ماضي فرنسا في إفريقيا يصعب مهمة مواجهة التضليل الإعلامي

time reading iconدقائق القراءة - 11
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يحضر مؤتمر الدفاع الجوي والصاروخي الأوروبي في باريس، فرنسا. 19 يونيو 2023 - AFP
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يحضر مؤتمر الدفاع الجوي والصاروخي الأوروبي في باريس، فرنسا. 19 يونيو 2023 - AFP
باريس/داكار- رويترز

بعد أن قتل مسلحون تسعة صينيين في منجم للذهب في جمهورية إفريقيا الوسطى في مارس، انتشر مقطع مصور على الإنترنت يقول إن فرنسا أمرت سراً بالهجوم، وخططت لتشويه سمعة مجموعة "فاجنر" العسكرية الروسية الخاصة.

وفي المقطع المصور، يقول أحد المتمردين في جمهورية إفريقيا الوسطى إن "الفرنسيين يريدون طرد فاجنر من إفريقيا".

وقرع المقطع أجراس الإنذار في وحدة لمراقبة وسائل الإعلام بوزارة الخارجية الفرنسية، أنشئت العام الماضي في إطار استراتيجية دبلوماسية واسعة لإحياء العلاقات في المستعمرات الفرنسية السابقة في إفريقيا، بعد تراجع النفوذ لسنوات.

وقالت وزارة الخارجية إن الوحدة تتبعت المقطع المصور بسرعة، حتى وصلت إلى مجموعة من الحسابات على "فيسبوك" و"تويتر" لها روابط بمعلومات مضللة روسية، بما في ذلك من "فاجنر"، وهي جماعة قريبة من الكرملين لديها قوات في أوكرانيا، وقاتلت لصالح عدة حكومات في إفريقيا.

وذكر دبلوماسيان بوزارة الخارجية الفرنسية، أن المقطع المصور مثال لحملة تأثير روسية متنامية تضخم الانتقادات ضد فرنسا، وتصوّر موسكو حليفاً في وسط وغرب إفريقيا. ونفت الوزارة أي دور فرنسي في الهجوم على المنجم.

وقال مسؤولون إن الدعاية الروسية وجدت أرضية خصبة في إفريقيا، في ظل الشكاوى حيال سجل فرنسا من التدخل العسكري والدبلوماسية الفظة على مدى عقود.

"جهات معادية"

وتحدثت "رويترز" إلى أكثر من عشرة مسؤولين فرنسيين، وصفوا جهود فرنسا الملحة بشكل متزايد لمواجهة نفوذ موسكو، والتي تعتقد باريس أنها تقوض جهوداً دبلوماسية طويلة الأجل تهدف إلى التغلب على الماضي.

ويعمل فريق يضم 20 من الدبلوماسيين والصحافيين السابقين ومحللي البيانات ومراقبي وسائل الإعلام من قاعات بوزارة الخارجية في باريس.

وبالتنسيق مع "جهاز اليقظة والحماية من التدخل الرقمي الأجنبي"، رصدت الوحدة نحو 100 من الحسابات الروسية أو المرتبطة بـ"فاجنر" تعرض محتوى مناهضاً لفرنسا، وفقاً لاثنين من الدبلوماسيين المشاركين في المبادرة طلبا عدم الكشف عن هويتهما للتحدث بحرية.

وقالت وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا أمام البرلمان هذا الشهر، إن المشاعر المعادية لفرنسا في إفريقيا يمكن أن ترجع لأسباب منها "جهات معادية، خاصة من روسيا".

ولروسيا و"فاجنر" سجل حافل من التلاعب بالإعلام والتضليل، وهو ما اعترف به يفجيني بريجوجن مؤسس "فاجنر". وفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على المجموعة المسلحة في فبراير، بسبب اتهامات بانتهاكات لحقوق الإنسان، ونشر معلومات مضللة، بما في ذلك في إفريقيا.

ومع ذلك، لا يمكن إلقاء اللوم على موسكو في كل المشاعر المعادية للفرنسيين في إفريقيا، فقد تسببت الحملات العسكرية الفرنسية في قتل مدنيين. وتعكس انتقادات العديد من الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي مخاوف حقيقية بشأن دور فرنسا الضخم في الشؤون الإفريقية.

وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في كينشاسا مع ختام جولة لأربعة أيام في وسط إفريقيا في مارس، إن بعض الانتقادات "صحيحة"، مشيراً إلى مزاعم باستمرار فرنسا في تبني مواقف استعمارية حتى بعد استقلال الدول في غرب إفريقيا عنها.

وأضاف: "لم نعد هناك لنكون بديلاً عن انقلاب أو عملية سياسية فاشلة".

