المتعة والمكافأة والموافقة الاجتماعية.. أسباب تشجع الشباب على التنمر

time reading iconدقائق القراءة - 7
محاضرة عن أمن الإنترنت والتنمر عبر الإنترنت تنظمها الشرطة لطلاب المرحلة الإعدادية في مدينة ستامفورد بولاية تكساس الأميركية. 24 أكتوبر 2022 - AFP
محاضرة عن أمن الإنترنت والتنمر عبر الإنترنت تنظمها الشرطة لطلاب المرحلة الإعدادية في مدينة ستامفورد بولاية تكساس الأميركية. 24 أكتوبر 2022 - AFP
القاهرة -محمد منصور

تتصاعد السلوكيات المعادية للأفراد والمجتمع عبر الإنترنت بشكل مثير للقلق، إذ ينخرط البعض، ولا سيما الشباب وصغار السن، في أفعال أو سلوكيات تنتهك الأعراف الاجتماعية أو تُعطل الانسجام المجتمعي أو تضر بالآخرين.

من بين تلك السلوكيات التنمر، والتصيد، والسلوكيات الاستفزازية، وغيرها من الأمور التي تزعج الآخرين وتوّلد ردود فعل سلبية قد يكون لها صدى خطير، فلماذا يتنمر الشباب وينخرطون في سلوكيات معادية للمجتمع؟

أفادت دراسة حديثة نشرت في دورية PLOS ONE بأن الشباب ينخرطون في السلوكيات المعادية للمجتمع عبر الإنترنت من أجل المتعة والحصول على "الموافقة الاجتماعية".

واشتدت وتيرة وعنف السلوكيات المعادية للمجتمع، مثل التحرش والتنمر، منذ بداية جائحة فيروس كورونا عام 2020، عندما انتقل الكثير من الناس إلى مواقع التواصل الاجتماعي.

ويمكن أن يتسبب السلوك المعادي للمجتمع عبر الإنترنت في العديد من النتائج السلبية، مثل تقليل رضا الفرد عن التقنيات والاتصال بالإنترنت بشكل عام، وإصابة الضحايا بضغوط نفسية وعاطفية.

وبالتالي، فإن أولئك الذين يتعرضون للسلوك المعادي للمجتمع عبر الإنترنت (مثل الأشخاص الذين يتعرضون للمضايقات عبر الإنترنت) ربما يتبنون استراتيجيات مواجهة يمكن أن تزيد من عزلتهم.

ويشمل السلوك المعادي للمجتمع، مجموعة من الأفعال الضارة، بما في ذلك التصيد (الاستفزاز المتعمد للآخرين من خلال التعليقات التحريضية عبر الإنترنت)، والتنمر (السلوك العدواني تجاه فرد أو مجموعة)، والتحرش (سلوك عدواني أو مسيء موجه للآخرين) له تأثير سلبي أو يسبب ضرراً أو ضيقاً للأفراد أو المجتمعات.

وبينما ركزت العديد من الدراسات المتعلقة للسلوك المعادي للمجتمع على الأطفال والمراهقين، هناك أبحاث محدودة تركز على الشباب على الرغم من كونهم أكثر عرضة من أي فئة عمرية أخرى للإبلاغ عن تعرضهم للمضايقات عبر الإنترنت.

وفي حين أن مواقع التواصل الاجتماعي، يمكن أن توفر اتصالات اجتماعية إيجابية للكثيرين، إلا أنها يمكن أن تكون أيضاً مساحة يواجه فيها المستخدمون سلوكاً معادياً للمجتمع.

وحددت دراسة سابقة أن 41% من الأميركيين تعرضوا شخصياً لشكل من أشكال المضايقات أو الإساءة عبر الإنترنت، وتوقع الأشخاص الذين عانوا من السلوك المعادي للمجتمع عبر الإنترنت أنه من المحتمل استهدافهم بسبب آرائهم السياسية، وجنسهم، وعرقهم، ودينهم، وميولهم الجنسية.

أسباب السلوك المعادي

سعى الباحثون في الدراسة إلى التعرف على العوامل المرتبطة بارتكاب السلوك المعادي للمجتمع، وأجروا استطلاعاً بين 557 طالباً في جامعة تورنتو متروبوليتان الكندية، في الفترة بين 9 مارس و18 أبريل 2022، وقدم الطلاب معلومات عن مشاركتهم في العدوان السيبراني أو الإيذاء عبر الإنترنت، إضافة إلى السمات الشخصية، بما في ذلك إزعاجهم واحترامهم لذاتهم، وتعاطفهم، والدوافع المحتملة للعدوان السيبراني.

وأفادت النتائج بوجود 3 عوامل مرتبطة بارتكاب السلوك المعادي للمجتمع عبر الإنترنت، هي الترفيه، والمكافأة، والموافقة الاجتماعية.

وتُظهر الموافقة الاجتماعية، الاعتراف الإيجابي أو القبول أو المصادقة التي يتم تلقيها من الآخرين في سياق اجتماعي. وهو تأكيد أو تأييد لأفعال الفرد أو معتقداته أو سلوكه من قبل الآخرين في مجموعة اجتماعية أو مجتمع معين.

وتُعد الموافقة الاجتماعية شكلاً من أشكال التعزيز الاجتماعي، ما يشير إلى أن تصرفات الفرد أو خياراته تتوافق مع المعايير أو القيم أو التوقعات المقبولة للمجموعة.

ولأن البشر كائنات اجتماعية تسعى غالباً إلى القبول والتحقق من صحة الآخرين، يُمكن أن توفر الموافقة الاجتماعية إحساساً بالانتماء وتقدير الذات والتحقق من هوية الفرد، كما يُمكن التعبير عنها من خلال وسائل مختلفة.

وبحسب الدراسة، فإن الشباب الذين ينخرطون في مثل هذا السلوك المعادي للمجتمع عبر الإنترنت يتم تحفيزهم من خلال الرغبة في الموافقة الاجتماعية، وهذا يعني أنهم قد يتصرفون بشكل غير لائق أو سلبي عبر الإنترنت كوسيلة لجذب الانتباه أو الاعتراف أو القبول من أقرانهم، وقد يعتقدون أن الانخراط في هذه السلوكيات سيجعلهم أكثر شهرة واحتراماً وتأثيراً في مجتمعاتهم عبر الإنترنت.

ومن المهم ملاحظة أن هذه النتيجة تستند إلى دراسة محددة وقد لا تكون ممثلة لجميع الشباب. قد يكون للأفراد المختلفين أسباب مختلفة للانخراط في السلوك المعادي للمجتمع عبر الإنترنت، ويمكن أن تختلف الدوافع تبعاً للظروف الشخصية، والديناميكيات الاجتماعية، والعوامل النفسية الفردية.

"تعاطف معرفي أقل"

الدراسة توصلت إلى أن هؤلاء الشباب يحصلون على درجات تعاطف معرفي أقل، والتعاطف المعرفي هو أحد مكونات التعاطف جنباً إلى جنب مع التعاطف العاطفي (مشاركة مشاعر الآخرين)، والتعاطف الحنون (الاهتمام بالآخرين والرغبة في المساعدة)، ويسمح للأفراد بفهم تجارب الآخرين وأفكارهم وعواطفهم وفهمها، حتى لو لم يشاركوا هذه المشاعر شخصياً.

ومن المهم ملاحظة أن التعاطف سمة متعددة الأوجه تختلف بين الأفراد، ويمكن أن تتأثر بعوامل مختلفة، بما في ذلك التنشئة الاجتماعية وسمات الشخصية والاختلافات العصبية، في حين أن بعض الأفراد قد يظهرون بشكل طبيعي تعاطفاً معرفياً أقل، فمن الممكن أيضاً تطوير وتحسين التعاطف المعرفي من خلال التعليم والممارسة وزيادة الوعي الذاتي.

حذف التعليقات وحظر المتنمرين

وأوصت الدراسة بتدخل مواقع التواصل الاجتماعي لحذف التعليقات العنصرية وحظر المتنمرين بمثابة استراتيجية للحد من السلوك المعادي للمجتمع على وسائل التواصل الاجتماعي.

كما أوصت بعرض إرشادات المجتمع الأساسية للمستخدمين عبر مواقع التواصل ووسائل الإعلام  لتشجيع الأفراد على المشاركة في مناقشات صحية، ما يقلل من عدد المحتوى الضار والمسيء الذي أبلغ عنه الآخرون.

وطالبت الدراسة، المنصات المختلفة بالسعى إلى تضمين المزيد من الوسائل التي تُسلط الضوء على قواعد المجتمع والمعايير التي وضعتها منصة معينة أو مجتمع عبر الإنترنت، ليتعلم المستخدمون الجدد ما هو السلوك المقبول وغير المقبول في مجتمع معين منذ البداية.

وأشارت الدراسة إلى أن هذه الفكرة ليست جديدة، إذ تبنّت مجتمعات مختلفة على موقع "ريديت" هذا النهج بالفعل، موضحة أن معظم منصات الوسائط الاجتماعية الأكبر حجماً تميل إلى تطوير إرشادات طويلة ومليئة بالمصطلحات لمعايير المجتمع، والتي يتم دفنها بعد ذلك في منشورات صغيرة الخط ولا يراها المستخدمون أو يقرؤونها.

ومن المهم ملاحظة أن هذه النتيجة تستند إلى دراسة محددة، وقد لا تكون ممثلة لجميع الشباب. وربما تكون هناك أسباب مختلفة للانخراط في السلوك المعادي للمجتمع عبر الإنترنت، ويمكن أن تختلف الدوافع تبعاً للظروف الشخصية والديناميكيات الاجتماعية والعوامل النفسية الفردية.

اقرأ أيضاً: