
توجهت أماني جادين برفقة عائلتها إلى مدينة ود مدني بولاية الجزيرة في وسط السودان للاستقرار هناك حتى هدوء الأوضاع في الخرطوم التي تشهد معارك عنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
جمعت أماني التي تسكن في حي الزهور بوسط الخرطوم على بعد 6 كيلومترات من قيادة الجيش، كل ما تملك من مدخرات واتجهت صوب ود مدني، لكنها "صُدمت بالأسعار الخرافية لتكاليف الإيجار"، على حد قولها.
وقالت أماني لوكالة "أنباء العالم العربي" (AWP)، إن تكلفة إيجار الشقة المكونة من 3 غرف يتراوح بين 550 و900 ألف جنيه سوداني في الشهر الواحد، بينما وصل سعر إيجار المنازل الموجودة على أطراف المدينة إلى 300 ألف جنيه "وهذا مبلغ لم نكن نتخيله حتى في الخرطوم".
تروي أماني، وهي أم لـ5 أبناء، أنها اضطرت إلى السكن مع أبنائها في مدرسة خصصت لإيواء الفارين من الحرب في الخرطوم، لعدم تمكنها من الإيفاء بالتزامات الإيجار.
وأضافت: "لا تتوفر الخصوصية في هذا المكان ولا نستطيع أن نأخذ راحتنا لكننا مجبرون على البقاء، لا يمكننا العودة إلى ديارنا".
ومع تدفق النازحين من الخرطوم وولايات إقليم دارفور، تحولت المدارس والمؤسسات إلى دور لإيواء للفارين من جحيم الحرب والذين لا يستطيعون دفع فاتورة الإيجار الباهظة.
وأشار مهاب عز الدين، وهو مشرف على 7 مراكز إيواء في ود مدني، إلى أن كل المراكز تقدم خدماتها للنازحين عن طريق الجهد الشعبي ودعم فاعلي الخير من أبناء ولاية الجزيرة.
وقال عز الدين لوكالة "أنباء العالم العربي"، إن المدينة على الرغم من أنها تقع بعيداً عن الصراع المسلح، فإن المساعدات الإنسانية لم تصل حتى الآن إلى السكان ومراكز الإيواء، عدا حصة قليلة من برنامج الغذاء العالمي.
وأوضح أن مراكز الإيواء التي يشرف عليها تضم مواطنين من إريتريا وإثيوبيا وسوريا والكونغو، جميعهم نزحوا من الخرطوم. وأوضح أنهم يواجهون مضايقات من السلطات الأمنية في الولاية.
وفي محاولة من حكومة ولاية الجزيرة لكبح جماح أسعار الإيجار، أصدر إسماعيل عوض الله العاقب، حاكم الولاية، أمر طوارئ بتحديد أسعار إيجار الشقق والفنادق بما يتراوح من 10 آلاف جنيه إلى 30 ألف جنيه في اليوم الواحد.
وحدد أمر الطوارئ عقوبات تصل إلى حد السجن على كل من يخالف الأسعار المحددة.
تكلفة باهظة
اختار جادين عمر الذي يبلغ من العمر 44 عاماw ويعمل في صيانة السيارات، الذهاب إلى مدينة كوستي بولاية النيل الأبيض مع أسرته، بعد أن تحول الحي الذي يسكن فيه بالعاصمة الخرطوم إلى ثكنة عسكرية وساحة للمعارك شبه اليومية.
وقال عمر الذي كان يسكن في حي العباسية بالقرب من قيادة سلاح المهندسين بأم درمان، لوكالة "أنباء العالم العربي"، إنه استأجر بيتاً من الطوب اللبن في إحدى قرى كوستي مقابل 200 ألف جنيه شهرياً.
وعلى الرغم من التكلفة الباهظة للإيجار، يرى عمر أن فاتورة البقاء بالقرب من الاشتباكات قد تكون أعلى، مشيراً إلى أنه سيبقى في ولاية النيل الأبيض حفاظاً على سلامة أسرته، وينوي البحث عن عمل في مشروع زراعي لتوفير التزاماته الأسرية وسداد الإيجار.
وتختلف أسعار إيجار العقارات من منطقة لأخرى حسب الخدمات المتاحة، بحسب سمسار العقارات في مدينة عطبرة بشمال السودان ياسر أبو العزائم، وتتراوح بين 600 ألف جنيه إلى 1.2 مليون جنيه.
وأرجع أبو العزائم، في حديثه لوكالة "أنباء العالم العربي"، ارتفاع الأسعار إلى الطلب العالي على العقارات وقلة المعروض، قائلاً: "من لا يستطيع دفع الإيجار سيلجأ إلى مراكز الإيواء".
وقالت وكالة الأمم المتحدة للهجرة في وقت سابق هذا الشهر إن عدد النازحين جراء القتال في السودان تجاوز مليوني شخص.
وذكرت الوكالة الأممية أن القتال الدائر في السودان أجبر ما يقرب من 530 ألف شخص على اللجوء إلى دول مجاورة، في حين نزح نحو 1.7 مليون شخص داخل البلاد.
وقالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن الصراع في السودان أطلق موجة جديدة من تدفق النازحين قسراً، ما دفع بالإجمالي العالمي لعدد النازحين في العالم إلى ما يُقدر بنحو 110 ملايين نازح بحلول مايو الماضي.
ولقي زهاء ألف شخص حتفهم وأصيب ما يقرب من 5 آلاف منذ اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل الماضي، بحسب منظمة الصحة العالمية واللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان.
اقرأ أيضاً: