
قبل أكثر من 40 عاماً، بدأ عالم المناخ الأميركي الشهير آلان روبوك العمل على دراسة التداعيات الناجمة عن حرب نووية محتملة بين قوى العالم الكبرى.
وفي ذلك السيناريو النظري، الذي يُطلق عليه اسم "المحرقة النووية" سيتسبب تفجير هذه الأسلحة الفتاكة في تدمير أجزاء كبيرة من الأرض، وانهيار الحضارة الإنسانية، وهبوب العواصف النارية، وقدوم الشتاء النووي.
والآن، يضع روبوك سيناريو آخر أشد قسوة، إذ قال في دراسة نُشرت نتائجها في دورية "نيتشر فوود" Nature Food إن أكثر من 5 مليارات من البشر سيموتون جوعاً في أعقاب حرب نووية واسعة النطاق بين الولايات المتحدة وروسيا.
وفي تلك الدراسة، درس روبوك، وهو أستاذ علوم المناخ في قسم العلوم البيئية بجامعة روتجرز، سيناريو لقدرة سكان الأرض على إنتاج المحاصيل الزراعية بعد نشوب ذلك الصراع.
سخام يحجب الشمس
وفي تصريحاته لـ"الشرق"، قال روبوك إن جميع نتائج السيناريوهات والحسابات التي ظهرت في تلك الدراسة "كارثية"، فحتى في حالة نشوب حرب نووية بين الهند وباكستان "سيموت أكثر من ملياري إنسان بسبب الجوع، وهو رقم مفزع وخطير ويجب أن يحرك العالم في اتجاه التخلص من الأسلحة النووية".
في تلك الدراسة، قام الفريق البحثي الذي يرأسه "روبوك" بحساب مقدار السخام (نواتج الاحتراق) الذي يحجب أشعة الشمس، ويعلق في الغلاف الجوي جراء العواصف النارية التي يمكن أن تشتعل عن طريق انفجار الأسلحة النووية.
وبحسب الباحثين، فإن انتشار السخام وهو أحد 6 سيناريوهات للحرب، 5 حروب صغيرة بين الهند وباكستان، وحرب كبيرة بين الولايات المتحدة وروسيا، بناءً على حجم الترسانة النووية لكل بلد.
وتم إدخال هذه البيانات في نموذج نظام الأرض، وهو أداة للتنبؤ بالمناخ صممها المركز الأميركي لأبحاث الغلاف الجوي.
وأتاح ذلك النموذج تقدير إنتاجية المحاصيل الرئيسية (الذرة، والأرز، والقمح الربيعي، وفول الصويا) على أساس كل بلد على حدة. كما درس الباحثون التغيرات المتوقعة في مراعي الماشية، وفي مصايد الأسماك البحرية العالمية.
سيناريوهات مروعة
حتى في ظل أصغر سيناريو لحرب نووية، كحرب محلية بين الهند وباكستان مثلاً، سينخفض متوسط إنتاج السعرات الحرارية العالمي بنسبة 7% في غضون 5 سنوات من الصراع.
وفي أكبر سيناريو حرب تم اختباره، كالنزاع النووي الشامل بين الولايات المتحدة وروسيا، سينخفض متوسط إنتاج السعرات الحرارية العالمي بنحو 87% بعد 3 إلى 4 سنوات من القتال.
وقال روبوك: "قمنا بمحاكاة الحرب النووية إما باستخدام 100 رأس نووي بين الهند وباكستان أو باستخدام 4400 سلاح نووي بين الولايات المتحدة وروسيا.. وكل النتائج تؤكد حدوث كارثة مروعة".
في حالة استخدام 100 رأس نووي، سيموت بشكل مباشر جراء التفجيرات 27 مليون شخص، فيما سيموت خلال عامين أكثر من 255 مليون شخص بسبب الجوع.
يرتفع ذلك العدد حال استخدام 250 رأساً نووياً، إذ سيموت بشكل مباشر 127 مليون شخص، يتبعهم أكثر من ملياري شخص في غضون عامين بسبب الجوع. كما سيموت 164 مليون شخص بشكل مباشر جراء تفجير 500 رأس نووي، يتبعهم أكثر من 2.5 مليار شخص بعد عامين بسبب الجوع.
أما أسوأ السيناريوهات فهو موت 360 مليون شخص بشكل مباشر جراء تفجير 4400 رأس نووي، يتبعهم أكثر من 5 مليارات شخص بسبب الجوع في غضون عامين.
عالم مظلم بلا أمطار
بحسب الدراسة، سيتم ضخ الدخان المتصاعد من الحرائق التي تشعلها الأسلحة النووية التي تستهدف المدن والمناطق الصناعية في الغلاف الجوي العلوي إلى منطقة (الستراتوسفير) ولن تهطل الأمطار للتخلص من ذلك السخام الذي سيستمر لسنوات عديدة وينتشر حول العالم، ويمتص ضوء الشمس ويجعله مظلماً وبارداً وجافاً على سطح الأرض.
وفي حديثه لـ"الشرق" أشار روبوك إلى أن ذلك الأمر سينتج عنه "آثار سلبية قوية على المحاصيل والمحيطات، وحسبنا بالضبط كيف ستتأثر إمدادات الغذاء في كل المناطق من العالم".
الدراسة أشارت إلى أن انخفاض المحاصيل سيكون أكثر حدة في دول خط العرض المتوسط المرتفع، بما في ذلك البلدان المصدرة الرئيسية مثل روسيا والولايات المتحدة، ما قد يؤدي إلى فرض قيود على الصادرات ويسبب اضطرابات شديدة في البلدان التي تعتمد على الاستيراد في إفريقيا والشرق الأوسط.
وخلص الباحثون إلى أن هذه التغييرات ستؤدي إلى اضطراب كارثي في أسواق الغذاء العالمية، فحتى حدوث انخفاض عالمي بنسبة 7% في غلة المحاصيل قد يتجاوز أكبر انخفاض يُسجل على الإطلاق منذ بداية سجلات المراقبة لمنظمة الأغذية والزراعة في عام 1961. وفي ظل أكبر سيناريو للحرب، فإن أكثر من 75% من الكوكب سيتضور جوعاً في غضون عامين.
ونظر الباحثون فيما إذا كان استخدام المحاصيل التي يتم تغذيتها للماشية كغذاء بشري أو تقليل هدر الطعام يمكن أن يُعوض فقدان السعرات الحرارية في أعقاب الحرب مباشرة ليجدوا أن ذلك السيناريو لا يُمكن أن يُعوض الفقد في السعرات.
في عام 2010، أفادت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "الفاو" أن 51% من السعرات الحرارية المتوفرة عالمياً تأتي من الحبوب، و31% من الخضروات والفواكه والجذور والدرنات والمكسرات و18% من الحيوانات والمنتجات ذات الصلة، كما ساهمت الأسماك في نسبة 7% والصيد البري البحري بنسبة 3% من السعرات.
وتوفر المحاصيل والأسماك التي تمت محاكاتها ما يقرب من نصف هذه السعرات الحرارية و40% من البروتين. وتقول الدراسة إن الآثار المباشرة لنشوب الحرب النووية الكبيرة بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية ستشمل انخفاضاً في إنتاج كل السعرات الحرارية بمقدار 87%.
حظر الأسلحة النووية
الباحثون أكدوا أن الدراسة فحصت فقط التأثير المباشر على الزراعة، لكنها لم تفحص التأثيرات الأخرى غير المباشرة.
وعلى سبيل المثال، سيتم تدمير طبقة الأوزون بسبب تسخين طبقة الستراتوسفير، ما ينتج عنه المزيد من الأشعة فوق البنفسجية على السطح، ويقول الباحثون إنهم لا يزالون بحاجة إلى فهم هذا التأثير على الإمدادات الغذائية.
ويرى روبوك أن وجود الأسلحة النووية يعني احتمالية استخدامها "وقد اقترب العالم من حرب نووية عدة مرات بالفعل، ولذلك حظر الأسلحة النووية هو الحل الوحيد طويل الأمد".
في عام 2017، قدمت الأمم المتحدة صياغة أول اتفاقية دولية تُلزم الدول الموقعة عليها بحظر الأسلحة النووية والمضي قدماً في القضاء التام على تلك الأسلحة.
وقال روبوك إن "66 دولة صادقت على معاهدة الأمم المتحدة بشأن حظر الأسلحة النووية التي يبلغ عمرها 5 سنوات، لكن لم تصادق أي من الدول التسع النووية عليها. ويوضح عملنا أن الوقت قد حان لتلك الدول للاستماع إلى العلم وبقية العالم والتوقيع على هذه المعاهدة ".
اقرأ أيضاً: