أكد البروفيسور في علم الأعصاب والكيمياء الحيوية جيمس جيوردانو، الذي يعمل مستشاراً لدى وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين، لـ"الشرق" أن أبحاثه انتهت إلى تعرض المصابين بـ"متلازمة هافانا" لشكل من أشكال الطاقة الموجهة مثل "ترددات الراديو والأمواج فوق الصوتية أو شيء من الموجات الكهرومغناطيسية الدقيقة ذات التردد المنخفض القابل للتغير".
منذ ظهورها قبل نحو 6 سنوات، أثارت "متلازمة هافانا" جدلاً متواصلاً في وسائل الإعلام ودوائر صناعة القرار الأميركية، ودفعت الرئيس جو بايدن في أوائل فبراير الجاري، إلى تعيين منسق خاص للتحقيق في ما خلص إليه تقرير وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي أي إيه) بأن الأعراض قد تكون ناجمة عن مصدر خارجي وأن الموجات الكهرومغناطيسية والترددات فوق الصوتية يمكنها أن تفسر الظاهرة بشكل مؤكد.
والجمعة، أعرب جون بولتون مستشار الأمن القومي السابق لدونالد ترمب، عن قلقه من الخطر الذي تشكله المتلازمة على الولايات المتحدة والرئيس الأميركي نفسه، داعياً إلى كشف هذا المرض الغامض الذي يصيب الدبلوماسيين الأميركيين حول العالم.
كوبا في دائرة الاتهام
وظهرت أعراض المتلازمة على دبلوماسيين أميركيين وكنديين معتمدين في كوبا للمرة الأولى في 2016، لذلك سميت "متلازمة هافانا" نسبة للعاصمة الكوبية، وكانت الأعراض عبارة عن دوار وأرق وفقدان التركيز وسماع طنين في الأذن، ثم تم الإبلاغ عن هذه الحوادث الصحية غير الطبيعية في أماكن أخرى من العالم، مثل الصين وألمانيا وأستراليا وروسيا والنمسا وحتى في واشنطن.
واتهم الرئيس الأميركي حينها دونالد ترمب كوبا بالوقوف وراء تلك الأعراض، وقررت الخارجية تقليص تمثيلها الدبلوماسي هناك لكن شكاوى مماثلة ظهرت في دول أخرى مثل النمسا والصين.
وحظيت الظاهرة باهتمام رفيع المستوى، إذ واصل مسؤولون حكوميون الإبلاغ عن حوادث في بلدان عبر أوروبا وآسيا وإفريقيا وأميركا الجنوبية، على مدار العام الماضي.
وكان أبرز هذه الحوادث إرجاء رحلة نائبة الرئيس كامالا هاريس، في أغسطس 2021، من سنغافورة إلى فيتنام لأكثر من 3 ساعات، عندما أبلغ العديد من الموظفين الأميركيين عن أعراض تتوافق مع "متلازمة هافانا" في هانوي.
ودفعت الشكاوى الإدارة الأميركية إلى طلب مساعدة البروفيسور في علم الأعصاب والكيمياء الحيوية جيمس جيوردانو، الذي يعمل مستشاراً لدى وزارة الخارجية وهيئة الأركان المشتركة في وزارة الدفاع (البنتاجون).
فحص 20 حالة
جيوردانو كشف خلال حلقة خاصة عن الظاهرة في برنامج "بعد حين" على قناة "الشرق" أن الخارجية الأميركية قدمت إليه نحو 20 حالة ممن ظهرت عليهم الأعراض في هافانا، وأطلعته على بياناتهم وتاريخهم الطبي ونتائجه الحالية وعن سجلاتهم السابقة، إلى جانب معلومات حول "هندسة وجغرافيا المكان الذي كانوا يعيشون ويقيمون ويعملون فيه".
وأضاف جيوردانو أن الحالات لم تكن تعاني فقط أعراضاً مثل الدوار والشعور بالضغط في الرأس وفقدان حاسة الاتجاه، بل سمع بعضهم رنيناً أو طنيناً في آذانهم وتبع ذلك "تزايد في التشوش الذهني وتراجع في القدرة على الانخراط حتى في مهام الإدراك البسيطة".
أعراض سكتات دماغية
وكشف جيوردانو، أن التصوير الطبي أظهر تشوهات تتطابق مع حالات ارتجاج في المخ وفي الدماغ في ما يشبه سكتات دماغية صغيرة.
البروفيسور كوسيك ساركار، في مختبر السوائل المنوية والموجات فوق الصوتية في جامعة جورج واشنطن، أطلع "الشرق" على تسجيل أصوات الطنين التي سمعها الضحايا المفترضون في هافانا.
وقال ساركار للبرنامج إنه حصل على التسجيل في أكتوبر 2017، لكن ذلك قد يمثل فقط النطاق المسموع.
فرضية هجوم صوتي
بعد فترة بدأت تنتشر فرضية حدوث هجوم صوتي باستخدام طاقة موجهة مثل الموجات الكهرومغناطيسية القصيرة وأمواج الراديو والترددات فوق الصوتية.
وتتطابق تلك الفرضية مع نتائج أبحاث البروفيسور جيمس جيوردانو الذي خلص إلى احتمال وحيد بعد استبعاد فرضيات مثل المواد الكيماوية، والأدوية، وإشعاعات الأجهزة الطاردة للحشرات والحيوانات.
وقال جيمس جيوردانو لبرنامج "بعد حين" إن أبحاثه انتهت إلى تعرض الحالات لشكل من أشكال الطاقة الموجهة مثل "ترددات الراديو والأمواج فوق الصوتية أو شيء من الموجات الكهرومغناطيسية الدقيقة ذات التردد المنخفض القابل للتغير".
هجوم إشعاعي
وعزا جيوردانو الأمر إلى آثار جانبية خلال استخدام أدوات وأجهزة تجسس أو إلى عمل تخريبي مباشر يستخدم الترددات والموجات كسلاح.
وبالفعل، كشفت وثيقة أميركية تقريراً صدر عام 1979 يفيد بتعرض سفارة واشنطن في موسكو إلى إشعاعات الموجات الدقيقة على مدى 25 عاماً، وفي 2018 نشرت شركة رايثيون اختباراً لاستخدام الطاقة الموجهة في تدمير أهداف عدائية.
وقال جيمس جيوردانو إن الطاقة الموجهة تؤثر أيضاً في الجهاز العصبي وتعطل مجموعة متنوعة من الأنسجة البشرية.
وقال كوسيك ساركار إن الطاقة الموجهة تستخدم في التطبيقات الطبية، مثل استخدام الموجات فوق الصوتية بترددات عالية لعلاج الأورام وتفتيت حصوات الكلى.
مطالب بالتعويض
دبلوماسيون وضباط استخبارات أميركيون مثل مارك لينزي، أقاموا دعاوى قضائية طالبوا فيها بالحصول على تعويضات، وتولى تمثيل بعضهم محامون مثل مارك زيد الذي اشتهر بدفاعه عن مفجر "فضيحة" مكالمة الرئيس السابق دونالد ترمب مع نظيره الأوكراني.
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن وقع قانوناً يسمح بتعويض الضحايا المفترضين باسم "قانون مساعدة الضحايا الأميركيين المتضررين من الهجمات العصبية".
وقال المحامي مارك زيد في برنامج "بعد حين" إن القانون لا يلبي تطلعات موكليه لأنه لا يحدد آليات التعويض.
الكشف عن وثائق
وأضاف مارك زيد أنه دافع عن ضحايا متلازمة هافانا قبل ظهورها في وسائل الإعلام بسنوات، من خلال تمثيل الموظف بوكالة الأمن القومي مايكل بك الذي بدأ يعاني من أعراض "باركينسون" بعد زيارة موسكو في تسعينيات القرن الماضي، مشيراً إلى أنه بالفعل أشارت وثيقة وكالة الأمن القومي إلى تقارير استخبارية عن تعرض الموظف إلى موجات نبضية دقيقة خلال سفره إلى "دولة معادية".
وطالب مارك زيد بنقاش دولي لضمان استخدام ترددات الصوت والموجات الكهرومغناطيسية بشكل شفاف وإعلان أي استخدام لها ضد الإنسان عملاً حربياً.
وطالب مدير مشروع توثيق تشيلي وكوبا في أرشيف الأمن القومي بيتر كورنبلو، في برنامج "بعد حين" بالكشف عن الوثائق الاستخبارية السرية للكشف عن كل المعلومات المتوافرة حتى الآن عن هذه الظاهرة.
واستشهد في ذلك بوثيقة وكالة الأمن القومي السالف ذكرها حول الموظف مايكل بك قائلاً إن المحامي مارك زيد كان وراء الضغط نحو نشرها.
وأشار المحامي مارك زيد، إلى أنه أقام دعوى قضائية قبل نحو أسبوعين للحصول على الوثائق السرية.
اقرأ أيضاً: