
لا تزال قضية النساء المتخلفات عن سداد ديونهن للشركات المُقرضة تؤرق المجتمع الأردني، حيث تفاقمت هذه القضية في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد، وتزداد المخاطر اليوم من تعرض أولئك السيدات لأحكام بالسجن، في حال عدم القدرة على دفع المبالغ المترتبة عليهن.
ويعود حصول نساء أردنيات على تلك القروض، من شركات تمويل، لأسباب عدة، منها تحسين أوضاعهن المالية، أو بهدف إنشاء مشروع صغير يوفر لهنّ دخلاً مستقراً، وعلى الرغم من أن هذه القضية ليست بالجديدة، غير أنها عادت إلى الأضواء بسبب تفاقم الظروف المالية، وهو ما تؤكده لـ"الشرق" سيدة تواجه صعوبات في سداد دينها.
الملاحقة القانونية
مرام سيدة أردنية تبلغ من العمر 38 عاماً، وهي أم لخمسة أطفال، بدأت حكايتها عندما لجأت إلى إحدى الشركات التمويلية الصغيرة، للحصول على قرض مُيسر، الغرض منه إنشاء مشروع استثماري لبيع الملابس والعطور وصناعة الصابون، تنشد من خلاله تحسين الوضع المعيشي لأسرتها.
وبعد أن حصلت على قرض قيمته (1200) دينار أردني، أي ما يعادل (1700 دولار أميركي)، بدأت مرام أولى خطواتها العملية في مشروعها، والذي كان من المفترض أن يذهب جزء من أرباحه لتسديد القرض، بحسب الأقساط المتفق عليها، على أن تُنفق ما يتبقى على مستلزمات عائلتها.
لكن، ونتيجة لوعكة صحية تركزت في "الكلى" ألمت بها بشكل مفاجئ، اضطرت مرام إلى التوقف عن العمل، وبالتالي تعثر مشروعها، وعجزت عن تسديد القرض والالتزامات المالية المترتبة عليها، ثم قررت اللجوء إلى مؤسسة أخرى لتتمكن من سداد أقساط القرض الأول، وتفادي الملاحقة القانونية، وقد بلغت قيمة القرض الثاني (400) دينار أردني، أي (570) دولاراً أميركياً، حيث استطاعت الحصول عليه دون شروط تذكر.
ورغم ذلك، لم تتمكن مرام من دفع المبالغ المستحقة كافة، وأصبحت اليوم ملاحقة قانونياً، بعد أن قامت المؤسسة المُقرضة برفع دعوى قضائية ضدها، وتقبع اليوم في منزلها بأحد الأحياء الشعبية في العاصمة الأردنية عمان، لا تغادره، بينما يسيطر عليها القلق والخوف من تداعيات القضية.
13 ألف سيدة
مرام ليست الأردنية الوحيدة التي تواجه خطر عقوبة السجن بسبب التخلف عن سداد القروض، إذ تشير آخر إحصائية رسمية إلى وجود قرابة 13 ألف سيدة في الأردن تواجهن قضايا مشابهة، وتتراوح قيمة ديونهن ما بين 4 آلاف دولار، و7 آلاف دولار أميركي.
واللافت أن جميعهن معرضات للسجن جراء ذلك، في حين يبلغ عدد الأردنيات المطلوبات لتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بحقهن أو اللاتي بات لديهن قيد أمني قرابة 8 آلاف سيدة.
"أردن النخوة" لمساعدة النساء
واستدعت هذه القضية، تدخل العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بشكل مباشر، حيث أطلق عام 2019 مبادرة "أردن النخوة"، وتتمثل في إنشاء صندوق وطني للسداد عن السيدات المتعثرات، بحيث يشرف صندوق الزكاة الأردني على التبرعات التي تصل لمساعدة أولئك النساء.
وفي حديث لـ"الشرق"، قال المدير العام لصندوق الزكاة التابع لوزارة الأوقاف الأردنية، الدكتور عبد محمود السميرات، إن مبادرة "أردن النخوة" ترتكز على عنصر المشاركة الفاعلة والاستدامة والاستمرارية، عبر تفعيل الشراكة بين جميع القطاعات الرسمية والخاصة ومؤسسات المجتمع المدني.
وأشار سميرات، إلى إبرام اتفاقية بين صندوق الزكاة، ووزارة العدل، ومديرية الأمن العام، بحيث يتم اعتماد أسماء النساء المتخلفات عن سداد القروض، من اللاتي تستوفين الشروط المحددة، بغض النظر عن الجهة الدائنة، ومن ثم يقوم الصندوق بدفع الدفعات المستحقة بموجب شيك، وبعد ذلك تتوقف القضايا المرفوعة في المحاكم من خلال التنسيق مع وزارة العدل.
واستطاعت المبادرة منذ انطلاقها وحتى العام الجاري 2021، المساهمة في مساعدة 7 آلاف و325 سيدة بقيمة مبالغ إجمالية تجاوزت 4 ملايين دينار أردني.
"حبس المدين"
وترى الخبيرة الحقوقية والقانونية أسمى خضر، أن تعثر النساء في سداد الديون، لا يستوجب عقوبة السجن، باعتبارها في الغالب لا تؤدي للنتيجة المرجوة، وقالت "تنص اتفاقية الحقوق الاقتصادية الاجتماعية على أنه لا يجوز احتجاز شخص بسبب التخلف عن تسديد دين تعاقدي".
وأشارت في حديث لـ"الشرق"، إلى أن القانون الدولي لحقوق الإنسان لا يُجيز حبس المدين، خاصة أن عدم السداد، في حالة النساء الأردنيات، ناشئ عن التعثر الاقتصادي، بسبب توقف المشروع وخسارته لسبب ما، أو بسبب المرض أو العجز، وتابعت "حماية الدائن تكون من الأفعال غير القانونية، كالاحتيال أو الشيكات دون رصيد."
كما دعت خضر إلى إعادة النظر بالنص القانوني الأردني المتعلق بسجن السيدات العاجزات عن سداد قروضهن، والبحث عن حلول أخرى، على غرار معرفة أسباب طلب القرض والتحقق من جدوى المشروع قبل منحه، أو ضمان السداد من خلال الاقتطاع من الدخل، والعمل الإلزامي، أو تأجيل القسط أو تخفيف قيمة القسط الشهري.
ورغم المطالبات بإيجاد حلول فعلية لمساعدة وإنقاذ آلاف النساء في قضية سداد القروض، إلا أن هذا الملف لم يغلق بعد، والمحاكم تمتلئ بالقضايا والكثيرات ملاحقات قانويناً ومهددات بالسجن.