لاحظ أهالي قرى الأغوار الشمالية في فلسطين، قبل سنوات، أحد المستوطنين يقيم في "كشك" خشبي في قطعة أرض تبعد عدة كيلومترات عن مستوطنة "مزوقح". وبعد عدة شهور فوجئوا بوصول مستوطنين إضافيين ببيوت متنقلة، وشرعوا في العيش بالمنطقة وإقامة الحظائر وجلب الأبقار.
بدأ المستوطنون يرعون أبقارهم في جبال وسهول المنطقة الواسعة، وصاروا يطردون رعاة المواشي الفلسطينيين منها، وفي حال عدم الانصياع، كانوا يستدعون المزيد من المستوطنين من "مزوقح" للاعتداء عليهم وإجبارهم على المغادرة تحت تهديد السلاح.
شرعنة ومرافق
وخلال 4 سنوات ظهرت 6 بؤر استيطانية من هذا النوع في المنطقة الواقعة في أراضي طوباس التي تعد المدينة الزراعية الأكبر في فلسطين. سيطرت هذه البؤر على عشرات الآلاف من الأمتار من الأراضي الزراعية، ومدتها السلطات الإسرائيلية بالطرق الممهدة وشبكات المياه النظيفة والهاتف والكهرباء.
وكشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أخيراً عن خطة لتحويل البؤر التي يطلق عليها المستوطنون اسم "مزرعة الرعاة" إلى مستوطنات قانونية، مشيرة إلى أنها أقيمت برعاية الحكومة والجيش والإدارة المدنية التي تشكل الذراع العسكرية الإسرائيلية لإدارة الضفة الغربية.
وقالت الصحيفة: "تتواصل حملة توسيع المشروع الاستيطاني في المناطق "ج" بكامل قوتها، تحت رعاية الإدارة المدنية، وبمساعدة الجيش والحكومات المتعاقبة، وتقوم الإدارة هذه الأيام بالترويج لبرنامج من شأنه أن يسمح بشرعنة عشرات البؤر الاستيطانية المسماة مزرعة الرعاة غير القانونية".
50 مستوطنة
وكشفت الصحيفة أن المستوطنين أقاموا في السنوات العشر الماضية 50 "مستوطنة رعوية" في الضفة الغربية، مشيرة إلى أن هذا الشكل الاستيطاني بات الطريقة الجديدة والأكثر شيوعاً للاستيلاء على أراضي الفلسطينيين، وضمها للمستوطنات.
وذكرت الصحيفة أن المستوطنين يستخدمون المواشي للتوسع الاستيطاني، بحيث يحصلون على تصاريح من قسم المستوطنات في وزارة الزراعة الإسرائيلية للرعي في مناطق واسعة، ثم يحولونها إلى مناطق استيطانية، واصفة هذا الأمر بأنه "طريقة للنهب".
وقالت الصحيفة: "بمجرد أن يقروا طريقة النهب، التي سيطروا من خلالها على مئات الآلاف من الدونمات، تأتي المرحلة الثانية من الخطة وهي مرحلة الشرعنة".
وتشرف على العملية الاستيطانية الرعوية حركة تسمى "أمانا" يقودها مستوطن يدعى زئيف حيفار الملقب بـ"زامبيش".
سيطرة على أراضي الضفة
وأشارت "هآرتس" إلى أن الإدارة المدنية الإسرائيلية تعكف حالياً على "شرعنة" ما بين 30 و35 بؤرة استيطانية رعوية تحت مسمى "أراضي دولة"، مؤكدة أن هذا الإجراء "سيسمح بإنشاء بؤر استيطانية رعوية إضافية لأولئك، ليتم تحويلها في ما بعد إلى مستوطنات معترف بها".
ونشرت منظمة "كيرم نبوت"، التي تراقب التوسع الاستيطاني، أخيراً، تقارير مرفقة بخرائط تبين أن ما يسمى "المستوطنات الرعوية" باتت تسيطر على 240 ألف دونم (الدونم يعادل 1000 متر مربع)، والتي تشكل 7% من الأراضي المصنفة "ج".
وتقسم إسرائيل الضفة الغربية إلى 3 مناطق، هي "أ" التي تقع تحت إدارة السلطة الفلسطينية وتضم المدن والبلدات الكبرى وتشكل حوالي 12% من مساحة الضفة، والمنطقة "ب" التي تضم غالبية التجمعات السكانية الريفية وتشكل حوالي 18% من مساحة الضفة الغربية، وتقع تحت إدارة السلطة الفلسطينية من الناحية المدنية فيما الإدارة الأمنية لإسرائيل، والمنطقة "ج" وتشكل 60% من مساحة الضفة الغربية وتقع تحت الإدارة المدنية والأمنية لإسرائيل.
التركيز على "ج"
ويتركز المشروع الاستيطاني الإسرائيلي في المنطقة "ج" بما فيها مدينة القدس التي ضمتها إسرائيل، والتي يعيش فيها حوالي 800 ألف مستوطن.
وقال الباحث في مركز "بتسليم" عارف أبو الزيت، لـ"الشرق"، إن "المستوطنين انتقلوا من الاستيطان الزراعي والصناعي والسياحي إلى الاستيطان الرعوي".
وأضاف: "ميزة الاستيطان الرعوي أنه يتيح للمستوطنين السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي، حيث باتت حدود المستوطنات مفتوحة إلى النقطة التي تصل اليها أبقارهم".
ولا تخفي إسرائيل سعيها لضم المستوطنات التي تسيطر على الجزء الأكبر من الضفة الغربية، الأمر الذي يقوض فرص إقامة أي دولة فلسطينية في المستقبل.
ويبلغ عدد المستوطنات في الضفة الغربية 240 مستوطنة، يسكن فيها 750 ألف مستوطن، وفق إحصاءات مركز "بتسيلم" والجهاز المركزي للإحصاء الإسرائيلي.
وأدى التوسع الاستيطاني المتنامي بعد التوصل إلى اتفاق السلام في "أوسلو" إلى إنهيار العملية السياسية بين الجانبين.
ويحذر الفلسطينيون من أن إسرائيل ماضية في ضم تدريجي لحوالي نصف مساحة الضفة، وتحويل التجمعات السكانية الفلسطينية إلى كانتونات ومعازل مكتظة.
اقرأ أيضاً: