
مثلت سيارات الأجرة الصفراء لعقود طويلة رمزاً من رموز نيويورك بعدما كانت منتشرة في كل مكان على مدار الساعة، لكن بعد عام على بدء جائحة كورونا وما خلفته من قيود مشددة باتت هذه المركبات نادرة وصار مستقبلها غامضاً، بعد أن بلغ انخفاض الطلب عليها 90%.
وتوازي هذه السيارات برمزيتها أهمية مبنى "إمباير ستايت" أو قبعات البيسبول، والتي كانت تشاهد في كل مكان، ليل نهار، في شوارع مدينة الأعمال الأميركية.
وتصطف سيارات الأجرة في ساحة انتظار بالقرب من مطار لاغوارديا في نيويورك، بنحو 50 سيارة أجرة صفراء، قبل حمل زبون من إحدى بوابات الوصول.
وقال جوي أوليفو الذي يعمل سائق أجرة منذ 30 عاماً: "قبل الوباء كانت مئات سيارات الأجرة الصفراء تصطف في موقف السيارات هذا، كنا نصطف في خط طويل وننتظر نحو 20 دقيقة، أما اليوم فعددنا نحو 50 سيارة، وننتظر ساعتين".
وأرجع أوليفو ذلك إلى العمل عن بعد في الأحياء التجارية وإغلاق المدارس وتوقف حركة السياحة، وتراجع العمل كثيراً بالنسبة له كحال جميع سائقي نيويورك.
وأضاف: "الوضع صعب. انخفض دخلي بنسبة 80%. كنت أكسب بحدود ألف دولار في الأسبوع، أما اليوم فلا يتجاوز ما أجنيه 200-300 دولار".
ويضيف الرجل البالغ من العمر 60 عاماً من بروكلين الذي احتفظ بمزاجه المرح رغم كل شيء، وراء الكمامة، إنه لولا زوجته الممرضة التي تواصل "كسب عيشها على نحو جيد، كنت سألف حبل مشنقة حول رقبتي".
تنافس مع التطبيقات
وأثرت منافسة "أوبر" و"ليفت" وغيرهما من تطبيقات طلب سيارات الأجرة بشكل كبير على دخلهم الذي كان يمكن أن يتجاوز قبل ذلك 7000 دولار شهرياً إذا عملوا لساعات طويلة سبعة أيام في الأسبوع، لكن مع الوباء يقول ريتشارد تشاو، البالغ من العمر 62 عاماً، فإن دخله يتراجع باستمرار.
تشاو اشترى رخصته المسماة "ميدالية في نيويورك" عام 2006 مقابل 410 آلاف دولار. وفي السنوات التي تلت ذلك، ارتفعت أسعار الرخص بعد أن تهافت على شرائها جمع من المصرفيين والمستثمرين والمحامين.
وفي عام 2009، دفع شقيقه الأصغر كيني تشاو مبلغ 750 ألف دولار مقابل رخصته، وفي 2014 وصل سعرها إلى مليون دولار.
وأدى نجاح "أوبر" وغيرها إلى انفجار تلك "الفقاعة" وتحوّل آلاف السائقين الذين اشتروا رخصهم عن طريق قرض بسعر مرتفع إلى الإفلاس أو باتوا مديونين مدى الحياة.
وفي عام 2018 انتحر كيني تشاو، مثل سبعة سائقين آخرين على الأقل في ذلك العام، وكان انتحارهم تأكيداً على الوضع المأساوي لغالبية هؤلاء السائقين.
وزاد من صعوبة أوضاع سائقي الأجرة ظهور وباء كورونا و"آثاره المدمرة"، كما تقول بايرافي ديساي مديرة تحالف عمال سيارات الأجرة، وهو اتحاد لسائقي نيويورك.
وتضيف ديساي: "قبل الوباء، انخفضت الطلبات بنسبة 50%، ومنذ الوباء اقتربنا من 90%"، وعلى غرار المطارات، فإن أكثر مناطق المدينة المقفرة هي أحياء مانهاتن التي يعتمد عليها السائقون في دخلهم".
ندرة السيارات الصفراء
ومن هنا تأتي ندرة سيارات الأجرة الصفراء، فرغم وجود نحو 13 ألف سيارة مرخصة في المدينة، فإن 5 آلاف فقط منها تعمل بانتظام في الوقت الحالي، وفقاً للنقابة.
ولم يعد نحو 7 آلاف سائق يخرجون سياراتهم من المرائب، إذ لم يعد ذلك مربحاً، كما يوضح ويليام بيار، وهو سائق متحدر من هايتي.
ويواصل صاحب الأجرة بيار وهو يقود سيارته، على الرغم من أن أرباحه اليومية لا تتجاوز 100 إلى 150 دولاراً يتقاسمها مناصفة مع الشركة التي تؤجر السيارة له،قائلاً: "لا أريد البقاء في المنزل. أريد أن أخرج وأطعم أسرتي".
ودفعت مثل هذه الأوضاع كثيرين إلى التساؤل: هل سيارات الأجرة الصفراء التي حلت محل سيارات الأجرة التي كان يزينها شريط من المربعات البيضاء والسوداء في الستينات محكوم عليها بالزوال؟
آمال بشطب الديون
ويعتقد جوي أوليفو مثل ويليام بيار أن الأمور ستتحسن في النهاية، حتى لو اتفقا على أن الأمر "لن يعود كما كان من قبل"، لكن مديرة تحالف عمال سيارات الأجرة بايرافي ديساي تخشى أن "تختفي تدريجياً" إذا لم يشطب مجلس المدينة ديون السائقين.
وتعمل نقابتها على الضغط من خلال التظاهرات، ولقد قطع عشرات السائقين حركة السير لفترة وجيزة على جسر بروكلين الشهير الأسبوع الماضي.
تقولى ديساي: "تعرف أنك في نيويورك عندما ترى سيارة الأجرة الصفراء"، فهذه السيارات معروفة في كل أنحاء العالم. وهي كما تقول "رمز ثقافي، وخدمة على مدار 24 ساعة، وهي جزء لا يتجزأ من النسيج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لهذه المدينة الرائعة".
وعود بالمساعدة
ووعد رئيس بلدية نيويورك الديموقراطي، بيل دي بلازيو، بمساعدة سائقي سيارات الأجرة شرط أن تدعم الحكومة الفدرالية مالية المدينة التي استنزفها الوباء.
وقال بلازيو الأربعاء: "إذا تمكنا من الحصول على الدعم التحفيزي الذي نستحقه، أعتقد أنه سيفتح الباب أمام الخروج بحل لمساعدة سائقي سيارات الأجرة والعائلات التي عانت كثيراً"، وأضاف: "نريد مساعدة السائقين ولكننا بحاجة لخطة مساعدة".