محتويات مناهضة لباريس

وفي مايو ، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، إن فرنسا كانت تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الإفريقية منذ عقود، وأطاحت بزعماء اعترضت عليهم، وشيدت "نظاماً استعمارياً جديداً من النفوذ". وفي المقابل، قالت المتحدثة إن روسيا لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى.

وتختلف الوحدة الجديدة لمراقبة وسائل الإعلام عن الجهود الفرنسية السابقة والتي تصدت عبر الإنترنت للشبكات المرتبطة بـ"فاجنر" بحسابات وهمية خاصة بها. وكشفت عن تلك الجهود شركة "ميتا" المالكة لـ"فيسبوك" في عام 2020.

وقال الدبلوماسيان إن وحدة وزارة الخارجية لا تختلق أخباراً كاذبة ولا تروج لها.

وظهرت وحدة مراقبة الإعلام في يوليو الماضي، وهو الشهر نفسه الذي سحبت فيه فرنسا آلاف الجنود من مالي، المستعمرة السابقة في غرب إفريقيا. تبع ذلك انسحاب مماثل من بوركينا فاسو المجاورة في بداية هذا العام، وهي خطوات ترجع لأسباب منها الانقلابات العسكرية، ووجود مقاتلي "فاجنر" في المنطقة.

ويعد الانسحاب العسكري فشلاً كبيراً لماكرون، وعزز وجود موسكو في وقت سعى فيه الغرب لفرض قيود على روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا. كما تسبب في انتكاسة للجهود الغربية لمواجهة المسلحين في منطقة الساحل الإفريقي.

ووفقاً للدبلوماسيين وأربعة مصادر أخرى، استمر انتشار المحتوى المناهض لفرنسا على مواقع التواصل الاجتماعي بعد عمليات الانسحاب، عبر بث العديد من المقاطع المصورة والرسوم المتحركة والرسوم الهزلية المؤيدة لروسيا، وغالباً ما ينشر المحتوى قصصاً محرفة أو غير صحيحة.

وتزامن هذا الاتجاه مع طرد الحكومات العسكرية الجديدة في مالي وبوركينا فاسو لشبكات الأخبار الفرنسية، وتوثيق الإعلام المحلي العلاقات مع شبكة "روسيا اليوم" وغيرها من وسائل الإعلام الحكومية الروسية التي طُردت من أوروبا في أعقاب غزو أوكرانيا. وأثارت الحرب مجدداً الخلافات الدبلوماسية بين الغرب وروسيا الموجودة في إفريقيا منذ الحرب الباردة.

كان الفيديو الذي انتشر بعد مقتل المواطنين الصينيين واحداً من نحو 50 مقطعاً انتشرت منذ نوفمبر، مما جعل الوحدة منشغلة بتحديد مصدر هذه المواد والتحقق من صحتها والرد عليها إذا لزم الأمر.

ولتسليط الضوء على حجم المشكلة، قالت فرنسا في 13 يونيو، إنها كشفت عن حملة تضليل ضخمة مرتبطة بروسيا تستهدف وزارة الخارجية ووسائل الإعلام الفرنسية، وإن الحملة يشارك فيها عدد من الحسابات والجهات التي رصدتها عمليات المراقبة الفرنسية في إفريقيا.

ويشارك الفريق الجديد المعلومات مع سفارات ووزارات فرنسية أخرى وأجهزة مخابرات، وكذلك الجهة المنظمة لوسائل الإعلام الفرنسية.

"إذلال فرنسي"

وتنصح الوحدة بعدم الرد مباشرة في الكثير من الحالات، ومنها حالة الفيديو المرتبط بجمهورية إفريقيا الوسطى، خاصة عندما يتضح عدم جذب المحتوى للكثير من الاهتمام.

وقال دبلوماسيان إنه في حالات أخرى، تحدد الوحدة المستخدمين الأكثر تفاعلاً، وتشارك هذه المعلومات مع شركات التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" و"تويتر"، وتقدم لها بلاغات عن المتصيدين والحسابات المزيفة.

وتساعد هذه الجهود أحياناً الدولة الفرنسية على الرد. وعندما انتشر فيديو بعنوان "إذلال فرنسي" في ديسمبر 2022 يظهر فيه رجل تظاهر أنه مبعوث فرنسي يُطرد من جمهورية الكونجو الديمقراطية، أعدت الوحدة رداً تفصيلياً لإثبات أن الرجل ليس دبلوماسياً فرنسياً.

وبعد ذلك بأيام، أصدرت السفارة الفرنسية لدى كينشاسا الرد في سلسلة بيانات لوسائل الإعلام المحلية والأجنبية. وكتبت آن صوفي أفي، التي كانت آنذاك سفيرة للدبلوماسية العامة الفرنسية في إفريقيا، على "تويتر" أن الفيديو "أخبار مزيفة. الرجل الذي ظهر في الفيديو ليس سفيرنا في جمهورية الكونجو الديمقراطية".

وقال مسؤولان فرنسيان إن فيديو جمهورية إفريقيا الوسطى حمل بصمات أنشطة يقف وراءها مشروع "لاختا"، وهو عملية روسية للتأثير يمولها مؤسس مجموعة "فاجنر" يفجيني بريجوجن.

وقال بريجوجن في فبراير، إنه أسس وكالة أبحاث الإنترنت، وهي مركز لتدريب المتصيدين تابع لمشروع "لاختا"، للتصدي لما أسماه دعاية الغرب المناهضة لروسيا.

وقال المسؤولان، إن الفيديو الذي يزعم تورط فرنسا في قتل المواطنين الصينيين ظهر لأول مرة على صفحة على "فيسبوك" تحمل اسم "سانجو تي بي-أفريكا".

وأشارا إلى أن الصفحة سبق أن حددها "جهاز اليقظة والحماية من التدخل الرقمي الأجنبي" على أنها قناة للتضليل الإعلامي تابعة لمشروع "لاختا" تستهدف فرنسا. وبعد ذلك، نشر محللان عسكريان الفيديو على "تويتر"، ووصف مسؤولون المحللين، بأنهما وكيلان لمشروع "لاختا"، وقالوا إنهما ينشران في كثير من الأحيان محتوى مؤيداً لـ"فاجنر".

وذكرت وثائق مخابرات عسكرية أميركية مسربة في وقت سابق من هذا العام، أن موظفاً لدى بريجوجن يعمل أيضاً مع رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى فوستان أركانج تواديرا، اقترح في فبراير إطلاق حملة مناهضة للغرب في الدولة حيث تنشر روسيا حالياً ما يقرب من ألفين من المدربين العسكريين.

وحذفت شركة "ميتا" حساب "سانجو تي بي-أفريكا" بعد استفسار من "رويترز" حول الصفحة. وقالت "ميتا" إنها حذفتها لأن المستخدم صاحب الصفحة حُذف من منصات تابعة لها قبل ذلك. 

وتنشر "ميتا" تقارير عن الإجراءات التي تتخذها تجاه مجموعات تظهر مؤشرات على التدخل الحكومي. وحذفت هذا العام مجموعات من هذا النوع في بوركينا فاسو وتوغو.

انتقاد ماكرون

وفي عام 2020، علقت حسابات مجموعات على صلة بأفراد مرتبطين بالنشاط السابق لوكالة أبحاث الإنترنت، قبل الانتخابات في جمهورية إفريقيا الوسطى، وفقاً لبيان على الموقع الإلكتروني لـ"ميتا".

وتقول فرنسا إنها تعيد تشكيل وجودها العسكري في المنطقة لتبني نهج أكثر تعاوناً منذ استكمال انسحابها من مالي في 2022 ومن بوركينا فاسو في 2023، وفي إطار مساعيها الدبلوماسية الجديدة.

كما تعمل على تنفيذ خطة عمل تشمل المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية روج لها ماكرون لأول مرة عندما وصل إلى السلطة في عام 2017، وتحدث صراحة عن حجم الدعم، مما يجعل المساعدات الروسية تبدو ضئيلة.

ومع ذلك، قال سبعة محللين ودبلوماسيين، إن وحدة وزارة الخارجية والاستراتيجية الأوسع نطاقاً ستواجهان معركة شاقة لإقناع الناس في إفريقيا بأن فرنسا قد تغيرت.

وقال مايكل شوركين، مدير البرامج العالمية في "مؤسسة 14 نورث استراتيجيز"، وهي هيئة استشارية تركز على إفريقيا: "لقد خسروا حرب الاتصالات بشكل أساسي" بسبب حجم التشكك وعدم الثقة إزاء نوايا فرنسا.

ولا يزال الشعور المستمر بأن فرنسا تدعم مرشحيها المفضلين يثير قلق بعض السياسيين.

وقال جان جاسبار نتوتومي آي نائب رئيس "حزب الاتحاد الوطني" المعارض في الجابون: "لا أقول إن ماكرون متعجرف تجاه إفريقيا، لكن هناك الكثير من الحماقة".

وقال مسؤولون بوزارة الخارجية، إن انتخابات السنغال في 2024 وانتخابات ساحل العاج في 2025 ستختبران فعالية المبادرات الجديدة، مع توقع زيادة المحتوى الإعلامي المناهض لفرنسا.

وأوضح مسؤول فرنسي معني باستراتيجية إفريقيا أنه "إذا لم يتفق الناس، فيجب أن يكونوا قادرين على التعبير عن أنفسهم". وأضاف "علينا أن نميز بين النقاش العام والتلاعب".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات