
حظيت الخطى الأولى لرائدة الأعمال الأميركية إليزابيث هولمز، باهتمام كبير بوصفها أصغر مليارديرة عصامية في العالم، بفضل أفكارها الثورية في عالم التكنولوجيا الحيوية.
وقدّمت هولمز وعوداً عبر شركتها الناشئة "ثيرانوس"، بأن تُحدث ثورة في التشخيص الطبي، فبضع قطرات دم من الإصبع بوسعها أن تكشف عما إذا كان صاحبها مصاباً بالسكري، أو ارتفاع معدلات الكوليسترول، أو حتى السرطان، دون الحاجة لسحب عيّنات الدم بالطرق المعتادة.
غير أن الأعوام التالية للصعود المُدوي كانت كفيلة لتواجه "خليفة ستيف جوبس" اتهامات بالتآمر والاحتيال الإلكتروني، خلال المحاكمة التي بدأت الأسبوع الماضي وقد تستمر لعدة أشهر، كواحدة من أشهر الفضائح التي ارتبطت بوادي السيليكون، مهددة هولمز بالسجن 20 عاماً حال إدانتها.
مهد ثيرانوس
في العاصمة الأميركية واشنطن، وُلدت هولمز عام 1983 لوالدين تقاطعا مع عالم الأعمال والسياسة خلال مسيرتهما المهنية، فوالدها تحوّل من عالم الأعمال إلى العمل الحكومي إثر فضيحة إفلاس، فيما عملت والدتها بالكونجرس.
ووفقاً لمجلة "فورتشن" الأميركية، فقد اتسمت هولمز بطموح مُبكر وميل للابتكار، كانت محصلته الالتحاق بجامعة ستانفورد لدراسة الهندسة الكيميائية، حيث أحرزت شهرة وحصلت على منحة لإتمام مشروعها البحثي.
وخلال عامها الثاني بستانفورد، قدمت هولمز براءة اختراع لجهاز طبي لضخ الدواء بناءً على تحليل مكوّنات الدم، وأسست شركة "ريل تايم كيورز" (التي أصبحت ثيرانوس فيما بعد) برعاية أستاذها في الجامعة، ليشهد عام 2003 انقطاعها عن الجامعة لصالح شركتها الناشئة حينما كانت بعُمر التاسعة عشر.
اختبار أديسون
وفي حوار لها عام 2014، مع منصة "وايرد"، اعتبرت إليزابيث هولمز التي كانت في ذلك الوقت قد اتضّح ملامح مشروعها، أن حافزها الأساسي لتدشين مشروع ثيرانوس كان خوفها من وخز الإبر، الشيء الوحيد الذي يخيفها حقاً، على حد تعبيرها، وهو الرهاب الذي تشترك فيه مع الكثيرين حول العالم.
غير أن الخوف من سحب العينات لم يكُن دافع هولمز المعلن الوحيد، فقد امتلكت خطاباً بخصوص مشروعها الشخصي الذي من شأنه أن يغير وجه خدمات الرعاية الصحية عن طريق تسريع نتائج الفحوصات، على نحو قد يجعل اكتشاف الأمراض مبكراً كفاية لإنقاذ حيوات المرضى، عن طريق وخزة إبرة سريعة للإصبع كافية لإجراء 30 تحليلاً.
وخطاب هولمز الواثق ساعدها في استقطاب الدعم والفرص الاستثمارية من أشهر المستثمرين، ووفقاً لشبكة "بي بي سي" البريطانية، فقد وجدت دعماً من وزير الخزانة الأميركي جورج شولتز، ورجل الإعلام روبرت مردوخ، وأفراد من عائلة والتونز، إحدى أكثر العائلات الأميركية ثراء، وقفوا خلف هولمز و"فحص إديسون" الواعد.
وبين عامي 2003 و2014 واصلت هولمز الصعود وعقد الشراكات والتحوّل لهدف إعلامي، يجري الحوارات والأحاديث الملهمة، فضلاً عن عشرات الشراكات لتوفير فحوصها بشكل تجارى، لتصل قيمة ثيرانوس في ذلك الوقت إلى 9 مليارات دولار.
هدف استقصائي
ويعتبر 2015 عاماً مفصلياً في مسيرة هولمز وثيرانوس، ففي حين كانت بعض الأصوات الهامشية من داخل وخارج ثيرانوس تشكك في مصداقية هولمز خلال أعوام سابقة، وجدت تلك الأصوات طريقها للرأي العام في تلك السنة.
ويُعد الاستقصاء الذي أجرته إدارة الغذاء والدواء الأميركية، في أغسطس 2015، التحرُك الأول للكشف عن عيب نظام الفحص المدعوم من قبل ثيرانوس، والذي رصد أخطاء كبيرة في نتائج التحاليل.
ولاحقاً، وبالتحديد في أكتوبر من العام ذاته، كانت ثيرانوس هدفاً استقصائياً لحملة صحفية بـ"وول ستريت جورنال"، التي أثبتت أن جهاز إديسون المزعوم يوظّف التقنية ذاتها المستخدمة من قبل شركات الفحوص الطبية الأخرى، غير أن هولمز في تصريحات لشبكة "سي إن بي سي" اعتبرت الحملة ضريبة سباحتها ضد التيار ورغبتها في التغيير.
وبحلول أكتوبر 2016، أصبح حل ثيرانوس أمراً محققاً، فوفقاً لـ"بيزنس إنسايدر"، مُنعت هولمز من إجراء الفحوص المعملية لمدة عامين، لتغلق ثيرانوس كافة معاملها.
مُحاكمة الأم
وبحسب تقرير لـ"فانيتي فير"، حرصت هولمز منذ اللحظة الأولى أن تقتفي أثر رائد الأعمال الأشهر ستيف جوبس، فهي ترتدي زياً مشابهاً لزيّه، وتُبدي هوساً مفرطاً بالسرية والتأمين، وتُطور درجة من إدمان العمل وزهد الراحة، غير أنها لم تُحسن مواصلة المسير على خطاه على ما يبدو.
وواجهت هولمز، خلال جلسة المحاكمة الأولى التي عُقدت مؤخراً، صُحبة شريكها صني بالواني، الشخصية الثانية في ثيرانوس، اتهامات بالتحول للاحتيال بدءاً من عام 2009، والمبالغة في أداء ثيرانوس والزج باسم شركة فايزر للأدوية والجيش الأميركي، بوصفهما ضامنين لمصداقية فحوص ثيرانوس.
من جانبهم، شرع أفراد فريق دفاع هولمز في التشكيك في الإدعاءات الموجهة إليها، وتتوقع تقارير صحافية أن تنحرف المُحاكمة التي تُستأنف هذا الأسبوع بولاية كاليفورنيا، إلى الدفع بأن حالة ثيرانوس تجسد فشلاً لا يرقى لدرجة الإجرام، إضافة إلى التشكيك في السلامة النفسية لإليزابيث، جرّاء السيطرة العاطفية التي مارسها عليها شريكها راميش بالواني أثناء اعتلائهما إدارة ثيرانوس.