أكد وزير التعدين الهولندي هانس فيلبريف، أن بلاده تريد إغلاق حقل جرونينجن الذي يضم أكبر احتياطي غاز طبيعي في أوروبا، بسبب مخاطر الزلازل.
جاءت تصريحات جرونينجن في مقابلة مع "فاينانشيال تايمز" نُشرت، الأحد، وفي وقت تواجه أوروبا أزمة غاز، إثر تراجع إمدادات الغاز الروسي إلى مستويات قياسية بسبب الحرب في أوكرانيا وأعمال تخريب مشتبه بها أضرت بخط أنابيب رئيس.
وقال فيلبريف إن حكومته تعتزم إغلاق الحقل الواقع شمالي هولندا على الحدود مع ألمانيا في الأول من أكتوبر المقبل. وألمح في الوقت ذاته إلى إمكان تأجيل الإغلاق حتى أكتوبر 2024 في حال استمرار أزمة نقص إمدادات بأوروبا إلى ما بعد فصل الشتاء.
في الوقت ذاته، استبعد فيلبريف زيادة حجم الإنتاج في الحقل والذي يبقى في مستويات ضئيلة، قائلاً: "لن ننتج المزيد لأسباب تتعلق بالسلامة".
وأضاف: "من الناحية السياسية هذا أمر غير قابل للتحقق. لكن بغض النظر عن ذلك، فإننا لن نفعل ذلك، لأن رفع الإنتاج يعني زيادة مخاطر حدوث زلازل، وهذا أمر لا أريد أن أكون مسؤولاً عنه".
وترفض هولندا دعوات لضخ مزيد من الغاز من الحقل المذكور، على الرغم من أن أوروبا تواجه أزمة طاقة في الشتاء. ويعود الموقف الهولندي إلى كون الحفر أدى إلى وقوع زلازل مراراً، وبناء عليه، يرفض المسؤولون الهولنديون المخاطرة باستثارة رد فعل عنيف من السكان إذا أخلّوا بوعودهم بوقف الانتاج.
الاستغناء عن روسيا
وتعرضت هولندا لضعوط أوروبية متزايدة في الصيف الماضي، لزيادة حجم الإنتاج من الحقل، بعدما قيدت روسيا إمداداتها من الغاز إلى أوروبا، رداً على العقوبات الغربية.
وبدلاً من الانسياق وراء الضغوط الأوروبية، قررت الحكومة الهولندية تأجيل خطط إغلاق جرونينجن، وخفضت إنتاجها السنوي من الحقل إلى 2.8 مليار متر مكعب، وهو الحد الأدنى المطلوب للحفاظ على عمل المضخات.
وكان حقل جرونينجن الركيزة الأساسية لإمدادات الغاز لأوروبا منذ عام 196، علماً أنه لا يزال يحتوي على احتياطي يبلغ نحو 450 مليار متر مكعب من الغاز القابل للاستخراج، تبلغ قيمته نحو تريليون دولار.
ويمكن استخراج نحو 50 مليار متر مكعب سنوياً إضافية عما يتدفق حالياً، وفقاً لشركة "شل" (Shell)، أحد شريكي التشغيل الرئيسيين في الحقل.
وبحسب "بلومبرغ"، فإن حقل جرونينجن يتوفر على احتياطي غاز غير مستغل قادر على أن يكون بديلاً لغالبية الوقود الألماني المستورد من روسيا.
وتقلصت واردات ألمانيا من موسكو بشدة بشكل كبير بسبب الانفجارات الأخيرة بخط أنابيب "نورد ستريم".
وتقدر "شل" أن الإمدادات الإضافية التي يمكن تشغيلها فوراً أكثر من كافية لتكون بديلاً عن 46 مليار متر مكعب استوردتها ألمانيا من روسيا العام الماضي.
غير أن وزير التعدين الهولندي يدافع عن قرار الإبقاء على حجم ضخ الغاز بالحقل في أدنى مستوياته، قائلاً إن "إنتاج أكثر من 5 مليارات متر مكعب سنوياً من شأنه أن يفاقم مخاطر النشاط الزلزالي في المنطقة".
وأدى التنقيب عن الغاز على مدى عقود إلى عشرات من الهزات الصغيرة كل عام في جرونينجن ما ألحق أضراراً بآلاف المنازل وأثار غضباً بين السكان ودفع السلطات إلى فرض قيود على هذه الأنشطة.
وقال فيلبريف إن "الأمر بسيط للغاية: كل من له معرفة بنشاط الزلازل يخبرني أن الاستمرار في إنتاج الغاز هناك ينطوي على مخاطر كبيرة. أنا مقتنع بأن الحكمة تستدعي إغلاق الحقل".
ضغوط في البرلمان
في غضون ذلك، تواجه الحكومة الهولندية الحالية تحقيقاً برلمانياً بشأن تورط حكومات سابقة في إخفاء حقيقة أن إنتاج الغاز بحقل جرونينجن كان يتسبب في الزلازل التي شهدتها المنطقة.
ومن المرتقب أن تُعرض نتائج التحقيق البرلماني الشهر المقبل، بحسب فيلبريف الذي أشار إلى أن نتائج التحقيق قد تكون "كارثية".
وقال إن "كل جلسات الاستماع أظهرت بوضوح جلي أنه تم تجاهل كل شروط السلامة عند التنقيب في جرونينجن لسنوات عديدة".
وأضاف: "هناك بالفعل أغلبية كبيرة في البرلمان تطلب مني إغلاق الحقل في أقرب وقت ممكن. وهذا التقرير (نتائج التحقيق) سيعزز تلك الأغلبية".
زلازل وتعويضات
وسجّلت منطقة جرونينجن التي يقع بها الحقل أول الهزات الصغيرة في عام 1986، ومنذئذ شهدت مئات الهزات الأخرى، ورغم أن معظمها لا يمكن اكتشافه إلا باستخدام الأجهزة، لكن زلزالاً بقوة 3.6 درجة ضرب المقاطعة في عام 2012، مطلقاً آلاف الشكاوى من أضرار في المباني.
وفرضت الحكومة الهولندية منذ عام 2014 قيوداً أشد على إنتاج الحقل الذي انخفض من 54 مليار متر مكعب في 2013 إلى 4.5 مليار متر مكعب يُتوقع إنتاجها هذا العام.
وأبلغ 127 ألف منزل على الأقل من بين نحو 327 ألف منزل بالمنطقة عن بعض الأضرار، وفقاً لـ"معهد جروننجن لأضرار التعدين".
وهُدم أكثر من 3 آلاف و300 مبنى بالمنطقة منذ عام 2012، لأن الزلازل جعلتها غير آمنة، حسب ما نقلت شبكة "إن أو إس" (NOS) الهولندية.
ورصدت الحكومة الهولندية 8.8 مليار يورو لدفع مطالب التعويضات حتى 2028، بحسب "فاينانشيال تايمز".
واعتذر رئيس الوزراء مارك روته علناً أمام البرلمان في عام 2019، لكن الحكومة الهولندية ما تزال تتعرض لاتهامات لعدم استجابتها للشكاوى ورغبتها في جني الإيرادات.
وبلغت أرباح الحقل الإجمالية المُعدّلة حسب التضخم 428 مليار يورو (422 مليار دولار)، حصلت الدولة الهولندية منها على 363.7 مليار يورو على مدى 60 عاماً مضت، وفقاً لصحيفة "هيت فاينانسيلي داخبلاد" (Het Financieele Dagblad).
اقرأ أيضاً: