من ينقذ الصومال؟.. رحلة "الشرق" لمخيّمات "الجوع والخوف والمرض"

time reading iconدقائق القراءة - 7
صورة خارجية لأحد المخيمات في الصومال. 12 أبريل 2023 - الشرق
صورة خارجية لأحد المخيمات في الصومال. 12 أبريل 2023 - الشرق
مقديشو- أحمد حرز الله

رافقت "الشرق"، أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، خلال زيارته الأخيرة إلى الصومال الثلاثاء الماضي، في رحلة رصدت خلالها مأساة الأوضاع الأمنية والإنسانية في البلاد التي أنهكتها عقود من الحرب والأزمات الداخلية.

ومنذ العام 2007، تقاتل حركة "الشباب" المتطرفة، الحكومة الفيدرالية المدعومة من المجتمع الدولي، وتنفّذ هجمات داخل البلاد، ودول مجاورة.

ولطالما ارتكز النظام السياسي في الصومال على دعامة أساسية، هي اتفاق العشائر على تقاسم السلطة، والمناصب الأساسية في البلاد، لكنّ هذا الأمر أدّى في السنوات الماضية لخصومات عشائرية أغرقت البلاد في مشاحنات ونزاعات سياسية استغلّتها الحركة المرتبطة بتنظيم "القاعدة".

مقديشو.. "هدوء حذر"

عند وصول "الشرق" إلى العاصمة مقديشو، كان الهدوء يخيم على المكان، حيث أخبرنا سائق سيارة الأجرة المخصصة لنقل الطاقم إلى الفندق، بأنَّ "مقديشو تعيش هدوءاً مريباً في أيام شهر رمضان".

وعندما سأله أحد أفراد الطاقم: "لماذا تصف هذا الهدوء بالمريب؟"، قال: "بعد الهدوء، غالباً ما تأتي كوراث حركة الشباب الإرهابية.. لقد اعتدنا ذلك"، مضيفاً: "أنهم في كل مكان، وربما بيننا دون أن نشعر".

كان الشارع مملوءً بترسانة كبيرة من قوات الأمن متعددة الجنسيات إلى جانب الفندق، الذي يقيم فيه الأمين العام للأمم المتحدة، الذي جاء للاطلاع على وضعية مخيمات النازحين الصومال، وما تعانيه من نقص كبير في المساعدات الإنسانية.

وقبيل زيارة جوتيريش، ألقت الأمم المتحدة باللّوم على المجتمع الدولي، معتبرةً أنه تأخر كثيراً في مساعدة الشعب الصومالي الذي يعاني الفقر والجفاف والإرهاب، مبينة أنها بحاجة إلى أكثر من مليارين و600 مليون دولار، لسد احتياجات الصوماليين.

خطر "المنطقة الخضراء"

في صباح اليوم الأول من زيارة الأمين العام، تلقى "الطاقم" دعوة من المسؤولين الأمنيين التابعين للأمم المتحدة، لحضور جلسة تعريفية بشأن طرق توخي الحذر من أي هجوم إرهابي محتمل أو كمين لحركة "الشباب" المتشددة.

وبعد تزويد الطاقم بالدروع الواقية من الرصاص، اتجهوا بسيارات مصفحة إلى مقر الرئاسة، حيث سيعقد جوتيريش، والرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، مؤتمراً صحافياً مشتركاً يتناول آخر تطورات المشهد الصومالي.

وبعد مسافة 500 متر فقط من "المنطقة الخضراء "داخل شارع وسط العاصمة، أشار المرافق الصومالي وهو موظف في مكتب الأمم المتحدة، إلى بعض الأزقة الضيقة المتفرعة، قائلاً  إنَّ "هذه النقطة هي أخطر مكان على الإطلاق في البلاد".

وشرح أن هذه المنطقة كثيراً ما تترصَّد من خلالها حركة "الشباب"، قوى الأمن بكمائن أو قنابل يدوية تُرمي باتجاه مدرَّعات الشرطة، وغالباً ما تشهد المنطقة نفسها، اشتباكات عنيفة بين الإرهابيين وعناصر الأمن.

وأعلن حسن شيخ محمود، بعيد توليه السلطة في مايو العام الماضي، "حرباً شاملة" ضدّ حركة "الشباب" بإسناد جوي من القوات الأميركية وبمؤازرة قوة الاتحاد الإفريقي، داعياً الصوماليين للمشاركة في القضاء على عناصر الحركة المتطرفة.

ومن المتوقع أن يبدأ الجيش وحلفاؤه في الأسابيع المقبلة، مرحلة ثانية من العملية المدعومة من البعثة الانتقالية للاتحاد الإفريقي في الصومال، بحسب وكالة "رويترز".

الإرهاب والمجاعة والديون.. أبرز التحديات

وفي تصريح خاص لـ"الشرق" قال الرئيس الصومالي إنَّ "بلاده تواجه تحديات كبيرة ومن أولى أولوياتها دحر حركة الشباب الإرهابية تماماً من المشهد الصومالي، فضلاً عن مسألة المجاعة التي باتت قاب قوسين أو أدنى من الشعب الصومالي".

وفي ديسمبر الماضي، ذكر التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، الذي يضع المعايير العالمية لتحديد مدى خطورة أزمة الغذاء، أن الصومال تجنب المجاعة مؤقتاً لكنه حذّر من أن الوضع يزداد سوءاً.

وأضاف أنَّ "البلاد تؤرقها أيضاً مشكلة المديونية التي تشكل عائقاً كبيراً أمام التنمية، والمضي قدماً نحو حلحلة الأوضاع المعيشية الكارثية".

وأشار حسن شيخ محمود إلى أنَّ "لديه علاقات تعاون وثيقة مع الهيئة الأممية، ودول الخليج، مثل السعودية، والكويت، والإمارات، وقطر، التي تبذل ما بوسعها ولا تدخر جهداً لمساعدة بلاده وانتشالها مما هو أسوأ".

وبعد انتهاء المؤتمر الصحافي، وصل طاقم "الشرق" إلى القاعدة الجوية التابعة للأمم المتحدة، وسط إجراءات أمنية مشددة بشكل مضاعف، ليتحرك إلى مخيم "بولاعير".

وتأوي المخيمات آلاف النازحين من مناطق الصراع في الصومال، بينهم أطفال، ونساء، وشيوخ، يعيشون في خيام بالية، وسط درجات حرارة عالية ورطوبة منقطعة النظير.

وفاقم الجفاف الحالة المتدنية للنازحين، وسط توقعات من الأمم المتحدة بوفاة 135 شخصاً يومياً، بسبب الجفاف والأمراض المنتشرة.

وسبق أن شهدت الصومال مجاعة عام 2011 أودت بـ260 ألف شخص أكثر من نصفهم أطفال دون السادسة من العمر، وفقاً لـ"رويترز".

"معاناة في رمضان"

وعلى الرغم من أن طاقم "الشرق" لم يتمكن من التواصل مع غالبية النازحين، حيث أنهم لا يجيدون اللغة العربية (لغتهم الأم الصومالية - أكثر من لهجة)، إلّا أن ما لفت الانتباه أن "الابتسامة والترحيب لا تفارق وجوههم".

وبلهجة عربية ممزوجة بالإنجليزية قال أحد سكان المخيمات لـ"الشرق" إنَّ "رمضان هذا العام جاء قاسياً جداً على المخيمات، حيث اختفت الكثير من المهن اليومية بسبب ظروف الصيام"، مشيراً إلى أنَّ "ذلك فاقم معاناة مئات العائلات التي كانت تقتات من تلك المهن، على بساطتها وقلة مداخيلها".

دار حديث مع سيدة داخل محل بـ"الصفيح" لبيع مواد غذائية بسيطة. والذي بدا خالياً من البضاعة، ومع ذلك فقد كان المحل الوحيد في ذلك المخيم الذي يضم آلاف الخيم والنازحين.

وقالت: "عندي فقط بندورة"، ثم راحت تشكو من الغلاء الفاحش، والفقر، وقلة المساعدات، والأمراض، والموت، وانعدام الأمن. وختمت كلامها: "نحن صائمون والحمد لله".

وكانت الأمم المتحدة أطلقت، أخيراً، نداء لجمع 2,6 مليار دولار لتقديم مساعدة إنسانية لسكان هذا البلد الواقع في القرن الإفريقي، لكن الهيئة الأممية لم تجمع حتى الآن سوى 15% فقط"، من الأموال الضرورية، فمن ينقذ الصومال مما تعانيه؟

اقرأ أيضاً:

تصنيفات