
في وقت سابق الأربعاء، انطلق الملياردير الياباني يوساكو ميازاوا في رحلته الفضائية الأولى إلى محطة الفضاء الدولية، عبر ميناء بايكونور الفضائي الواقع في كازاخستان، بصُحبة مصوّر ومنتج ستكون مهمّته تخليد تلك الرحلة إعلامياً ونشرها عبر يوتيوب، ما يخالف الوضع التاريخي للميناء الفضائي العريق.
اعتاد رواد الميناء منذ تدشينه قبل عقود أن تلُف أنشطته السرية والغموض، لكنها على ما يبدو على وشك التبدد، إذ يخطو الميناء السري خطواته الأولى للمشاركة في مشهد سياحة الفضاء.
ميناء فضائي
يطلق مصطلح الميناء الفضائي على أي موقع لإطلاق المركبات الفضائية، على غرار موانئ السفن ومطارات الطائرات، ويشير إلى المواقع القادرة على إطلاق مركبات في مدار حول الأرض.
ومن أبرز نماذج الموانئ الفضائية قاعدة كيب كانافيرال للقوات الجوية، ومركز كيندي للفضاء، ومركز جيوغوان الصيني لإطلاق الأقمار الصناعية، ويُعد ميناء بايكونور الفضائي بكازاخستان من أعرق تلك الموانئ وأقدمها.
ويتصف عادة موقع الميناء الفضائي بقربه من خط الاستواء، والبعد عن المناطق السكنية لتفادي تضرر السكان من فشل عمليات الإطلاق الكارثي، وبعض تلك الموانئ دُشنت بالفعل في مواقع عسكرية قائمة استخدمت من قبل في إطلاق الصواريخ.
ووفقاً لوكالة الفضاء الأميركية "ناسا"، فإن ميناء بايكونور الفضائي الذي يقع في كازاخستان، كان حريّ به أن يسمى باسم أقرب مدينة للميناء، وهي مدينة تيوراتام الواقعة على خط السكة الحديد الواصل لموسكو، إذ تبعد عنه حوالي 322 كيلومتر فقط.
وقد جرى ربط الميناء بمدينة بايكونور، المدينة التعدينية الصغيرة بكازاخستان، على الأحرى لأغراض تمويهية؛ إذ حرص الجانب السوفيتي على سريته وتضليل الأطراف الدولية عن موقع الميناء المحدد؛ حفاظاً على طموح البرنامج الفضائي السوفيتي من الاستهداف.
محطات تاريخية
في ستينات القرن الماضي، كان الطموح السوفيتي الفضائي هو الأعلى صوتاً، إذ شهد عقد الستينات أبرز إنجازات السوفييت في مجال الفضاء، والتي قزّمت بدورها من أي إنجاز أميركي في مجال الفضاء، حتى خطوة الصعود للقمر، وتعد هذه الفترة هي الذهبية لازدهار مكانة ميناء بايكونور.
وبحسب موسوعة بريتانيكا، فإن بايكونور كان مركز العمليات الرئيسي لبرنامج الفضاء الطموح للسوفييت من الستينيات حتى الثمانينيات، وهو مجهز بمرافق كاملة لإطلاق المركبات الفضائية المأهولة وغير المأهولة.
وجرى بناء الميناء في الأصل في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي كمركز صاروخي بعيد المدى، ثم توسيعه لاحقاً ليشمل مرافق الرحلات الفضائية.
ومن أبرز المحطات التاريخية في مسيرة بايكونور إطلاق أول قمر صناعي عام 1957، وأول رحلة مدارية مأهولة التي حملت رائد الفضاء الروسي يوري جاجارين، أول رجل يجري إرساله للفضاء عام 1961، وكذلك رحلة أول امرأة إلى الفضاء، فالنتينا تيريشكوفا عام 1963.
وحتى تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991، ظل ميناء بايكونور الميناء الرئيسي لبرنامج الفضاء السوفيتي، ليستمر في العمل تحت رعاية روسية منذ ذلك الحين.
نصف المسافة للفضاء
خلال مهمة عام في الفضاء، وصف رائد الفضاء سكوت كيلي وصول أي رائد فضاء إلى ميناء بايكونور بأنه بمثابة قطع نصف المسافة نحو الفضاء، نظراً للعزلة التي تؤهل رواد الفضاء لرحلتهم هناك، وبالرغم من أنه أميركي الجنسية، فإن الميناء الذي كان في السابق حصرياً على رواد الفضاء السوفييت، وطأته في العقود الأخيرة أقدام من كافة الجنسيات.
وبحسب الموقع الرسمي لوكالة الفضاء الأوروبية، فإن ميناء بايكونور قد دخل حقبة جديدة يعنونها التعاون الدولي، بعدما "ولت بيروقراطية الحقبة السوفيتية"، وأصبحت شركة إنيرجيا الروسية هي المتحكمة في النشاط الفضائي، إذ أدركت روسيا أن دعمها لعمليات الإطلاق الفضائية لدول أخرى يمكن أن يوفر دخلاً قومياً.
وتُعد الاتفاقية التي جرى توقيعها بين روسيا وكازاخستان عام 1994 بعد استقلال كازاخستان عام 1991، هي التي سمحت لأهم منصة إطلاق في المشروع الروسي الفضائي أن تكون على تربة أجنبية، وتتلقى كازاخستان نظير تلك الاتفاقية قرابة 7 مليار روبل سنوياً لإيجار بايكونور.
وخلال عقد التسعينات، وفقاً لـ"ناسا"، استخدم ميناء بايكونور في إطلاق زاريا، أول وحدة من وحدات محطة الفضاء الدولية بتمويل أميركي وتكنولوجيا روسية.
أما في الألفينات، فبتقاعد برنامج المكوك الفضاء الأميركي عام 2011، كانت مركبات سويوز التي تقلع من بايكونور، هي الوحيدة التي بوسعها الوصول إلى محطة الفضاء الدولية.
ومن ثم أقلّت على متنها رواد الفضاء الأميركيين لمحطة الفضاء الدولية، ورواد الفضاء من الجنسيات الأخرى، وفقاً لمنصة سبيس.
مستقبل الميناء
أواخر عام 2020، أثمر تعاون وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" مع الشركة الخاصة المملوكة لإيلون ماسك، عن أولى رحلات مهمة دراجون، التي أصبح بوسعها إرسال رواد فضاء من مركز كينيدي للفضاء بفلوريدا إلى محطة الفضاء الدولية، ما تسبب في تراجع اعتماد رواد الفضاء الأميركيين على مركبات سويوز، وبالتالي على ميناء بايكونور.
إضافة لذلك، فإن روسيا تعمل حالياً على تجهيز ميناء الفضاء الخاص بها، فستوتشني، في أقصى شرق روسيا، ما يجعل مركزية بايكونور في المشروع الفضاء الروسي مهددة.
وصرحت وكالة الفضاء الاتحادية الروسية لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" قبل أسبوع، أنه لا علاقة بين تدشين ميناء فضائي جديد على أرض روسية، ومواصلة أنشطة ميناء بايكونور، إذ تعمل روسيا بالتعاون مع كازاخستان على عدة إنشاءات جديدة في بايكونور، فضلاً عن تحديث منصة إطلاق جاجارين المشهورة عالمياً لتشغيل مركبة الإطلاق سويوز 2.
سياحة بايكونور
وتُعد السياحة الفضائية وجهاً مستحدثاً من أوجه استغلال ميناء بايكونور الفضائي، إذ تزداد يوماً بعد الآخر الأفواج السياحية التي تحل ضيوفاً على الميناء لمشاهدة عمليات الإطلاق، لاسيما المتوجهة لمحطة الفضاء الدولية.
وبحسب "بي بي سي"، فإن حالة السرية مازالت تسيطر على الموقع الذي أصبح سياحياً، حتى اليوم، فبالرغم من أن الميناء يقع ضمن الأراضي الكازاخية، إذ أنه عملياً يعد منشأة محظورة تديرها وكالة الفضاء الروسية.
وتشترط روزكوزموس في الرحلات السياحية أن يكون المسافرون في جولة إرشادية، يتم ترتيبها من خلال مشغل معتمد لتقديم طلب للحصول على تصاريح الدخول للجميع.