
في خضم السباق للوصول للحياد الكربوني والسيطرة بغير رجعة على انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، تقع عملية إزالة الكربون كتحدٍ رئيسي يتعين على العالم خوضه وتجاوزه.
ويقتضي خوض هذا التحدي التمكن من العزوف عن اللجوء لعملية احتراق الوقود من أجل إنتاج الطاقة وتسخيرها في مختلف مناحي الحياة، ومن ثم تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري حد التخلص منها نهائياً.
بيد أن التحدي يتمثل في الدور الفارق الذي تلعبه عملية احتراق الوقود في القطاع الصناعي ولاسيما الصناعات الثقيلة كالأسمنت والحديد والصلب، ومدى إمكانية استخدام مصادر الطاقة المتجددة لإتمام العمليات التصنيعية ذاتها دون التهاون في هدف الحد من زيادة درجات الحرارة عن 1.5 درجة كما يحدد اتفاق باريس للمناخ.
البحث عن الحرارة
تتضمن عملية إزالة الكربون والتحول نحو الطاقة المتجددة تطبيقات شتى، كتحول شبكات المواصلات والسيارات من الوقود الأحفوري للطاقة الشمسية.
إلى جانب الاعتماد على الطاقة المتجددة أيضاً في إنتاج كهرباء الإنارة وتسيير مفردات الحياة اليومية، غير أن قطاع الصناعة ولاسيما الصناعات الثقيلة يعتمد بدوره على الوقود الأحفوري ومن ثم يسهم في إجمالي الانبعاثات المستهدف التخلص منها.
ووفقاً لأحد تقارير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فإنه إلى جانب الانبعاثات الناتجة عن الكهرباء المشتراة تتسبب عمليات التحول الحراري بقطاع الصناعة أيضاً في كميات كبيرة من الانبعاثات، نظراً إلى أن الوقود الأحفوري عادة ما يُسخر في عمليات الاحتراق للوصول إلى درجات حرارة مرتفعة للغاية يصعب الوصول إليها باستخدام الطاقة الكهربائية.
كما أن بعض البدائل التكنولوجية المتوفرة كاستخدام الهيدروجين المصنع من الطاقة المتجددة، ما تزال بحاجة للبحث والتطوير.
تحولات تقنية
أزمة الوصول لدرجات الحرارة الملائمة لا تشكل العقبة الوحيدة في سبيل إزالة الكربون من عمليات التصنيع الثقيلة، إذ أن خطوات تصنيع بعض المنتجات ذاتها تُسفر عن إنتاج غازات الاحتباس الحراري، كصناعة الحديد والصلب، ما يعني ارتباط هدف الوصول للحياد الكربوني باللجوء لأنماط تصنيع بديلة بشكل كامل.
ووفقاً للتقرير التقيمي للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC 2015 فإن صناعة الإسمنت والخرسانة تتسبب في حوالي 8% من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون عالمياً.
و35% فقط من تلك الانبعاثات ناتجة عن استخدام الوقود الأحفوري بغرض الوصول لدرجات الحرارة اللازمة لمتطلبات الصناعة، بينما تنتج 65% من الانبعثات كنتيجة مباشرة لعملية التصنيع ذاتها، وبالتحديد تكلس الحجر الجيري، ومن ثم فإن كل طن مُنتج فعلياً من الإسمنت يقابله بالضرورة إنتاج طن آخر من غاز ثاني أكسيد الكربون.
ضريبة اقتصادية
وبحسب أحد تقارير مبادرة التمويل التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، يمكن لعملية إزالة الكربون أن تتضمن مخاطر اقتصادية واسعة ما لم يتم على نحو منظم.
ويشرح التقرير: "التحول غير المنظم والانتقال للاقتصاد منخفض الانبعاثات الكربونية بشكل فوضوي ومفاجئ من شأنه أن يسفر عن تحديات اقتصادية كبيرة، حيث يتاح وقت قليل للشركات كي تتكيف مع متغيرات السوق وتقوم بتعديل ملفاتها وأنشطتها بما يتماشى مع المتوقع من مسار التحول".
ويطرح التقرير التعدين مثالاً فيما يتعلق بتبعات التحول المفاجئ للمسار منخفض الانبعاثات، فيشرح على سبيل المثال أن أنظمة الطاقة منخفضة الكربون أكثر اعتماداً من غيرها على المعادن ما قد يُحدث أزمة فيما يتعلق بسلاسل التوريد التي قد تواجه ضغوط زيادة الطلب غير المتوافقة مع المعروض سوقياً.
غير أن التقرير يؤكد أن تلك المخاطر لا تعني أن التحول إلى المسار منخفض الانبعاثات كارثي بالضرورة، إذ أنه قد بدأ بالفعل.
وعن الموازنة بين الضريبة الاقتصادية للانبعاثات مقابل التوجه للمسار منخفض الكربون يقول التقرير: "سواء كان منظماً أم لا، فإن الانتقال للمسار منخفض الكربون أقل في التكلفة طويلة الأمد من عدم الانتقال مطلقاً.. يشير علم المناخ إلى أن الانتقال إلى الاقتصاد منخفض الكربون أمر ضروري، والتكنولوجيا ترجح أنه ممكناً".
اقرأ أيضاً:




