تعويضات "الخسائر والأضرار".. خلاف منتظر على طاولة مؤتمر المناخ

time reading iconدقائق القراءة - 10
احتجاجات في مدينة جلاسكو الاسكتلندية بالتزامن مع اجتماعات قمة الأمم المتحدة للمناخ - 3 نوفمبر 2021 - REUTERS
احتجاجات في مدينة جلاسكو الاسكتلندية بالتزامن مع اجتماعات قمة الأمم المتحدة للمناخ - 3 نوفمبر 2021 - REUTERS
القاهرة-محمد منصور

نقاشات عديدة من المنتظر أن يشهدها مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة للمناخ "كوب 27" المقام بمدينة شرم الشيخ بـمصر، في محاولة لدفع جهود مكافحة تغير المناخ وتداعياته، إلا أن أحد أبرز المداولات المرتقبة ستكون بشأن تعويضات "الخسائر والأضرار".

و"الخسارة والضرر" هو مفهوم يحدد تأثيرات تغير المناخ التي لا يمكن تجنبها عن طريق جهود التخفيف أو التكيف، إذ يمكن أن تنتج من عوامل مفاجئة مثل الأعاصير وموجات الحر والفيضانات، أو عوامل بطيئة الظهور مثل ارتفاع مستوى سطح البحر وزيادة درجات الحرارة والتصحر.

وهناك نوعان من "الأضرار" يُمكن أن يحدثا نتيجة التغير المناخي، الأول ضرر لا يمكن إصلاحه، مثل فقدان الأرض بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر أو فقدان موارد المياه العذبة بسبب التصحر. أو ضرر قابل للإصلاح مثل إنحسار الخط الساحلي أو تأثر البنية التحتية المرتبط بتغير المناخ.

ونوعان أيضاً من الخسائر، خسائر اقتصادية وأخرى غير اقتصادية، وتشير الخسائر الاقتصادية إلى فقدان الموارد والسلع والخدمات التي يتم تداولها بشكل شائع في أسواق مثل الإنتاج الزراعي أو البنية التحتية أو الممتلكات.

أما الخسائر غير الاقتصادية فهي تلك التي يمكن أن تؤثر على الأفراد أو المجتمع أو البيئة، مثل فقدان الحياة أو الصحة أو الأراضي أو التراث الثقافي والهوية، أو تضرر السكان الأصليين، أو خسارة التنوع البيولوجي والنظم البيئية بأكملها.

ومع أن مفهوم "الخسارة والضرر" ليس جديداً، إلا أنه لا يزال غامضاً إلى حد ما وغير محدد جيداً في سياسة المناخ.

وعلى الرغم من تكرار مناقشته في مؤتمر الأطراف ضمن اتفاقية تغير المناخ، لكنه لم يُدمج أبداً على جدول أعمال مؤتمرات المناخ السابقة، وهو ما يحدث للمرة الأولى.

لكن هذه المناقشات بشأن "الخسائر والأضرار" تحاصر جدواها الكثير من الشكوك في ظل اختلاف حاد بوجهات النظر بين الدول النامية الأكثر تضرراً والمتقدمة المسؤولة بشكل أكبر عن الأزمة.

وعلى الرغم من أن جميع الدول ستتأثر بتغير المناخ، لكن مدى التأثر سيختلف من مكان إلى آخر، كما أن وجهات نظر البلدان النامية والمتقدمة بشأن تعريف "الخسائر والأضرار" مختلفة، ومن هنا ظهرت الحاجة لمناقشة الأمر في ظل صعوبة مواجهة التأثيرات المناخية و"التقدم المحدود" في هذه القضية.

آلية وارسو

ظهر مفهوم "الأضرار والخسائر" لأول مرة أثناء صياغة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في 1991، عندما أثار تحالف الدول الجزرية الصغيرة (منظمة حكومية دولية للبلدان الساحلية المنخفضة والبلدان الجزرية الصغيرة) أهمية ذلك المفهوم، داعياً إلى إنشاء مؤسسة تأمينية ضد الخسائر والأضرار الناجمة عن ارتفاع مستوى سطح البحر.

وعلى الرغم من عدم ذكر "الخسائر والأضرار" في النص النهائي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، إلا أن المادة الرابعة من الاتفاقية أشارت إلى "ضرورة التأمين" كوسيلة لمساعدة البلدان النامية على معالجة الآثار الضارة لتغير المناخ.

وبعد ذلك تمت مناقشة "الأضرار والخسائر" لسنوات عديدة قبل أن يتم إضفاء الطابع المؤسسي عليها فقط في عام 2013 خلال اجتماعات مؤتمر المناخ التاسع عشر، مع إنشاء آلية "وارسو" الدولية للخسائر والأضرار والتي كان الهدف منها تعزيز تنفيذ نهج لتقليل الخسائر والأضرار المرتبطة بتغير المناخ، مع الاعتراف بأن بعض الأضرار لا يمكن تجنبها.

وتشكلت اللجنة التنفيذية لآلية "وارسو" من 10 أعضاء من البلدان النامية و10 من المتقدمة لمناقشة إدارة المخاطر وتعزيز المعرفة والفهم والحوار مع أصحاب المصلحة وتعزيز التنسيق والحوار.

تأثير يطال الجميع

ويؤثر تغير المناخ بالفعل على المجتمعات والأفراد في جميع أنحاء العالم، بحسب تقرير عن التأثيرات والتكيف صادر من الهيئة الحكومية الدولية لتغيير المناخ.

وأوضح التقرير أن العديد من الأماكن في المستقبل القريب ستتأثر بشكل متزايد بظواهر الطقس المتطرفة مثل الجفاف والفيضانات والعواصف.

وتختلف قابلية التأثر بتغير المناخ بحسب المناطق، إذ يعيش ما يصل إلى 3.6 مليار شخص في مناطق شديدة التأثر بتغير المناخ.

وتقع هذه الأماكن بشكل خاص في غرب ووسط وشرق إفريقيا وجنوب آسيا وأميركا الوسطى والجنوبية والدول النامية الجزرية الصغيرة والقطب الشمالي.

وقد تكون إدارة الخسائر والأضرار أكثر صعوبة للمواقع التي تعاني من أنماط التنمية غير المستدامة وعدم المساواة والتهميش، والأماكن ذات المستويات العالية من سبل العيش الحساسة للمناخ مثل مجتمعات الصيد أو المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة.

أزمة التمويل

القضية الرئيسية التي تواجه صعوبة في الاتفاق عليها هي تمويل آليات التكيف والتخفيف، إذ يميل أصحاب المصلحة في البلدان المتقدمة المُسببة أصلاً للتغير المناخي، إلى القول بأن تلك الآليات يمكن تمويلها من خلال صناديق المناخ الحالية، أو خطط التأمين، أو المساعدات الإنسانية، أو إدارة المخاطر، بينما تدعو العديد من البلدان النامية إلى آليات مالية موجهة بشكل خاص للتكيف والتخفيف.

ومن المتوقع أن يكون الموضوع أحد مجالات التركيز الرئيسية على جدول أعمال الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في مصر.

مصالح متضاربة

ومنذ إنشاء آلية وارسو في 2013 وحتى مؤتمر المناخ الماضي، لم تكن قضية "الأضرار والخسائر" بنداً رسمياً في جدول الأعمال خلال أي مؤتمر للأطراف، إذ تمت مناقشة عمل اللجنة التنفيذية فقط. فالمصالح المتضاربة همشت القضية، وأبقتها خارج أجندة المفاوضات الرسمية.

وبالنسبة للبلدان المتقدمة، فإن قضية تأثير ومخاطر تغير المناخ تعد أمراً جانبياً، ما يدفع المفاوضات في هذا الشأن إلى التركيز على إدارة المخاطر وبناء القدرة على الصمود، ويقتصر دورها على كونها مانحة مع مسؤولية البلدان النامية عن تقليل ضعفها.

وعلى النقيض من ذلك تركز الدول النامية على تحميل مسؤولية تغير المناخ والخسائر والأضرار المحتملة للبلدان المتقدمة التي تتسبب في انبعاث غازات الدفيئة، وتؤكد على ضرروة التزامهم الأخلاقي بدفع تعويضات، لكن هذا الإطار يمثل إشكالية بالنسبة للبلدان المتقدمة، إذ أنه يحملها المسؤولية كاملة.

وتجادل الدول المتقدمة في أغلب الأحيان بأن الخطط المالية لتغطية بنود الأضرار والخسائر مغطاة بالفعل من خلال صناديق التخفيف والتكيف الحالية بالإضافة إلى المساعدات الإنسانية.

لكن وعلى الرغم من ذلك اكتسبت هذه القضية زحماً كبيراً، مع أنه لم يمكن رسمياً وذلك خلال مؤتمر المناخ لعام 2021 في جلاسكو من خلال الدعوة المشتركة لمجموعة الـ77 والصين لإنشاء "مرفق تمويل الخسائر والأضرار".

ومع أن البلدان النامية كانت تأمل في الحصول على صندوق لتمويل الخسائر والأضرار، لكن لم يتم التوصل إلى توافق في الآراء لوضع الأمر على جدول الأعمال الرسمي، إذ فضل الاتحاد الأوروبي والدول المتقدمة الأخرى معالجة القضية من خلال تعزيز الترتيبات والمؤسسات القائمة.

وعود مهدرة

وبالرغم من أن تمويل المناخ شهد اتجاهاً تصاعدياً في السنوات القليلة الماضية، إلا أن الوعود المالية المتمثلة في 100 مليار دولار أميركي سنوياً بحلول عام 2020 لم يتم الوفاء بها.

وفي 2019 تم توجيه 79.6 مليار دولار أميركي للبلدان النامية من حساب القطاعين العام والخاص في البلدان المتقدمة.

وتم توجيه غالبية تمويل المناخ نحو التخفيف بمقدار 50.8 مليار دولار أميركي، وحصة أصغر للتكيف بقيمة 20.1 مليار دولار أميركي، وذلك في نفس العام.

وتعد قارة آسيا هي المتلقي الرئيسي للتمويل المتعلق بالمناخ بنسبة 43٪، تليها إفريقيا 26٪ والأميركتان 17٪. ويساعد تمويل التخفيف والتكيف في حجم "الخسائر والأضرار" التي يمكن تجنبها، لكن هناك أيضاً حاجة للتمويل لمعالجة الخسائر والأضرار التي تحدث والتي لا يمكن تجنبها.

وتشمل أدوات التمويل الحالية التي بدأتها اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ لمعالجة التخفيف والتكيف "صندوق التكيف والصندوق الأخضر للمناخ" والذي تم إنشائه في 2001 بموجب بروتوكول "كيوتو" لتمويل مشاريع وبرامج التكيف في البلدان النامية.

كما أسس مؤتمر المناخ الخامس عشر "الصندوق الأخضر للمناخ" في 2010، لتوفير الأموال من أجل التنمية منخفضة الانبعاثات والمقاومة للمناخ.

تدابير تجنب الأضرار

ويمكن تقسيم تدابير تجنب الأضرار والخسائر وتقليلها ومعالجتها إلى فئتين: استباقية وتفاعلية.

ويشمل النهج الاستباقي، مرحلة ما قبل حدوث الخسائر والأضرار، عن طريق التكيف مع تغير المناخ، والحد من مخاطر الكوارث، وإدارة المخاطر، ورفع المهارات، والشراكة طويلة الأجل.

أما التدابير التفاعلية، فتشمل الإجراءات اللاحقة التي تتضمن الإغاثة في حالات الكوارث والتعافي طويل الأجل، والمنح من خلال البرامج الحكومية، ومجمعات التأمين، والمساعدات الإنسانية، والتعويضات المحتملة.

وبعض هذه الخدمات مشمول بالفعل بالتمويل الحالي الخاص بالمناخ، لكن هذا لا يكفي لمعالجة الأمر بشكل كاف.

وأكد تقرير حديث لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على قيمة زيادة العمل المبكر القائم على التنبؤ والتمويل في شكل مساعدات إنسانية لتقليل الآثار الناجمة عن الخسائر والأضرار، لكنه شدد على أن مثل هذا التمويل الاستباقي لا يمكن تطبيقه إلا على التأثير المناخي الذي يتسم بالبساطة، مثل العواصف والفيضانات.

جهود التأمين

وفي 2005 تم تأسيس مؤسسة "ميونيخ" للتأمين على المناخ استجابةً للاعتبار المتزايد للتأمين كأداة ممكنة للتكيف مع تغير المناخ.

وتعمل المؤسسة على ربط الخبراء والمنظمات غير الحكومية والباحثين في السياسات معاً بهدف استكشاف حلول التأمين لتأثيرات تغير المناخ.

كما شهد مؤتمر المناخ الثالث والعشرين، تأسيس الدول مبادرة تأمين "آنشوريسيلنس" والتي تعتمد على التعاون بين دول مجموعة العشرين والأوساط الأكاديمية والقطاع الخاص والمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية.

وفي 2021 قامت تلك المبادرة بحماية 150 مليون مستفيد إما بشكل مباشر أو غير مباشر. وتتضمن وسيلة التسليم الخاصة بها 122 برنامجاً وأكثر من 200 مشروع إلى جانب التعاون مع الصناديق الإقليمية داخل منطقة البحر الكاريبي وكذلك في إفريقيا.

وتشير أبحاث منظمة التعاون والتنمية إلى أن البلدان ذات التغطية التأمينية الأعلى تتعافى أسرع بـ4 مرات من تلك التي تتمتع بتغطية تأمينية أقل، وأنه في عام 2021، تم التأمين على أكثر من نصف الخسائر الاقتصادية والأضرار التي حدثت في البلدان المتقدمة، ولكن تم التأمين على عُشرها فقط في البلدان النامية.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات