أقامت مصر، مساء الخميس، احتفالية ضخمة لافتتاح طريق الكباش الأثري الذي يربط معبد الأقصر بمعبد الكرنك في محافظة الأقصر جنوبي مصر، بعد الانتهاء من ترميمه وتطويره واكتشاف غالبية التماثيل التي كانت مطمورة تحت الأرض.
حضر الاحتفالية الرئيس عبد الفتاح السيسي وعدد من المسؤولين المصريين والأجانب، من أكثر من 30 دولة، وسفراء الدول المعتمدون بالقاهرة، ومندوبو وسائل إعلام محلية وعالمية.
بدأت الاحتفالية بمقدمة مصورة عن وادي الملوك، ومعابد الأقصر، والكرنك، وهابو، وحتشبسوت في البر الغربي، وكذلك متحف الأقصر، قدمها مجموعة من الإعلاميين.
استمرار البحث عن التماثيل
واستقبل وزير السياحة والآثار خالد العناني، السيسي، وقدّم له وصفاً مفصلاً عن طريق الكباش، مؤكداً أن الاحتفال يأتي بمناسبة الانتهاء من الكشف عن الطريق الذي يتكون من 1057 تمثالاً، موضحاً أن رؤوس معظم التماثيل كانت مفقودة لكن البعثات الآثرية عثرت على الكثير منها.
وأضاف العناني، أن مشروع الكشف عن طريق الكباش بدأ عام 2004، لكن الأعمال توقفت بعد أحداث 2011، موضحاً أن معبد الأقصر هو الوحيد المشيد عمودياً على النيل بهدف استقبال الموكب القادم من النيل، مشيراً إلى أن واجهة المعبد كانت بها مسلتان، الأولى أهدتها مصر إلى فرنسا في ثلاثينيات القرن الماضي، والتي وضعتها في ميدان الكونكورد بالعاصمة باريس، والثانية لا تزال في مكانها.
"عيد الأوبت"
وأجرى السيسي، بصحبة العناني جولة تفقدية داخل المعبد، بدأت من داخل الفناء المكشوف الذي تبلغ مساحته أكثر من 2000 متر مربع ويحتوي على تمثالين للملك رمسيس الثاني، ومنه إلى فناء أمنحوتب الثالث الذي يضم 14 عاموداً ضخماً.
وشرح العناني، طبيعة عيد "الأوبت" الذي كان يتم الاحتفال به في الدولة المصرية القديمة.
"بلدنا الحلوة"
بدأت الفقرات الرئيسية للاحتفالية من داخل معبد الأقصر، بأغنية للفنان محمد حماقي والفنانة لارا إسكندر بعنوان "بلدنا الحلوة"، التي تم تصويرها باللغتين العربية والإنجليزية، في عدد كبير من شوارع ومعابد ومتاحف الأقصر وغيرها من معالم المدينة، وشارك فيها المئات من الشباب والفتيات، كما كررا غناءها على مسرح الاحتفالية، وأدت الفنانة هايدي موسى "أنشودة حتشبسوت، فيما أدى الفنان عز الأسطول "أنشودة آمون".
"الأقصر.. السر"
وتضمن الحفل فيلماً تسجيلياً بعنوان "الأقصر.. السر"، شارك فيه الفنانون عمرو وهبة، وأسماء أبو اليزيد، وسلمى أبو ضيف وأدهم الشرقاوي ورامي عاشور وبسنت نور، وسيناريو وإخراج تامر محسن، عن الإرث الثقافي والحضاري للمدينة، وسبب ارتباط السائحين بها، وإقبال بعضهم على الإقامة بها، وأهميتها على خريطة السياحة العالمية بسبب احتوائها على كمية ضخمة من الآثار.
وكشف الفيلم عن مجموعة كبيرة من الصور الفوتوغرافية والتسجيلات النادرة للمدينة، خصوصاً طريق الكباش، وأبرز مزارات وعادات واحتفالات المدينة، وكذلك عمل البعثات الأثرية والاكتشافات التي شهدتها الفترة الماضية، وتلت عرض الفيلم أغنية "أحلى بلاد" للفنانة هند الراوي.
"هوية بصرية"
وألقى وزير السياحة والآثار خالد العناني، كلمة أعلن خلالها "تقديم الأقصر في ثوب جديد" بعد الانتهاء من اكتشاف طريق الكباش الذي اكتشف فيه أول تمثال عام 1949، مشيراً إلى أن عمليات البحث والتنقيب لم تتوقف منذ ذلك التاريخ، إلا لفترة بعد أحداث 25 يناير، لافتاً إلى اكتشاف 807 تماثيل برأس إنسان و250 تمثالاً برأس كبش، مؤكداً استمرار البحث عن باقي التماثيل البالغ عددها 1057 تمثالاً، حتى بعد الافتتاح.
وأشار العناني إلى الانتهاء من مشروع الهوية البصرية للأقصر الذي شمل المطار، والشوارع، والمراكب، وعربات الحنطور (التي تجرها الخيول) وواجهات المتاحف، لضمان الترويج السياحي للمدينة باعتبارها نابضة بالحياة.
وكانت الفقرة الرئيسية في الاحتفالية عرضاً فنياً مستوحى من "عيد الأوبت"، الذي كان يقام احتفالاً بالفيضان، وكان يبدأ من النيل وصولاً إلى المعبد ثم يعود إلى النيل، وبدأ الاحتفال به لمدة 11 يوماً ثم وصلت مدة الاحتفال إلى 27 يوماً، شارك فيه مجموعة كبيرة جداً من الراقصين، وانتهى بأغنية "الأقصر بلدنا" التي أداها الفنان وائل الفشني، وهي أغنية شهيرة سبق أن أداها الفنان محمد العزبي مع "فرقة رضا" ضمن أحداث فيلم "غرام في الكرنك" الذي عرض عام 1967، ومنذ ذلك الحين تحولت الأغنية إلى ما يشبه النشيد الوطني للأقصر.
استعدادات ضخمة
وزارة السياحة والآثار، ومحافظة الأقصر، وغيرهما من الأجهزة المعنية، حرصت خلال الأيام القليلة الماضية، على إنهاء جميع الاستعدادات اللازمة لخروج الاحتفالية بصورة لا تقل عن احتفال نقل المومياوات الملكية من المتحف المصري بميدان التحرير في العاصمة القاهرة، إلى متحف الحضارة بالقاهرة أيضاً، في 3 أبريل الماضي.
واتشحت مدينة الأقصر بلافتات احتفالية، وتزينت الشوارع بأجهزة الإنارة الحديثة، واصطفت مجموعة من المراكب الشراعية في نهر النيل المواجه للمعبدين، تحمل على أشرعتها شعار الاحتفالية التي تأتي تتويجاً لحدث طال انتظاره منذ 70 عاماً.
واكتست أرضية معبد الأقصر بممرات خشبية لتنظيم حركة الحضور، واصطفت مقاعد الحضور أمام المدخل الرئيسي للمسرح في منتصف المسافة بينه وبين القطاع الأول من طريق الكباش، وتم تثبيت المسرح الكبير الذي يستضيف الحفل الرئيسي.
سر الكباش
وشيّد المصريون القدامى الكباش أمام المعبد لحمايته من الأرواح الشريرة وفقاً لمعتقداتهم، وكانت الكباش تشيد بشكلين، كباش كاملة، أو على هيئة جسم أسد ورأس كبش.
ويعد الكبش في مدينة طيبة القديمة (الأقصر حالياً) الرمز الأكبر للإله آمون، المرتبط بإله الشمس ويطلق عليه اسم آمون رع، ويمثل طريق الكباش في الديانة المصرية القديمة امتزاجاً واضحاً بين آمون برأس الكبش، وإله الشمس الذي يمثل جسم الأسد.
ويبلغ طول طريق الكباش نحو 2700 متر، وهو عبارة عن ممشى حجري توجد على جانبيه الكباش وتماثيل لأبي الهول، وأمنحوتب الثالث، ونختنبو الثاني، بإجمالي 1059 تمثالاً أغلبها بحالة جيدة، لكن هناك عدداً من القواعد الخالية من التماثيل جراء تعرضها للتهشم بسبب عوامل الزمن.
اقرأ أيضاً: