حرب أوكرانيا تُضعف الاقتصاد العالمي.. والديون تضغط على الصين

time reading iconدقائق القراءة - 8
أوراق نقدية من اليوان الصيني والدولار الأميركي - REUTERS
أوراق نقدية من اليوان الصيني والدولار الأميركي - REUTERS
دبي- الشرق

ألقت أزمتا جائحة كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا بظلالهما على العالم بأسره، إذ توقع خبراء أن يشهد العام المقبل نمواً اقتصادياً "ضعيفاً" على غرار أزمة العام 2009، في وقت رجحوا أن تضغط عملية سداد ديون قيمتها تريليوني دولار، على الاقتصاد الصيني خصوصاً.

وأشار تقرير نشره "معهد التمويل الدولي"، الخميس، إلى أن الاقتصاد العالمي سيكون "ضعيفاً" العام المقبل، على غرار ما كان عليه العام 2009 في أعقاب الأزمة المالية التي اجتاحت العالم، مرجعاً ذلك إلى مخاطر تحوّل الصراع في أوكرانيا إلى "حرب طويلة".

ونقلت "بلومبرغ" عن المعهد، الذي يتخذ من العاصمة الأميركية واشنطن مقراً، أن التباطؤ "ستقوده أوروبا" التي تأثرت أكثر من غيرها بالغزو الروسي على أوكرانيا والذي بدأ في فبراير الماضي، كما سيتقلص اقتصاد منطقة اليورو بنسبة 2%، بسبب الانخفاض الحاد في ثقة المستهلكين والشركات.

وكتب خبراء اقتصاديون، بينهم روبين بروكس وجوناثان فورتون، أنه "من المتوقع أن يتباطأ النمو العالمي إلى 1.2% عام 2023، وعند تعديله وفقاً للتأثيرات الأساسية، فإنه يصبح ضعيفاً كما كان في 2009".

وتوقع المعهد أن يرتفع الناتج المحلي بالولايات المتحدة الإجمالي بنسبة 1%، في حين ستمثل أميركا اللاتينية "الصدارة الإيجابية" بتسجيلها 1.2% للناتج المحلي الإجمالي، حيث سيجني مصدرو السلع فوائد ارتفاع أسعار مواد الغذاء والطاقة، أما الصين، فستمثل "المحرك الأكبر الوحيد" للاقتصاد العالمي العام المقبل.

وأضاف المحللون أن "حدة الضربة القادمة على الناتج المحلي الإجمالي العالمي تعتمد بالأساس على المسار الذي ستتخذه الحرب في أوكرانيا"، مشيرين إلى أن "حالتنا الأساسية هي أن القتال سيستمر إلى عام 2024، بالنظر إلى أن هذا الصراع يعد وجودياً بالنسبة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين".  

وفي ما يتعلق بالاقتصاد الصيني، أشارت "بلومبرغ" في تقرير منفصل، إلى أن بكين تواجه "ضغوطاً" تتعلق بسداد ديون الحكومات المحلية التي تصل قيمتها إلى 2.1 ترليون دولار، محذرة من أن ذلك قد يعيق قدرتها على رفع النمو الاقتصادي. 

الصين و"عتبة الخطر"

"بلومبرغ" أشارت في تقريرها، إلى أن 31 حكومة محلية على مستوى المقاطعات في الصين لديها مخزون من السندات المستحقة يقترب من "عتبة الخطر" التي حددتها وزارة المالية عند نسبة 120% من الدخل، إذ أن تجاوزها يعني مواجهة المزيد من العقبات التنظيمية للاقتراض.  

وبالإضافة إلى ذلك، ستواجه السلطات المحلية عائقاً على مدى السنوات الـ 5 المقبلة، حيث تستحق سندات تبلغ قيمتها نحو 15 تريليون يوان (ما يعادل 2.1 تريليون دولار)، و هي ما يصل إلى 40% من إجمالي ديونها.

وبينما لا توجد مخاطر كبيرة من تخلف حكومات المقاطعات عن السداد، إلا أن هذه الحكومات ستواجه "صعوبات متزايدة" في سداد ديونها، كما سيتعين بيع المزيد من السندات للتخلص من السندات المستحقة، بدلاً من تمويل إنفاق جديد، ما قد يؤدي إلى تضرر نمو الاستثمارات. 

رقم قياسي

وحذرت الوكالة من أن الأوضاع المالية في الحكومات المحلية "ستواجه صعوبات بالغة العام المقبل"، حيث ستستحق سندات بقيمة 3.65 تريليون يوان في 2023، ما وصفته الوكالة بأنه "رقم قياسي في سنة واحدة، ومبلغ كبير يعادل حجم حصة السندات الخاصة الجديدة لهذا العام".   

كما تشكل مدفوعات الفوائد مشكلة متفاقمة، إذ بلغت مدفوعات الفوائد على السندات الخاصة 479 مليار يوان في الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، ما يعادل 6.2% من الإنفاق في إطار ميزانية التمويل الحكومي.  

وحال أصدرت الحكومة المركزية المزيد من السندات العامة لتمويل مشاريع البنية التحتية، فسيتعين عليها السماح للعجز المالي الرسمي بالتضخم من مستوياته الحالية التي تبلغ 3% تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي.   

وأشارت الوكالة إلى أن العجز الرسمي ظل منخفضاً، لأن الحكومة "تتعامل بقدر كبير من الحيطة في ما يتعلق بمد بيع السندات العامة"، مفضلة السماح للمقاطعات بإصدار المزيد من السندات الخاصة.  

وفي اجتماع عقد الشهر الماضي للجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي الوطني (البرلمان)، حذر بعض النواب من أنه "سيكون من الصعوبة سداد ديون الحكومات المحلية المستحقة في العامين المقبلين، وفقاً لما هو مقرر لها"، داعين إلى وضع "خطط طوارئ" في وقت مبكر.  

ومؤخراً، أقرت الحكومة المركزية ولأول مرة، بوجود مخاوف تتعلق بمخاطر سداد السندات المحلية الخاصة، فيما حضت مدينة شنجن، مركز التكنولوجيا المجاور لهونج كونج، على النظر في إنشاء صندوق مخصص لمنع مخاطر سداد الديون.

وتعد الأوضاع المالية في تلك المدينة (شنجن) بحال أفضل من العديد من المدن والمقاطعات الأخرى، ما يجعلها "منطقة اختبار" للإصلاحات المالية.  

سوق العقارات

في السياق، أرجعت الوكالة الأميركية السبب الرئيسي في الضغط المالي إلى "أزمة سوق العقارات"، بعد أن انخفضت عائدات مبيعات الأراضي، والتي كانت تشكل في السابق نحو 30 % من دخل الحكومات المحلية.  

وعلاوة على ذلك، تم تخصيص تريليونات من الإعفاءات الضريبية للشركات، لمساعدتها على التعامل مع التباطؤ الاقتصادي على مدى السنوات القليلة الماضية.  

وقال دينج شوانج من مصرف "ستاندرد تشارترد" إن الحكومة الوطنية "يجب أن تتحمل المزيد من أعباء الديون عن طريق المزيد من الاقتراض".  

وأضاف: "يجب أن تكون الحكومة المركزية، وليس حكومات المقاطعات، هي من يقوم بدور الرافعة، خاصة أن الأوضاع المالية للمقاطعات باتت بالغة الضعف على مدى السنوات القليلة الماضية. الحكومة ستواجه المزيد والمزيد من الضغوط لإجراء التغيير". 

كما وجه يو يونجدينج، مستشار البنك المركزي السابق، واقتصاديون آخرون، دعوة مماثلة من خلال تقريرهم الصادر في وقت سابق من هذا الشهر، أكدوا فيه أن "الحكومة المركزية يجب أن تبيع المزيد من الديون، لا سيما السندات العامة التي يمكن استخدامها للاستثمار في البنية التحتية".  

وحددت الصين عتبة المخاطر لديون المقاطعات عند نسبة 120% من "مواردها المالية الشاملة".

التحفيز الوبائي 

ووفقاً لـ "بلومبرغ"، فإن هذه النسبة كانت "مستقرة إلى حد ما" قبل عام 2020، حيث ساعد ضغط بكين للحد من الديون على خفضها قليلاً، وارتفعت النسبة منذ ذلك الحين بعد ما كثفت الحكومة الحوافز المالية خلال فترة تفشي جائحة كورونا.  

وقفزت ديون المقاطعات إلى 118% من الدخل، في نهاية سبتمبر الماضي، بعد أن كانت 83% في 2019، وفقاً لحسابات "بلومبرغ" المستندة إلى البيانات الرسمية.  

وعلى النقيض من ذلك، تراجعت عائدات الحكومات بشكل كبير، ما أرجعته "بلومبرغ" بالأساس إلى تراجع سوق العقارات وانخفاض مبيعات الأراضي، كما تراجعت الزيادة السنوية في الدخل المحلي الإجمالي إلى 2.5% فقط في العام الماضي، في مقابل 7.1% في 2019، ونمو بمعدل الضعف في العامين السابقين على ذلك.  

خفض الاقتراض

وبحسب تقرير أصدرته وزارة المالية الصينية، فإن خفض الاقتراض الإجمالي من دون حد الخطر، يتطلب من المقاطعات التي تعاني من المخاطر العالية "تقويض حجم مشاريعها الاستثمارية وخفض الإنفاق العام والتصرف في الأصول".

وتحركت بعض المقاطعات، مثل آنهوي وسط الصين، بالفعل لمنع المناطق المعرضة للخطر من إضافة ديون جديدة.  

ورأت "بلومبرغ" أن السندات الخاصة تمثل "الجزء الأسرع نمواً من جملة ديون المقاطعات"، إذ يتم جمع هذه الأموال بالأساس لتمويل استثمارات البنية التحتية، ما يساعد على دفع النمو الاقتصادي. 

وتم إصدار 11 تريليون يوان تقريباً من السندات الخاصة الجديدة منذ عام 2020، ما يفوق ضعف ما تم بيعه في السنوات الخمس من 2015، عندما تم السماح للحكومات المحلية لأول مرة بإصدار الأوراق النقدية بنفسها.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات