قال عضو فريق منظمة الصحة العالمية المكلف بالتحقيق في أصل ونشأة فيروس كورونا في الصين، إن زيارة فريق المنظمة الدولية إلى مدينة ووهان الصينية، كشفت أدلة جديدة في أصل ونشأة الفيروس الذي اجتاح العالم.
وسرد عضو فريق منظمة الصحة العالمية للتحقيق في منشأ فيروس كورونا، بيتر دازاك، لصحيفة "نيويورك تايمز"، تفاصيل رحلته الاستقصائية إلى مدينة ووهان الصينية وسوقها "هوانان" للمأكولات البحرية، الذي كانت السلطات الصينية أعلنت أنه البؤرة الأولى لتفشي الوباء.
وقال أخصائي الأمراض الحيوانية، في مقابلة مع الصحيفة الأميركية عقب عودته إلى نيويورك، إن الزيارة قدمت أدلة جديدة أجمع عليها العلماء الصينيون والدوليون، وترجح أن "أصل الفيروس حيواني ونشأ داخل الصين أو جنوب شرقي آسيا".
وأوضح دازاك أن العلماء استبعدوا فرضية نشوء الفيروس في مختبر ووهان، قائلين إن "هذا الاحتمال غير مرجح لدرجة أنه لا يستحق المزيد من التحقيق".
ووهان مصدومة
وتحدث الباحث عن رحلته منذ هبوط طائرته في الصين حتى مغادرتها، قائلاً إنها كانت مختلفة عن سابقاتها بسبب الظروف المهيمنة في ظل الوباء، لدرجة التخلي عن أبسط تقاليد الاستقبال مثل تناول وجبة طعام مع المضيفين، قائلاً: "كانت رحلة صعبة جداً ومكثفة جداً وعاطفية جداً. في ووهان، ثمة شعور بالصدمة".
وأوضح عضو فريق التحقيق في منشأ كورونا: "أغلقت المدينة لمدة 76 يوماً، حُبس الناس في شققهم، بعضهم مات، ولم يعرف أحد عن ذلك. اتُّهموا بإطلاق وباء، (حتى إنه) سُمي بفيروس ووهان، فيروس الصين، وكان هناك شعور بالغضب والحزن".
لكنه أوضح أن ذلك لم يؤثر في هدف الرحلة العلمية، إذ "هناك مهمة عليك القيام بها، لقد تطوعت، وتدرك ما سيكون عليه الحال".
رحلة غير اعتيادية
وتحدث دازاك عن أولى لحظاته على أراضي الصين، قائلاً: "عندما تصل إلى المطار.. يرافقك أشخاص يرتدون اللباس الواقي من كورونا في مسار منفصل مخصص للحجر الصحي، ويتم إخضاعك لفحص الفيروس. تُنقل إلى الفندق، وتذهب إلى غرفتك حيث تُحجز لمدة أسبوعين. الأمر قاسي. الأشخاص الذين يأتون إلى بابك يرتدون اللباس الواقي من كورونا، ونفاياتك تذهب في كيس أصفر عليه علامة خطر بيولوجي".
وأضاف أن التجربة كانت مختلفة تماماً عندما عاد إلى نيويورك، حيث لم يتلقَّ إشعاراً بضرورة الحجر الصحي. وقال: "قمت بتسجيل الدخول إلى تطبيق ولاية نيويورك، لكن أحداً لن يطرق بابي ويقول لي ابقَ في المنزل".
تعاون صيني
وغاص دازاك في تفاصيل التحقيق، قائلاً: "منذ اليوم الأول، كانت البيانات التي نتطلع إليها جديدة، لم نشاهدها خارج الصين"، مثل "من هم الباعة في سوق المأكولات البحرية هوانان؟ من أين حصلوا على سلاسل التوريد؟ وماذا كانت مخالطات الإصابات الأولى؟ ما مدى حقيقة الحالات الأولى؟ ما هي المجموعات الأخرى التي كانت موجودة؟".
وأكد أن العلماء الصينيين كانوا متعاونين جداً، إذ كانوا ينطلقون للبحث عن أي معلومات إضافية يطلبها الفريق الأممي، "وبعد يومين، يكونون قد أجروا التحليل، ونحصل على معلومات جديدة. كانت مفيدة جداً"، وفق دازاك.
وقال إنه "في ذلك الوقت، لم يكن ممكناً الإفصاح عن الكثير. كنا نحاول عدم تقويض العملية بالكشف عن أي شيء أثناء الرحلة".
أدلة من سوق هوانان
وأخبر دازاك أن فريق العلماء الذي أرسله "المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها" إلى سوق هوانان "أجرى دراسة مكثفة جداً مسحت كل سطح في هذا المكان. جُمعت 500 عينة، العديد منها كان يحتوي الفيروس، وضمت جثثاً لحيوانات أو لحوماً".
وأضاف أن الصينيين "أجروا أكثر من 900 مسحة، وهو قدر هائل من العمل. مروا عبر نظام الصرف الصحي، دخلوا فتحات التهوئة للبحث عن خفافيش، اصطادوا الحيوانات في السوق، القطط المشردة، الجرذان، حتى أنهم قبضوا على حيوان ابن عرس. أخذوا عينات من الثعابين، كان لدى الناس ثعابين حية في السوق وسلاحف حية وضفادع حية".
وتابع: "كانت هناك أرانب، جثث أرانب.. وهناك حديث عن حيوان نمس الغرير.. كانت الحيوانات تدخل السوق، وقد تكون حملت فيروس كورونا. قد تكون أصيبت بالعدوى من الخفافيش في مكان آخر في الصين وجلبتها إلى السوق. وهذا دليل أول".
ولفت إلى أن سوق هوانان كان يضم "بائعين من جنوب الصين، بما في ذلك مقاطعات يونان وقوانغشي وقوانغدونغ"، لافتاً إلى أن "مقاطعة يونان هي المكان حيث أقرب سلالة من فيروس SARS-CoV-2 وُجدت في الخفافيش، فيما قوانغشي وقوانغدونغ هما المكان الذي تم فيه أسر حيوانات البنغول التي كانت تحمل فيروسات قريبة".
وأشار إلى أن "السوق تؤمّه حيوانات عرضة للإصابة، بعضها يأتي من أماكن نعرف فيها السلالات الأقرب للفيروس، ما يشكل دليلاً حقيقياً".
وأكد أن "الفريق الصيني فحص تلك الحيوانات وكانت كلها خالية من الفيروس، لكن الفحص لم يطاول مجموعة صغيرة من الحيوانات المجمدة في البراد. لا نعرف ما الذي كان معروضاً للبيع. لذا فإن هذين الدليلين مهمان حقاً".
وعن الحالات التي ظهرت قبل تفشي الفيروس في السوق، قال: "نعلم أن بعض المرضى لديهم روابط بأسواق أخرى، (لكن) نحتاج والزملاء الصينيين إلى القيام ببعض العمل الإضافي" للتحقيق في الأمر.
"مراقبة" الحدود
واعتبر دازاك أن الخطوة التالية في التحقيق، تتمثل في "النزول إلى مزارع الحيوانات ومقابلة أصحابها واختبارهم. يجب التأكد مما إذا كانت هناك أي حيوانات متبقية في أي مزرعة قريبة، ومعرفة إذا كانت تحمل دليلاً على الإصابة".
وشدد على ضرورة معرفة "إذا كانت هناك أي حركة عبر الحدود. إذا كان الفيروس موجوداً في الولايات الحدودية الجنوبية، فمن المحتمل أن تكون هناك حركة عبر البلدان المجاورة، مثل فيتنام ولاوس أو ميانمار. نحن نعثر على المزيد من الفيروسات ذات الصلة، في اليابان وكمبوديا وتايلاند".
وبالنسبة إلى الجانب البشري، قال: "يجب البحث عن الحالات السابقة، يجب البحث في بنوك الدم عن المصل، إذا أمكن".
لكنه أقر بأن "أي شيء من هذا القبيل سيكون حساساً في الصين وسيتطلب بعض الإقناع والدبلوماسية والطاقة، لأن البحث عن مصدر هذا الفيروس، بصراحة، ليس أولوية كبيرة لدى الحكومة الصينية. في أي مكان يظهر فيه الفيروس هو قضية سياسية، ما يشكل إحدى المشاكل الواضحة لأي شخص يبحث في الأمر".
"المتّهم الرئيسي"
وعما إذا كان يشك في حيوان معين أكثر من غيره في احتمال نقل الفيروس، قال دازاك: "لا نعرف إذا كانت حيوانات الزباد معروضة للبيع (في سوق هوانان)، نحن نعلم أنها تُصاب بسهولة. ولا نعرف ما هو الوضع مع مزارع المنك في الصين أو مزارع الفراء الأخرى، مثل كلاب الراكون.. يجب متابعة ذلك أيضاً".
لكنه رجح أن "المسار الأكثر جدارة بالتركيز عليه" هو أن "الفيروس ظهر إما في جنوب شرقي آسيا أو جنوب الصين من الخفافيش، ودخل مزرعة الحيوانات البرية". وقال: "زرتُ العديد من هذه المزارع وغالباً تضم فصائل مختلطة، الزباد والغرير النمس وكلاب الراكون، وهذه الحيوانات عرضة للإصابة من الخفافيش".
وعن كيفية انتقال الفيروس إلى البشر، قال: "إما أن الأشخاص الذين يعملون هناك يصابون بالعدوى وينقلونها، أو يتم شحن الحيوانات الحية أو المقتولة إلى السوق. وبمجرد دخولها السوق - سواء هوانان أو سوق آخر في ووهان - تكون هناك إمكانية حقيقية لتكاثر الفيروس، نظراً إلى العدد الكبير من الأشخاص الذين يتنقلون هناك".
تحقيق مستمر
وعما إذا كانت البيانات الجديدة ستدخل في تقريره الكامل، مثل المعلومات عن البائعين وسلاسل التوريد، قال دازاك: "أتمنى ذلك، ستكون هناك بعض الأشياء التي ستكون سرية بلا شك، إذ أن سجلات المرضى في الصين تُحفظ بسرية تامة".
ولفت إلى أن فريق منظمة الصحة العالمية، لم يتمكن من مقابلة أوائل المصابين بالفيروس في إطار مستلزمات التحقيق، قائلاً: "أردنا مقابلة بعض المرضى، لم يرغبوا في لقائنا، لذا لم يتم دفعهم لذلك. لا يوجد سبب للاعتقاد بأن الأمر كان خدعة".
وتابع: "آمل بأن تكون كافة المعلومات حول البائعين وسلاسل التوريد موجودة (في التقرير). ولكن إذا لم يكن الأمر كذلك، فقد رأيناها وحصلنا عليها". وختم بالقول: "سنتابع" التحقيق.
اقرأ أيضاً: