدول التي تستورد منها مصر، إذ ارتفعت قيمة الواردات منها بقيمة 600 مليون دولار لتصل إلى 5.07 مليار دولار مقابل 4.4 مليار دولار.
واستحوذت 5 دول على نسبة 41.1% من الواردات المصرية عام 2020، في مقدمتها الصين بقيمة 11 ملياراً و570 مليون دولار، والولايات المتحدة بقيمة 4 مليارات و577 مليون دولار، ثم ألمانيا بقيمة 3 مليارات و959 مليون دولار، وإيطاليا بقيمة 3 مليارات و148 مليون دولار، وأخيراً روسيا بقيمة 2 مليار و935 مليون دولار، بحسب الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات المصرية (حكومية).
دعم الصناعة المحلية
شريف الدمرداش أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أكد في تصريحات لـ"الشرق"، أن "ارتفاع معايير جودة السلع والمنتجات المستوردة لا بد أن يصاحبه ارتفاع في الأسعار داخل السوق المحلية نتيجة لارتفاع سعر التكلفة، وهو ما سيؤثر بالطبع على المستهلك وسيشكل ضغطاً كبيراً عليه".
ورجح الدمرداش، أنه "في حالة عدم تناسب سعر المنتج المستورد مع القدرة الشرائية للمستهلك يصبح هناك احتمالان، الأول هو قلة الطلب مما يؤدي لحالة من الكساد والتباطؤ في الدورة الشرائية، أو تحفيز الصناعة المحلية لتوفير بدائل لبعض المنتجات التي يمكن تصنيعها محلياً بأسعار تتناسب مع قدرة المستهلكين"، معرباً عن أمله في حدوث السيناريو الثاني "بما يخدم الصناعة المحلية".
وأشار أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، إلى أن هناك الكثير من النتائج الإيجابية المرتبطة بزيادة حجم الصناعة المحلية قائلاً، "سيؤدي هذا إلى قلة الواردات وبالتالي تقليل الضغط على العملة الأجنبية مما يحسن من وضع العملة المحلية وتقليل عجز الميزان التجاري".
وتابع، "في كل السيناريوهات سيكون هناك زيادة في الأسعار سواء المنتجات المستوردة أو المصنعة محلياً نتيجة لارتفاع سعر مكونات الإنتاج المستوردة من الخارج".
من جانبه، أشار سامح زكي رئيس شعبة المصدرين بغرفة القاهرة التجارية، في تصريحاته لـ"الشرق"، إلى أنه "كلما رفعنا معايير جودة السلع والمنتجات والمواد الخام المستوردة، ارتفعت معايير جودة الإنتاج المحلي، وأصبح قادراً على مواكبة السوق العالمية والمنافسة بقوة"، لافتاً إلى أن "القرارات التي تضمن معايير للاستيراد، تتوافق مع المعايير المحلية تصب بالأساس في صالح المنتج المصري والصناعة المحلية".
ضمان جودة السلع
وأوضح رئيس شعبة المصدرين بغرفة القاهرة التجارية، أنه "ليس من مصلحتي كمصنع محلي أن أنتج سلعاً ليست متوافقة مع المعايير العالمية، ونفس الشيء بالنسبة للمستوردين فهم تجار ورجال صناعة وطبيعة عملهم تتطلب أن يقوموا باستيراد ما يتوافق مع متطلبات السوق لأنهم إذا خالفوا هذه المعايير فلن تقبل بضاعتهم ولن تنزل السوق"، معتبراً أن القرار "هو محاولة لضمان جودة وكفاءة السلع".
صابر شاكر أستاذ الاقتصاد والتجارة الخارجية بجامعة حلوان، اعتبر في تصريحات لـ"الشرق"، أن تطبيق هذا القرار "سيؤدي إلى غلق الباب أمام المنتجات الرديئة التي كانت تدخل إلى مصر، وسيؤدي إلى حماية المستهلك"، مشيراً إلى أنه "يؤثر بالإيجاب على الصناعة المحلية، لأنه يضمن تصنيع منتج جيد وهو مرتبط بخطط تطوير المنظومة الجمركية، بما يضمن مستوى مرتفع من الجودة لأي منتج يدخل السوق المحلية".
وأضاف أن "هناك العديد من الدراسات التي أكدت أن القيود غير الجمركية التي توضع لفلترة المنتجات التي تدخل إلى البلاد، تكون محفزاً لجذب الاستثمارات الأجنبية وتوطين الصناعات"، موضحاً أن "الشركات الأجنبية المصدرة تقوم بعمل تحليل (تكلفة وعائد تصدير) للمقارنة بين تكلفة التصدير بما فيها من نقل وشحن، وبين تكلفة نقل الصناعة بالكامل للدول التي تستهدف أن تسوق فيها منتجاتها لتوفر تكلفة التصدير ومن ثم ينتظر أن يؤدي قرار رفع معايير الاستيراد إلى تشجيع المستثمرين الأجانب لتوطين الصناعات داخل مصر".
فرص للصادرات المصرية
المحلل الاقتصادي ورئيس مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية خالد الشافعي، اعتبر في تصريحاته لـ"الشرق"، أن القرار "يحقق طموح المستثمرين ورجال الصناعة المصرية والمواطن المصري في الحصول على سلعة جيدة عالية الجودة"، متوقعاً "نتائج مبهرة للصناعة المصرية"، وأن "يجعل المنتج المصري له أفضلية داخل الأسواق العالمية ومن ثم جلب فرص توسعية للصادرات المصرية".
وأشار إلى أن من بين آثاره الإيجابية "إطالة العمر الافتراضي للأصول المستوردة مثل الآلات والمعدات واستخدامها لعدد أطول من السنوات، وتحفيز الشركات لتوطين الصناعات، وتقليل الفجوة بين الصادرات والواردات".
تحسن الميزان التجاري
من جانبه، أكد وليد جاب الله، الخبير الاقتصادي وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد، في تصريحاته لـ"الشرق"، أن "السوق المصرية عانت كثيراً من السلع الرديئة التي لا تضر فقط بالاقتصاد ولكنها تضر البيئة والصحة، وهو ما يترتب عليها تكلفة عالية تتحملها الدولة".
وأضاف أن تطبيق المعايير الأوروبية يضمن للمواطن المصري، "الحصول على سلعة مستوردة على درجة عالية من الكفاءة، وسيدفع المنتج المحلي لأن يطور من الجودة بما يتناسب مع جودة السلع المستوردة التي ستدخل مصر، ما سيكون له دور كبير في إعادة هيكلة الواردات المصرية وسوق التجارة الداخلية ومن ثم مزيد من التحسن في الميزان التجاري".
وقال وائل النحاس خبير الأسواق المالية لـ"الشرق"، إن هذا القرار سيكون له مردود اقتصادي كبير سواء في التوفير في الكهرباء وقلة الإنفاق على الصحة، "كما أن زيادة جودة المنتجات المصنعة محلياً سيكون له مردود أيضاً على زيادة الثقة في العلاج في مصر والسياحة والاستثمار، مشيراً إلى أنه "سيسهم أيضاً في زيادة الصادرات".
اقرأ أيضاً: