قال المتحدث باسم مستشفى "57357" لعلاج سرطان الأطفال في مصر، شريف عبد العال، في تصريحات خاصة لـ"الشرق"، إن المؤسسة ستفصح عن قوائمها المالية لعام 2021، خلال أيام.
وتأتي هذه الخطوة وسط جدل شغل الرأي العام المصري بشأن مصير المستشفى الذي جمع مليارات الجنيهات من التبرعات قبل وبعد افتتاحه عام 2007، وحظي بدعم العديد من المشاهير، إذ يطالب كثيرون بالكشف عن أوجه الإنفاق داخل المستشفى، بعد إعلان خفض عدد الأطفال الخاضعين للعلاج بسبب نقص التبرعات، وإثارة مخاوف من إغلاقه جرّاء ما يمر به من أزمة مالية.
وأوضح الرئيس التنفيذي لمؤسسة "57357"، شريف أبو النجا، أنه "اضطر لخفض عدد الأطفال الخاضعين للعلاج إلى نحو 2700 طفل، بدل أكثر من 3200، بسبب نقص التبرعات".
وقوبلت دعوات زيادة التبرعات لدعم المستشفى بمطالبات إعلامية وبرلمانية بأن تتخذ إدارة المستشفى نهجاً أكثر شفافية، بعد أن أصرّت على عدم إعلان قوائمها المالية طوال سنوات، رغم مواجهتها اتهامات بسوء الإدارة كان أبرزها من الكاتب الراحل وحيد حامد، مكتفية بأنه يخضع لرقابة وزارة التضامن بوصفه مشروعاً خيرياً.
وكشف المتحدث باسم المستشفى شريف عبد العال، أن "الميزانية التقريبية" لمستشفى "57357" تبلغ نحو 34 مليون دولار أميركي سنوياً (قرابة 924 مليون جنيه بحسب سعر الصرف الرسمي الأحد)، معتبراً أن "أي مقارنة بين المستشفى وأمثاله حول العالم ستنصفنا".
ودلّل على كلامه بأن "المستشفى يعالج 3 آلاف حالة سنوياً، أما مستشفى (سانت جود) في الولايات المتحدة فتبلغ ميزانيته قرابة 3 مليارات دولار أميركي سنوياً، ويعالج 640 مريضاً في العام"، بحسب عبد العال. وتابع: "نعالج 60% من الأطفال المصابين بالسرطان في مصر، ونجري 1300 جراحة لأورام المخ، في إطار ميزانيتنا تلك".
وفي 29 ديسمبر الماضي، عيّن مجلس أمناء المستشفى، العضو شريف عبد العال، متحدثاً رسمياً باسم المجلس ومسؤولاً عن إصدار بياناته الرسمية.
تراجع التبرعات
وحصلت "الشرق" على القوائم المالية لمستشفى "57357" عن السنة المالية المنتهية في 31 ديسمبر 2019، ما يقدم صورة بشأن أولويات إنفاق المؤسسة وحجم أرصدتها قبل 3 سنوات.
وتكشف القوائم التي قدمتها إدارة المستشفى في 24 ديسمبر عام 2020، عن تناقص التبرعات من 720 مليوناً و318 ألف جنيه عام 2018، إلى 588 مليوناً و484 ألفاً عام 2019، بنسبة انخفاض 18.3%.
وبيّنت تراجع نسبة التبرعات عن طريق البنوك بنسبة 90.5%، إذ هبطت من 85 مليوناً و689 ألفاً في عام 2018 إلى 8 ملايين فقط عام 2019.
وأشارت القوائم المالية إلى أن النقدية لدى المؤسسة بلغت 1.8 مليار جنيه بزيادة 12% على أساس سنوي، فيما بلغ إجمالي الودائع واستثمارات صناديق الاستثمار حوالي 2.2 مليار.
في المقابل، رفض عبد العال التعليق على الأرقام والنسب الواردة بالقوائم المالية، قائلاً إنه "غير مسؤول عن أي أرقام لم يُفصَح عنها بطريق رسمي"، وشدد على أنه "لن يستطيع نفيها أو تأكيدها أو مقارنتها بما لديه من قوائم وبيانات".
ومع ذلك، ذكر عبد العال أن انخفاض التبرعات الأساسية الواردة للمستشفى عام 2018 بلغ 65% مقارنة بالأعوام التي سبقته، مرجعاً السبب إلى "الحملة الصحافية التي قام بها الكاتب وحيد حامد" آنذاك عبر صفحات جريدة "المصري اليوم"، كما أضاف أن جائحة كورونا بدورها أثرت على التبرعات بشكل كبير.
وفي عام 2018، نشر حامد سلسلة مقالات تتضمن أرقاماً من تقرير المراقب المالي عن عام 2017، منتقداً أوجه الإنفاق وخاصة كلفة الإعلانات والأجور والرواتب.
