تحولت مدينة بورتسودان الواقعة شرق السودان إلى "عاصمة مصغرة" و"مركز إداري واقتصادي جديد" للخدمات والعمليات المؤقتة في البلاد الغارقة في الحرب منذ 15 أبريل، وسط مخاوف من تفاقم النزاع بين الجيش وقوات الدعم السريع واستمرار عرقلة الجهود الرامية إلى توصيل المساعدات الإنسانية الحيوية.
وباتت مدينة بورتسودان بسبب الحرب وجهة للسودانيين والمقيمين الذين يسعون بعد مرور ما يقرب من 8 أسابيع على اندلاع النزاع، إلى الفرار على متن طائرات وسفن حاملين أغراض محدودة وتاركين وراءهم منازل وأقرباء وأحلام قضت عليها المعارك.
وأصبح ميناء بورتسودان المطل على ساحل البحر الأحمر، والذي يسيطر عليه الجيش شرق البلاد مركزاً لتسليم المساعدات الإنسانية، ومركزاً للمسؤولين الحكوميين والدبلوماسيين الذين فروا من العاصمة الخرطوم، بحسب "رويترز".
ومدينة بورتسودان التي تبعد عن العاصمة الخرطوم قرابة 850 كيلو متراً، هي عاصمة ولاية البحر الأحمر ومركزها التجاري والحكومي والإداري الأمر الذي جعلها محط الأنظار.
مقر للوزراء
وتعتبر مدينة بورتسودان إحدى أكبر مدن السودان وأكثرها أهمية اقتصادية إذ أن لديها أحد الموانئ الرئيسية في البلاد منذ إنشائه في بداية القرن الماضي، إضافة إلى مطار دولي يصنف كثاني أكبر مطارات السودان.
وحفّز موقعها المطل على ساحل البحر الأحمر إضافة إلى وضعها الأمني المستقر، عدداً من الجهات الحكومية إلى نقل عدد من دواوينها المهمة إلى المدينة التي تحولت إلى "عاصمة مصغرة" للسودان.
وصل إلى بورتسودان وزير التنمية الاجتماعية ورئيس اللجنة العليا لمعالجة الأوضاع الإنسانية والتي تضم مختلف الجهات الحكومية ذات الاختصاص، للمساهمة في تسهيل استلام وتوزيع المساعدات الإنسانية الدولية التي تصل السودان جراء الحرب المستمرة بين الجيش والدعم السريع.
كما يعمل وزراء الصحة والمعادن والمالية إلى جانب ممثلين من وزارات أخرى كالخارجية والتجارة والصناعة، إضافة إلى بنك السودان، والغرفة التجارية القومية في أداء واجباتهم من المدينة.
وقال وزير التنمية الاجتماعية أحمد أدم بخيت لـ"الشرق": "جئنا بتوجيه من القيادة في الخرطوم كلجنة عليا لمعالجة الأوضاع الإنسانية ولحقت بنا لجنة أخرى وهي لجنة انسياب السلع والخدمات".
وأضاف بخيت أن بورتسودان "ليست مقراً للحكومة لكنها مقر للجان حيث يتواجد حالياً 3 وزراء في برج الضمان الاجتماعي الذي تملكه الحكومة السودانية"، لافتاً إلى وصول "المئات من التجار ورجال الأعمال وممثلي كبرى الشركات إلى المدينة التي سيعمل القطاع الخاص المتضرر من الحرب على الاستفادة منها ومن موقعها الجغرافي ووضعها الأمني".
مدينة اقتصادية
واعتبر رئيس الغرفة التجارية بولاية البحر الأحمر علي هاشم محمد سعد، في تصريحات لـ"الشرق" أن بورتسودان أصبحت "عاصمة مصغرة ومدينة اقتصادية" للسودان، مشيراً إلى "توافد التجار ورجال الأعمال إذ قدمنا لهم كل التسهيلات الضرورية من استخراج شهادات المنشأ إلى فتح منافذ لتسيير أعمالهم".
المدير التنفيذي لغرفة المصدرين السودانيين محمد الحسن عبد القادر، قال لـ"الشرق" إنه "تم تهيئة المكان وتم توفير البيئة المطلوبة لكي تؤدي الغرفة التجارية السودانية دورها في إصدار وتوثيق شهادات المنشأ السودانية، وهذا الأمر ساعد كثيراً في تسهيل حركة الصادرات التي توقفت لمدة شهر منذ بداية الأزمة في منتصف أبريل".
ولم تكن بورتسودان منصة لإعادة انطلاق الأعمال التجارية ومزاولة النشاط الحكومي فقط، بل وصل إليها فريق من تلفزيون السودان الرسمي بهدف بث برامجه الرسمية، بعد سيطرة قوات الدعم السريع على مباني هيئة الإذاعة والتلفزيون في العاصمة.
وانتعشت المحال التجارية في المدينة بسبب ارتفاع حركة البيع، كما واصل القطاع العقاري انتعاشه وازدهاره، حيث تضاعفت الأسعار بصورة كبيرة الأمر الذي لا يروق لمن حط رحال في المدينة أخيراً.
أبرز المعوقات
ويرى مختصون أن الأزمة الحالية أظهرت عدداً من الإيجابيات بشأن مقدرة بقية المدن السودانية غير العاصمة على استضافة قطاعات إنتاجية واقتصادية واجتماعية كبيرة.
لكن في المقابل كشفت الأزمة عن ضعف البنى التحتية في أقاليم السودان المختلفة، في حين ركزت الحكومات المتعاقبة على تنمية وتطوير العاصمة الخرطوم على حساب باقي الأقاليم.
وعلى الرغم من هذا الانتعاش الاقتصادي الذي تشهده بورتسودان منذ بداية النزاع، إلّا أن المشهد لم يخل من بعض الصعوبات والمعوقات مثل استمرار انقطاع الكهرباء، ونقص المياه والتي لازمت لسنوات سكان مدينة بورتسودان التي تعتمد على مصادر مياه محدودة.
ويشكو سكان المدينة من الأزمة المستفحلة في مياه الشرب التي تتكرر سنوياً وسط مطالبات بتوفير محطات تحلية بطاقات إنتاجية كبيرة لسد العجز.
ويزود سد أربعات الموسمي المدينة بالمياه العذبة لكن بكميات غير كافية، فيما تسبب وصول ألاف السودانيين والأجانب إلى المدينة في ارتفاع مستوى الفجوة المائية.
ويبلغ عجز المياه في بورتسودان في الأوضاع العادية بين 40% و 50% من الاحتياج العادي، وتعمل محطات التحلية الصغيرة في الأحياء على سد جزء منها.
أما بالنسبة للكهرباء، فتعتمد المدينة على البارجة التركية، والتي تمد المدينة بحاجتها من الكهرباء بما يعادل 3 ملايين دولار شهرياً.
نقص الخدمات
وتعجز الحكومة في بعض الأوقات عن سداد التكلفة، ما يتسبب في انقطاع التيار والانتقال إلى الشبكة القومية والتي تعاني عجزاً في تغطيتها يتجاوز 40%.
عبد المنعم عبد القيوم أحد سكان مدينة بورتسودان، قال لـ"الشرق": "تنقصنا الكهرباء ولدينا مشكلات في المياه مع ارتفاع مستوى النزوح الذي تشهده الولاية ولذلك نحتاج إلى حلول عاجلة".
وقال عثمان إبراهيم أحد سكان المدينة أيضاً، لـ"الشرق" إن "بورتسودان ينقصها من أجل أن تصبح عاصمة للبلاد خدمات أساسية وشبكة للإنترنت"، مطالباً كذلك بـ"توسيع المطار".
وقال الناشط في مجال العمل التطوعي محمد بدر الدين إن "الأعداد التي وصلت المدينة كانت فوق احتمالها"، متوقعاً "تراجع الدور المجتمعي مع ارتفاع أعداد النازحين إليها ودخول الأزمة شهرها الثاني".