تُسلط الفيضانات المأسوية التي تضرب باكستان الضوء مجدداً على ملف شائك يتمثل بمساعدة الدول الغنية وكبار الملوثين للبلدان الفقيرة التي تعاني كثيراً من تداعيات الاحترار المناخي، وذلك قبل أسابيع من مؤتمر دولي كبير حول المناخ.
وأشار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، الثلاثاء، إلى أن منطقة "جنوب آسيا هي من أكثر المناطق حراً في الأزمة المناخية العالمية. سكان هذه المناطق الحارة معرضون أكثر بـ15 مرة للوفاة جراء تداعيات المناخ". ووجه نداءً للتبرع بـ160 مليون دولار لمساعدة أكثر من 5 ملايين شخص ضحايا فيضانات كارثية.
وتوقعت دراسة صدرت حديثاً أن احتمال هطول أمطار موسمية فائقة الغزارة على شبه القارة الهندية سيتضاعف 6 مرات بحلول نهاية القرن الحالي، حتى لو تراجعت انبعاثات الغازات الدفيئة المسؤولة عن الاحترار.
وقال مسؤولون إن أكثر من 33 مليون شخص تضرروا جراء الفيضانات في باكستان، أي واحد من كل 7 باكستانيين، حيث أودت بحياة مئات الأشخاص منذ يونيو.
مواجهة الانبعاثات
سفير باكستان في كوريا الجنوبية نبيل منير، يُشدد على أن "هذا ليس بحادث عرضي. يُثبت العلم أن تواتر هذه الكوارث وتداعياتها ستزيد ويجب أن نكون مستعدين لها". ومنير هو الرئيس الحالي لمجموعة "77+الصين" التكتل الرئيسي للدول الناشئة والفقيرة في مفاوضات المناخ.
وهذه الدول التي تُساهم قليلاً أو لم تساهم كثيراً في الماضي في هذه الانبعاثات، هي الضحية الأولى للتداعيات السلبية للتغير المناخي وتُطالب من دون جدوى منذ سنوات بآلية مالية محددة لتعويض "الخسائر" التي تتعرض لها. وهي تريد طرح هذا الملف مجدداً خلال مؤتمر الأطراف السابع والعشرين (كوب27) الذي يُعقد في مصر مطلع نوفمبر المقبل.
وأضاف منير "نُريد مواصلة الضغط الأخلاقي. لكن يبدو أنه ينبغي أيضاً حصول ضغوط سياسية وأخلاقية من داخل هذه الدول".
وساهمت باكستان بأقل من 0.5 % من إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة منذ الثورة الصناعية على ما توضح بريستينا دال مسؤولة المناخ في منظمة اتحاد العلماء المهتمين "Union of Concerned Scientists" غير الحكومية ومقرها في الولايات المتحدة.
أما الولايات المتحدة وهي معارضة رئيسية لتمويل محدد لـ"الخسائر والضرر، فمسؤولة من جهتها عن 25% من هذه الانبعاثات".
وتُشدد دال على أن "فهم أسباب الكوارث مثل الفيضانات في باكستان خطوة مهمة باتجاه وضع الدول الغنية أمام مسؤولياتها بشأن التغيرات التي تسببت بها في العالم".
وترفض الدول المتطورة التمويل المحدد لخشيتها خصوصاً من فتح ملفات قضائية في هذا المجال. وتعتبر أن تعويض تداعيات الاحترار يمكن أن يندرج في إطار آلية عامة.
إلّا أن الدول المتضررة تقول إن وعود التمويل في مجال المناخ التي قطعتها أغنى الدول والبالغة 100 مليار دولار سنوياً لم تتبلور بعد، في وقت أنفقت آلاف المليارات لمواجهة الأزمة الناجمة عن جائحة كورونا.
وأثارت هذه المسألة توتراً قوياً خلال مؤتمر الأطراف السابق في جلاسكو، وتم الاتفاق في النهاية على قرار لتشكيل إطار "حوار" حتى العام 2024.
لكن أمام تواتر الكوارث، تريد الكثير من الدول تسريع العملية.
كارثة اقتصادية
وقبل الفيضانات، شهدت باكستان خلال مارس الماضي، موجة حر وصلت خلالها الحرارة إلى 50 درجة مئوية، أحدثت أضراراً كبيرة بالمحاصيل والمواشي، وأدّى القيظ كذلك إلى ذوبان الكثير من الأنهار الجليدية في هذا البلد، ما أدّى إلى رفع منسوب الأنهر وفاقم من الفيضانات.
ووجهت الفيضانات الراهنة ضربة جديدة للقطاع الزراعي عندما غمرت المياه الحقول وجرفت 800 ألف رأس ماشية على ما يُفيد سفير باكستان في كوريا الجنوبية. يُضاف إلى ذلك الدمار اللاحق بالبنى التحتية مع انهيار 200 جسر، وجرف طرقات تمتد على 3500 كيلومتر، لتواجه البلاد بذلك كارثة اقتصادية تضاف إلى تلك الإنسانية.
والدعم الوحيد المتاح لهذا البلد هو النداء الإنساني العاجل الذي أصدرته الأمم المتحدة، فيما الحكومة الباكستانية تُقدر كلفة إعادة البناء بحوالى 10 مليارات دولار.
وتُشدد دال على أن "المساعدة الإنسانية بعد وقوع كوارث تُساعد، لكن الدول النامية يجب أن تكون قادرة على الاعتماد على موارد مناسبة أكثر استدامة لمواجهة التداعيات المتعاظمة للتغير المناخي".
ويؤكد منير "هذا واقع مثبت. كل ذلك عائد إلى تغير المناخ. لذا يجب أن يأتي التمويل من مكان ما ونعرف جيداً أين هو هذا المكان".
غزارة الأمطار الموسمية
في شأنٍ ذي صلة، كشفت وكالة الفضاء الأوروبية، الخميس، أن فيضانات باكستان المدمرة نتجت عن هطول الأمطار الموسمية بغزارة فاقت المعدل العادي بـ10 أضعاف، ونشرت صوراً بالأقمار الصناعية لبحيرة مترامية شكلها فيضان نهر السند.
وقالت الوكالة إنها استخدمت بيانات القمر الصناعي "كوبرنيكوس" التابع للاتحاد الأوروبي لتحديد حجم الطوفان من الفضاء والمساعدة في جهود الإنقاذ.
وأضافت أن "هطول الأمطار الموسمية بغزارة أكثر بـ10 مرات من المعتاد منذ منتصف يونيو أدّت إلى غمر أكثر من ثلث البلاد بالمياه حتى الآن"، ونشرت صوراً التقطها القمر الصناعي تُظهر منطقة فاض فيها نهر السند "ما أدّى فعلياً إلى تشكل بحيرة طويلة وبعرض عشرات الكيلومترات" بين مدينتي ديرا مراد جمالي ولاركانا.
وعلى الرغم من أنه سابق لأوانه تحديد مدى تأثير التغيّر المناخي في حصول الفيضانات، إلّا أن العلماء يقولون إن الرياح الموسمية الهندية ستصاحبها أمطار أكثر.
ورجّحت دراسة حديثة تستند إلى نماذج مناخية أن تتضاعف الأمطار الموسمية في شبه القارة الهندية أكثر من 6 مرات خلال القرن الـ21، حتى لو قللت البشرية من انبعاثات الكربون.
اقرأ أيضاً: