
بعدما كان نقطة التقاء عشاق القراءة والكتب المستعملة في العاصمة الإيطالية روما لأكثر من عقدين، تحول "كُشك البروفيسور" إلى كومة من الرماد في أقل من ساعة زمن، وسط شبهات على أن الحريق الذي أتى على غالبية الكتب "متعمد".
واندلع الحريق في الكشك فجر السبت، حوالي الساعة 5:15 صباحاً بالتوقيت المحلي، في وقت كانت فيه ساحة فلامينيو المركزية، حيث يقع المتجر، فارغة من المارة. وحين وصل فريق الإطفاء بعد نحو ساعة، كانت النيران قد ابتعلت معظم الكتب ودمرت هيكل الكشك، وفقاً لوسائل الإعلام المحلية.
وأفادت صحيفة "نيكست كوتيديانو" الإيطالية، بأن تحقيق الشرطة الأولي عقب معاينة مكان الحادث، رجح أن مجهولين أضرموا النار في المتجر عمداً، مشيرةً إلى أن المحققين يجمعون الأدلة من كاميرات المراقبة من أجل التأكد من هذه الفرضية.
"منجم الكنوز"
ويحظى المتجر الذي يُعرف بـ"كُشك البروفيسور"، نسبة إلى صاحب المتجر ألبيرتو ماكاروني، بشهرة واسعة في روما، ويعتبره بعض السكان "جزءاً من تاريخ روما"، وهو ما أجج غضب بعض السكان ومثقفين.
"إنّهم يُحرقون الثقافة.".. هذا ما كتبته الروائية الايطالية الكبيرة داتشا ماراييني حين شاهدت صوراً للكشك العريق، بعدما دمرته النيران. وأضافت: "أرادو توجيه ضربة إلى قلب الثقافة".
وقال الكاتب الإيطالي لانفرانكو بالازولو عبر "تويتر": "تم تقديم كشك ساحة فلامينيو قرباناً للنيران.. حرق هذه الكتب جريمة".
وفيما تُجري الشرطة تحقيقات للتأكّد من كون الحريق مُتعمّداً أم لا، أعربت شخصيات ثقافية كثيرة عن قناعتها بوقوف متطرّفين يمينيّين وراء الحادث، وذهب البعض إلى اتهامهم بـ" الظلاميّين الذين يهابون الكتاب كالنازيّين".
ونشر كاتبٌ شاب عبر "فيسبوك" صورة لنتائج وآثار الحريق قائلاً: "هذا ما بقي من الكتب بعدما أقدم النازيّون على حرق الكشك العريق".
إلى ذلك، كتبت الصحافية سيمونا برتران عبر "تويتر"، أن "ملابسات الحادث غير مؤكدة حتى الآن". وتابعت: "في غضون ذلك، صاحب الكشك ألبيرتو يقول: "سأعيد افتتاحه (الكشك) بمساعدة الجميع".
وأتت النيران على محتويات الكشك، ما أدى لاحتراق آلاف الكتب ضمنها كتب نادرة، وإتلاف 20 عاماً من الجهد الذي استثمره ماكاروني في تشييد صومعته الثقافية في روما، حتى صار الكشك على مرّ الأعوام جسراً ثقافياً هاماً لأجيال عدة من المثقفين الإيطاليين.
وبحسب صحيفة "روما ريبابليكا" المحلية، فإن المتجر كان بمثابة "منجم كنوز"، إذ كانت توفر كتباً مستعملة بثمن زهيد يتراوح بين 3 و5 يورو، فيما كانت بعض الكتب المعروضة في المتجر نادرة ويصعب الحصول عليها.
"شغب صبياني"
صاحب الكشك ألبيرتو ماكاروني قال إن الحريق أتى على نحو 6000 كتاب، لكنه استبعد أن يكون مفتعل الحريق يستهدف الثقافة أو المثقفين.
ونقلت صحيفة "روما كورير" عن ماكاروني، قوله: "لا أعتقد أن الشخص الذي دمر الكشك يعادي ما نقوم به.. أعتقد أنه من المرجح أن يكون شغب صبيان، أكثر من أي شيء آخر، خصوصاً أنني لم أتلق أي تهديدات من قبل".
ولفت إلى أن الكشك تعرض لحادث مماثل قبل أعوام، إذ قال: "حاول أحد إضرام النار في الكشك، خلال احتفالات ليلية في المدينة عقب نهاية مباراة لكرة القدم". وتابع: "ذلك الحادث لم يسفر عن أضرار كبيرة، لأن النيران لم تنتشر. لكن هذا الأمر مختلف هذه المرة، فكل شيء احترق".
وأعرب ماكاروني عن امتنانه للتضامن الواسع من قبل سكان المدينة، مشيراً إلى أن "الكثيرين من أصدقاء الكشك عبروا عن استعدادهم للإسهام في إعادة بنائه وتأهيله".
وأكّد ماكاروني أصراره على الانطلاق من جديد، وقال: "سننطلق مرة أخرى لأن الثقافة تنهض دائماً كالعنقاء من النار".