جدل الرواتب والعلاج
وتضمنت القوائم المالية عن عام 2019 التي حصلت عليها "الشرق"، زيادة في بند الأجور والمرتبات للعام ذاته، إذ بلغ 472 مليوناً و184 ألفاً، مقارنة بـ 389 مليوناً و877 ألفاً عام 2018، بنسبة زيادة بلغت 21%.
ومع هذه الزيادة في بند الأجور والرواتب، أوضحت القوائم المالية أن بند الأدوية والعلاج عام 2018 بلغ 330 مليوناً و697 ألفاً، وهو الرقم الذي ارتفع عام 2019 إلى 387 مليوناً و283 ألفاً.
ورفض عبد العال التعليق على الأرقام التي أظهرت أن الإنفاق على الأجور والرواتب، يتجاوز الأدوية ومستلزمات العلاج، واكتفى بالقول: "كلفة علاج المريض في أي مستشفى تساوي 30% من الكلفة الإجمالية، بينما تمثل أجور العاملين من أفراد أمن ونظافة وطاقم طبي نحو 60%، فيما تذهب النسبة المتبقية إلى الأشعة والتحاليل والفحوص المختلفة".
وأكد عبد العال أن "الوظيفة لها ثمن، سواء الطبيب أو الصيدلي أو العامل الفني"، قائلاً إن "الدولة على سبيل المثال لا تعفي المستشفى من فواتير الكهرباء". وتابع: "بالمثل، لا أستطيع أن أطلب من الطبيب التبرع بمجهوده".
وقال المتحدث باسم المستشفى: "نسبة الأجور لدينا ما بين 40 و50% من إجمالي كلفة علاج المريض، مع أن النسبة العالمية تمثل نحو 60%"، مشدداً على أن "القوائم المالية المزمع الكشف عنها قريباً ستوضح ذلك".
وأضاف عبد العال: "كما أننا نشترط على الطبيب التفرغ، ونسعى لبلوغ نسب الشفاء العالمية، ومن ثم فإن الحديث عن ارتفاع راتب الطبيب في 57357 غير مقبول". وتابع: "مع ذلك، تحاول مؤسسة 57357 تقليص نسبة نفقات الأجور والرواتب مقارنة بالعلاج لأننا مستشفى خيري، وفي مصر".
وعما إذا كان ارتفاع بند الأجور بين عامي 2018 و2019 يرجع إلى تعيينات جديدة أم زيادة أجور فعلية، رفض عبد العال التعليق على الأرقام، لكنه لفت إلى أن "أعداد العاملين في المستشفى تزايدت في الفترة ما بين 2016 و2018 نتيجة زيادة عدد الأسِرّة داخل المستشفى".
وأضاف: "اضطرت الإدارة لزيادة عدد العاملين من 2500 إلى 3 آلاف عامل، وهو الطبيعي"، منبهاً إلى أن "تلك الزيادة لم تقتصر على العمالة الطبية، بل شملت كوادر جديدة في البحث العلمي والتغذية، وهي تخصصات تتسم بالندرة"، بحسب قوله.
وأوضح عبد العال أن نسبة التمريض إلى المرضى في المستشفى تبلغ "ممرضاً لكل 5 مرضى"، مقارنةً مع متوسط من 8 إلى 10 مرضى لكل ممرض في المستشفيات الأخرى. وذكر أن النسبة داخل المستشفى تختلف داخل العناية المركزة لتصبح ممرضَين لكل 3 مرضى، مُرجعاً ذلك إلى طبيعة المرض الذي يتخصص فيه "57357".
وأشار إلى أن أعداد طاقم التمريض لا يجري تقليصها في ساعات العمل المسائية كما هو الحال في باقي المستشفيات، حرصاً على جودة الخدمة المقدمة.
أزمة في مجلس الأمناء
في 29 ديسمبر الماضي، عقد مجلس أمناء المؤسسة، اجتماعاً طارئاً، لمناقشة الأزمة الجارية وتداعياتها، بناءً على دعوة خاصة من رئيس المجلس عمرو عزت سلامة، وزير التعليم العالي الأسبق.
وخلص الاجتماع إلى إصدار بيان عن المجلس "يجدد الثقة في الإدارة"، مع التأكيد على "ثوابت مجانية العلاج وجودته"، في حين ذكر أن "معظم الأسباب الخاصة بالأزمة الراهنة ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بالأزمات العالمية المتلاحقة منذ عام 2020 وتبعاتها".
لكن اجتماع المجلس، صاحبه جدل جديد مع إعلان المستشار عدلي حسين، محافظ القليوبية الأسبق، عضو مجلس الأمناء، تجميد عضويته إلى أجلٍ غير مسمّى، وذلك على خلفية رفض مطالب له، خلال الاجتماع، أبرزها تشكيل إدارة تنفيذية جديدة للمستشفى.
وحَصر حسين، في تصريحات خاصة لـ"الشرق"، توصياته التي رُفضت خلال الاجتماع، في 3 نقاط، وهي: "إدارة تنفيذية جديدة للمستشفى تُقدم رسالة طمأنة للداخل والخارج، وإعادة افتتاح فرع طنطا التابع للمستشفى، وتجديد مجلس الأمناء".
وأضاف أن "تغيير الإدارة التنفيذية لا يعني أنها محل اتهام، وإنما التغيير سُنَّة الحياة"، وأشار إلى أن "تجميده عضويته جاء نتيجة لرفض مطالبه". وتابع: "رأيت أن التواجد بمجلس الأمناء غير مُجدٍ، وذلك لحين فصل وزارة التضامن في الأمر قريباً، بوصفها المشرفة على منظمات العمل الأهلي، ومنها مستشفى 57357".
ونفى حسين أن "يكون قد حقق في أي اتهامات وشكاوى من المتداولة وتثبّت منها"، موضحاً: "بصفتي عضواً في مجلس الأمناء وصلني سيل من المزاعم وشكاوى الفساد منذ الإعلان عن انضمامي، قد تكون وقائع حقيقية أو مغلوطة، لكنني لم أطرحها في المجلس للنقاش بعد رفض التوصيات".
رقابة حكومية
ورفض مصدران في وزارة التضامن الاجتماعي، طلبا عدم الكشف عن هويتيهما، الإفصاح عن حجم التبرعات التي تصل إلى مستشفى علاج سرطان الأطفال.
وامتنعا في حديثهما لـ"الشرق" عن تأكيد أو نفي إطلاع الوزارة أو استلامها ميزانية المستشفى عامي 2020 و2021، واكتفيا بتأكيد معرفة الوزارة بقيمة التبرعات فقط.
وكانت وزيرة التضامن الاجتماعي نيفين القباج، أعلنت توقيع بروتوكول لدعم مستشفى "57357" بمبلغ 75 مليون جنيه من بنك ناصر الاجتماعي، إلى جانب موارد من الحماية الاجتماعية بالوزارة، وذلك بعد إجرائها جولة تفقدية في المستشفى عقب حالة اللّغط الأخيرة.
جدل برلماني
ودخل البرلمان المصري على خط الأزمة، إذ تقدم 4 نواب بطلبات "إحاطة وسؤال" لوزيرة التضامن الاجتماعي، للتحقق مما يُثار بشأن ميزانية المستشفى وأوجه صرف التبرعات.
وقال النائب سليمان وهدان، رئيس الكتلة البرلمانية لحزب "الوفد"، لـ"الشرق" إنه تقدم بطلب إحاطة عقب الاستماع لمداخلة تلفزيونية أجراها عضو بمجلس إدارة المستشفى، معتبراً أن الأخير تحدث عن "وقائع مخالفات عدّة داخل المستشفى، تحت مُسميات متباينة".
وأضاف أنه "يتوقع رداً من وزارة التضامن بشأن الجدل المُثار حول بند الأجور والمرتبات"، وتوضيح أوجه الصرف في الأكاديمية (العلمية) التابعة للمستشفى التي وصفها بـ"الغريبة" على حد تعبيره، إضافة إلى وضع فرع مدينة طنطا (الذي تم إغلاقه) من المستشفى، وحجم المبالغ المهدرة فيه.
وكانت إدارة مستشفى سرطان الأطفال، أعلنت في بيان نقل إدارة وتشغيل "مستشفى 57357 - فرع طنطا" إلى جامعة طنطا الحكومية.
من جانبه، قدم النائب عبد المنعم إمام، أمين سر لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، سؤالاً إلى الحكومة بشأن المستشفى، إذ إن تصريحات الرئيس التنفيذي لمؤسسة "57357"، تسببت في "إثارة حالة من البلبلة والشكوك بشأن المستشفى الخيري، وألقت الضوء على مشكلات محتملة داخل الكيان".
وأضاف إمام لـ"الشرق": "تصريح إدارة المستشفى بأن (الله سبحانه وتعالى هو من يراقبنا) يوحي بغياب المحاسبة القانونية من قبل وزارة التضامن الاجتماعي"، مشدداً على أن "قانوني الجمعيات الأهلية، الحالي والسابق كليهما، يلزمان المؤسسات المشابهة بتقديم تقرير مالي سنوي مفصل، فضلاً عن محضر جلسة كل اجتماع يعقده مجلس الأمناء، ورفعه للوزارة".
اقرأ أيضاً: