
بعد أسابيع من موجة الجفاف الشديد التي شهدتها أوروبا، والتي أدت إلى انخفاض المياه في أنهار القارة وبحيراتها إلى مستويات قياسية، ظهرت بعض الكنوز التي كانت مغمورة بالمياه منذ عشرات السنين، ومن بينها ما يطلق عليه تسمية "أحجار الجوع"، بالإضافة إلى بوارج حربية ألمانية غرقت خلال الحرب العالمية الثانية.
تشير التحذيرات إلى أن الجفاف يؤثر حالياً على نحو 60% من الأراضي الأوروبية، وفقاً لـ"مرصد الجفاف الأوروبي"، في وقت شهدت الأنهار الرئيسة في ألمانيا وإنجلترا وإيطاليا انخفاضاً لافتاً في مستوى مياهها.
في إسبانيا، التي عانت أسوأ موجة جفاف منذ عقود، كان علماء الآثار سعداء بظهور دائرة حجرية من عصور ما قبل التاريخ أُطلق عليها اسم "ستونهنج الإسبانية" والتي عادة ما تغمرها مياه أحد السدود.
تُعرف الدائرة الحجرية رسميا باسم "دولمن أوف جوادالبيرل"، وباتت مكشوفة تماماً في الوقت الراهن في أحد أركان خزان فالديكاناس في إقليم كاسيريس بوسط البلاد، إذ تقول السلطات إن مستوى المياه انخفض إلى 28% من سعة الخزان.
واكتشف عالم الآثار الألماني هوجو أوبرماير الدائرة الحجرية في عام 1926، لكن المنطقة غُمرت في عام 1963 في مشروع تنمية ريفية أثناء حكم فرانشيسكو فرانكو. ومنذ ذلك الحين، لم تُشاهد بالكامل سوى 4 مرات فحسب.
"أحجار الجوع"
ذكريات موجات الجفاف الماضية في ألمانيا، عادت إلى الأذهان مع عودة ظهور ما يطلق عليها اسم "أحجار الجوع" على طول نهر الراين، وهي صخور في مجرى الأنهار لا يمكن رؤيتها إلا عندما تكون مستويات المياه منخفضة للغاية.
وظهر العديد من هذه الأحجار على طول ضفاف أكبر نهر في ألمانيا في الأسابيع القليلة الماضية. ويحمل بعضها تواريخ والأحرف الأولى من أسماء بعض الأشخاص، وينظر إلى ظهورها مرة أخرى على أنه تحذير وتذكير بالمصاعب التي واجهها الناس خلال فترات الجفاف السابقة.
وتشمل التواريخ التي شوهدت على أحجار في فورمس وجنوب فرانكفورت ورايندورف وقرب ليفركوزن أعوام 1947 و1959 و2003 و2018، وفقاً لما نشرته صحيفة "ذي جارديان" البريطانية.
ونُقشت على تلك الأحجار رسائل تركها الناس في العصور السابقة عن الكوارث التي سببها نقص المياه، في تذكير صارخ بالصعوبات التي واجهوها خلال فترات الجفاف السابقة.
"إذا رأيتموني فابكوا"
قالت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، إن تاريخ أقدم نقش عُثر عليه في حوض نهر "إلبه" يعود إلى عام 1616، وهو مكتوب باللغة الألمانية، ويقول النص المكتوب على الحجر: "إذا رأيتموني، فابكوا".
وأضافت "بي بي سي"، أن "حجر الجوع" هذا هو الأبرز بشكل خاص لأنه يحتوي أيضاً على تواريخ الجفاف الشديد على سطحه.
الصحافي الألماني أولاف كوينز ، قال في تغريدة على تويتر إن هناك كلمة باللغة الألمانية لوصف تلك الصخور وهي: "هونجرشتاينه" (التي تُترجم حرفياً إلى "حجارة الجوع"). وجاء مصدر إلهام الكلمة من نقش وجد على أحد الأحجار يصف عام 1947 بأنه "عام الجوع".
تجدر الإشارة إلى أن ظاهرة الجفاف، أصبحت في السنوات الأخيرة، واحدة من أبرز علامات تغير المناخ في وسط أوروبا.
ووفقاً لدراسة أجراها فريق من علماء الآثار في جمهورية التشيك في عام 2013، يُمكن قراءة السنوات 1417 و1616 و1707 و1746 و1790 و1800 و1811 و1830 و1842 و1868 و1892 و1893 على الحجر.
وهناك نقش على أحد الصخور الأخرى يقول: "ستزدهر الحياة مرة أخرى بمجرد اختفاء هذا الحجر". ونقش آخر: "الشخص الذي رآني ذات مرة، بكى. ومن يراني الآن سيبكي". وفي نقش ثالث مكتوب "إذا رأيت هذا الحجر مرة أخرى، فسوف تبكي. هكذا كانت المياه ضحلة في عام 1417".
سفن من الحرب العالمية
بالإضافة إلى ما تقدم، انخفض نهر الدانوب، أحد الأنهار الكبيرة الأخرى في أوروبا، إلى أحد أدنى مستوياته منذ ما يقرب من قرن نتيجة للجفاف، ما كشف عن هياكل أكثر من 20 سفينة حربية ألمانية غرقت خلال الحرب العالمية الثانية بالقرب من ميناء براهوفو الصربي.
وكانت تلك السفن من بين مئات المراكب الحربية البحرية، التي أغرقها أسطول ألمانيا النازية في البحر الأسود على طول نهر الدانوب في عام 1944 أثناء انسحابه أمام تقدم القوات السوفيتية، علماً أنها لا تزال تعيق حركة المرور في النهر في أثناء انخفاض مستويات المياه.
إلى ذلك، أعلنت إيطاليا حالة الطوارئ في المناطق المحيطة بنهر بو. وفي أواخر يوليو تم اكتشاف قنبلة ترجع للحرب العالمية الثانية تزن 450 كيلوغراماً مغمورة في المياه المنخفضة لأطول نهر في البلاد.
وتم إجلاء نحو 3 آلاف شخص يعيشون بالقرب من قرية بورجو فيرجيليو الشمالية، القريبة من مدينة مانتوا، بينما أبطل خبراء عسكريون مفعول القنبلة، التي صنعت في الولايات المتحدة وقاموا بتفجيرها بشكل محكم.
وفي الأسابيع الأخيرة، اضطرت دول مثل فرنسا وإسبانيا إلى تقييد استهلاك المياه، علماً أن السلطات اضطرت في أجزاء من كلا البلدين، إلى قطع إمدادات المياه في ظل ظروف معينة.
وأعلنت السلطات الفرنسية في 7 أغسطس أن البلاد تواجه أسوأ موجة جفاف منذ بدء التسجيلات في عام 1958. وفي ألمانيا، أدى انخفاض منسوب نهر الراين، الذي يتدفق من جبال الألب السويسرية إلى بحر الشمال، بالفعل إلى إجبار شركات الشحن على الإبحار بكميات مخفضة من البضائع، وفقاً لوكالة رويترز.