بعد حادثة "الموناليزا".. التاريخ القريب للاعتداء على الأعمال الفنية

time reading iconدقائق القراءة - 8
زائر ينظر إلى نسخة من لوحة "الموناليزا" لليوناردو دافنشي في دار مزادات بالعاصمة الفرنسية باريس- 5 نوفمبر 2021 - REUTERS
زائر ينظر إلى نسخة من لوحة "الموناليزا" لليوناردو دافنشي في دار مزادات بالعاصمة الفرنسية باريس- 5 نوفمبر 2021 - REUTERS
القاهرة-آلاء عثمان

صُدم جمهور متحف اللوفر الفرنسي الأحد، عندما حاول شخص تخريب لوحة "الموناليزا" الأيقونية باستخدام قطعة من الحلوى لطخت الحاوية الزجاجية للوحة، الأمر الذي أسفر عن إلقاء القبض على المتعدي الذي تنكر في هيئة إمرأة عجوز، ما مكنه من الاقتراب من هدفه بيسر.

غير أن هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، إذ تعرضت "الموناليزا" لمحاولات تدمير وتخريب عديدة في الماضي. 

في متاحف شتى ومعارض حول العالم تتعرض الأعمال الفنية التاريخية لمحاولات تشويه وتخريب، بعضها فُسرت بعدم الاتزان النفسي للمتعدين، والبعض الآخر جاء في سياق أفعال الاحتجاج.

إلا أن الرغبة في الحفاظ على الأعمال الكلاسيكية تدفع المتاحف إلى تبني سياسات عرض تضع المعايير الأمنية في الأولوية، ما يُبدل من ملامح تجربة زيارة المتاحف التقليدية، لتصبح سمتها الجديدة العرض عبر حاجز زجاجي.

"الموناليزا" آمنة

على الرغم من تداول لقطات فوتوغرافية تبدو فيها "الموناليزا" ملطخة بالحلوى، إلا أن لوحة ليوناردو دافنشي الشهيرة سليمة وآمنة تماماً كما أكد متحف "اللوفر" لـ"الشرق"، مشيراً إلى أن المتعدي على اللوحة عمد إلى محاكاة حالة إعاقة لاستخدام كرسي متحرك والاقتراب من صندوق العرض الآمن حيث تستقر "الموناليزا".

وأضاف "اللوفر" كذلك أنه يقدم التحية لعملائه على تفاعلهم الفوري مع الحدث وكفائتهم المهنية، إذ تعد حماية المجموعة الوطنية من صميم مهامهم.

تلك المحاولة التخريبية لم تكن الأولى من نوعها، إذ أن "الموناليزا" تعرضت لمحاولات تخريب سابقة يعود بعضها للعام 1956  حسب الموسوعة البريطانية، الأمر الذي أدى لاستبدال الصندوق الزجاجي الحافظ للوحة بآخر مضاد للرصاص.

وتعرضت اللوحة لمحاولات تخريب أخرى في العاصمة اليابانية طوكيو أثناء زيارة في العام 1974، وفي العام 2009 ألقت سيدة روسية كوباً من الشاي مصنوعاً من السيراميك على صندوق عرض "الموناليزا"، احتجاجاً على عدم حصولها على الجنسية الفرنسية.

تخريب متعمد 

إلى جانب محاولات تخريب "الموناليزا" تعرضت لوحات شتى حول العالم لأعمال مشابهة، من بينها لوحة "Guernica" للفنان بابلو بيكاسو في العام  1974 وفقاً لموقع مجلة "Daily Art" إذ استخدم تاجر اللوحات الفنية توني شافرازي طلاء أحمر اللون ليكتب على اللوحة عبارة "أقتل الأكاذيب كلها" الأمر الذي اعتبره احتجاجاً على عفو الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون عن ويليام كالي، المدان في مذبحة ماي لاي بفيتنام.

وفي العام 2014 وجّه شخص لكمةً للوحة "حوض أرجنتوي مع مركب شراعي واحد" للفنان الانطباعي كلود مونيه، محدثاً فجوة بطول قدم في كلاسيكية القرن العشرين، وبعد ترميمها تستقر اللوحة اليوم في صندوق عرض زجاجي بحسب موقع "Arius" المتخصص في تكنولوجيا حفظ اللوحات الفنية.

وتعرضت لوحة "إيفان الرهيب وابنه إيفان" للفنان الروسي، إيليا ريبين للتخريب كذلك من قبل شخص مخمور في العام 2018، ما أدى إلى تحطم إطارها وصندوق العرض، وخرق اللوحة في 3 مواضع، ما أدى إلى الحاجة لترميمها.

حاجز زجاجي

اليوم لا يمكن مشاهدة بعض الأعمال الفنية المميزة سوى من خلال حاجز زجاجي خاص يعرف باسم "زجاج البلكسي"، ويتميز بقدرته على مقاومة محاولات الكسر والهجوم، كما تُعرض أعمال أخرى على مسافة من الجمهور باستخدام الحواجز التقليدية، الأمر الذي يعتبره البعض انتقاصاً من تجربة التذوق الفني للأعمال في المعارض والمتحف.

ووفقاً لتقرير أعدته صحيفة "واشنطن بوست"، قال أحد مؤسسي شركة "Art Guard" المتخصصة في أنظمة الأمن إن "المفارقة المحزنة هى أنه من أجل حماية الأعمال حقاً فأنك تحتاج زجاج البلكسي، ولكن إذا عرضت الأعمال داخل الزجاج أو خلف الحبال الحاجزة، فيمكنك بالأحرى عرضها في كتالوج".

ويؤكد الأستاذ بكلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان الدكتور عبد العزيز الجندي تلك الرؤية، مضيفاً أن الحواجز الزجاجية تُؤثر على تواصل الزائر مباشرة معها، غير أن إزالة تلك الحواجز يُعرض بعض الأعمال للخطر، ما يجعل خيار الزجاج العازل أكثر أمناً، خاصة فيما يتعلق باللوحات التي تعرضت لإعتداءات متكررة.

ويقول الجندي: "نذكر هنا لوحة (الحرس الليلي) للفنان رامبرانت في متحف ريكز التي تعرضت للاعتداء غير مرة من ضمنها اعتداء من شخص معتل نفسياً أو ربما مدعي مستخدماً أداة حادة". 

تلك الهجمات تُحدث تأثيرات ملحوظة في دول عديدة حول العالم، لاسيما تلك التي تمتلك أعمالاً ذات شهرة عالمية مدوية وفقاً للجندي، إذ يُضيف: "هناك أعمال فنية تعتمد عليها الدول في الملف السياحي، ومن ثم يُسلط عليها ضوء إعلامي كبير، كلوحات رامبرانت، ومقتنيات اللوفر والفاتيكان وغيرها من المناطق".

"الحرس الليلي"

شأنها شأن "الموناليزا" تعرضت لوحة "الحرس اليلي" لعدد من الاعتداءات ومحاولات التخريب السابقة، يعود بعضها للعام 197، إذ استخدم شخص آلة حادة لتمزيق بعض المواضع في اللوحة زاعماً أنه أقدم على تخريب اللوحة في مهمة سماوية، وفقاً لأرشيف موقع "لوس أنجلوس تايمز"، الأمر الذي استدعى ترميم اللوحة لمدة 4 سنوات عادت بعدها للعرض على الجمهور تحت حراسة مستمرة، غير أنها تعرضت لاعتداء آخر في العام 1990 إذ قام شخص برش اللوحة بمادة حامضة.

واليوم يمكن لجمهور متحف الريكز أن يشاهد اللوحة الكلاسيكية، ولكن في ظروف خاصة، بعد أن خضعت خلال الأشهر القليلة الماضية لعملية معالجة، ويصف موقع المتحف الرسمي إمكانية مشاهدة اللوحة عن قرب غير مسبوق ولكن من خلال حاجز زجاجي "أشهر أعمال رامبرانت أصبحت أقرب من أي وقت مضى، حيث تقع في مقدمة البيت الزجاجي، ويمكنك الاقتراب حتى لصق أنفك على الزجاج والتحديق في كل تفصيلة".

حماية القيمة الفنية

على الرغم من تبدل أجواء تأمل الأعمال الفنية، يرى مستشار العرض المتحفي لوزير السياحة والآثار المصري، الدكتور محمود مبروك، أن الأولوية دائماً لابد أن تكون لحماية القيمة الفنية للأعمال، إذ لا يمكن دائماً التكهن بنوايا الزوار، أو ربما تهور بعضهم ويشرح "اليوم يتم الكشف عن الأدوات المعدنية قبل الدخول للمتاحف، مرتين في بعض الأحوال، كما أن المتاحف مزودة بأجهزة إنذار، يستخدم بعضها خلال ساعات الليل، ويكشف عن وجود أي حركة بالقرب من نطاقات المعروضات".

ويضيف مبروك أنه "لا يمكن التهاون في حماية القطع الأثرية أو الفنية ذات القيمة سواء من المخاطر البشرية المتعلقة بأعمال التخريب أو حتى العوامل الطبيعية، حيث هناك مساواة في الاعتناء بالمعروضات، فلا تختلف درجة الاهتمام ما بين قطعة وأخرى.

وتابع: "كما أنها تتمتع بوسائل حماية من التخريب والعوامل الطبيعية أيضاً، وخاصة إذا كانت عضوية كالنسيج والخشب، ونضع في الاعتبار الإضاءة المناسبة للقطع داخل حاويات العرض وخارجها، وكذلك درجات الحرارة".