فرنسا تحاول استعادة النظام وترفض وصف الشرطة بـ"العنصرية"

time reading iconدقائق القراءة - 10
اشتباكات بين المتظاهرين والشرطة في باريس، فرنسا. 30 يونيو 2023 - REUTERS
اشتباكات بين المتظاهرين والشرطة في باريس، فرنسا. 30 يونيو 2023 - REUTERS
باريس- أ ف ب

انشغل سكان وتجار في وسط باريس، الجمعة، بإحصاء خسائر ناجمة عن أعمال الشغب والنهب التي انطلقت بعد وفاة فتى برصاص شرطي، في وقت انتقدت فرنسا اتهام مفوضية حقوق الإنسان للشرطة بـ"العنصرية"، وبدأت باتخاذ إجراءات في محاولة لاستعادة النظام. 

وقالت الخارجية الفرنسية في بيان، إن "أي اتهام لقوات الشرطة في فرنسا بالعنصرية أو التمييز المنهجي لا أساس له من الصحة".

وشددت على أن "الفحص الدوري الشامل الأخير الذي خضعت له بلادنا، مكننا من إثبات ذلك"، مضيفة أن "فرنسا وقوات إنفاذ القانون التابعة لها تكافح العنصرية، وجميع أشكال التمييز بحزم. ولا مجال للتشكيك في هذا الالتزام".

وكانت الناطقة باسم مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان رافينا شمداساني قالت خلال مؤتمر صحافي في جنيف الجمعة، إنه "حان الوقت ليعالج هذا البلد بجدية مشاكل العنصرية والتمييز العنصري المتجذرة في صفوف قوات الأمن".

لكن الخارجية الفرنسية شددت على أن "قوات الأمن تتعامل بمهنية كبيرة مع أوضاع وأعمال عنف شديدة". 

وأضافت أن "استخدام الشرطة والدرك الوطنيين للقوة محكوم بمبدأي الضرورة المطلقة والتناسب، ويخضع لإشراف ورقابة صارمين"، مشيرة إلى "إصابة 249 شرطياً بجروح خلال أعمال العنف في الأيام الأخيرة". 

إعادة النظام

وفي ظل انتشار مشاهد النهب والسيارات المحترقة والمباني العامة ذات الواجهات المهشمة، تحاول الحكومة الفرنسية احتواء العنف، واتخذت بعض الإجراءات، لكنها لم تذهب إلى حد إعلان حال الطوارئ التي طالب بفرضها بعض السياسيين.

وطلب وزير الداخلية جيرالد دارمانان من جميع السلطات المحلية، وقف حركة وسائل النقل العام مساء الجمعة، في محاولة لاستعادة النظام.

وحظرت السلطات تنظيم مظاهرات عامة كانت مقررة الجمعة في مدينة مرسيليا جنوب البلاد، ثاني أكبر مدينة في فرنسا، وطلبت من المطاعم إغلاق ساحاتها الخارجية المخصصة لتناول الطعام مبكراً.

وأضافت أن جميع وسائل النقل العام ستتوقف اعتباراً من الساعة السابعة مساء.

من جهته، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي اختصر زيارة لبروكسل الجمعة لعقد ثاني اجتماع أزمة لوزرائه، نشر قوات أمنية إضافية للسيطرة على أعمال الشغب، فيما طلبت رئيسة الحكومة نشر مركبات مدرعة.

وقال في خلال اجتماع الأزمة، إن وزارة الداخلية ستعمل على حشد "وسائل إضافية" للتعامل مع الاحتجاجات العنيفة، مندداً بـ"الاستغلال غير المقبول" لوفاة الفتى نائل، وداعياً منصات التواصل الاجتماعي إلى حذف مشاهد الشغب "الحساسة".

وأشار ماكرون إلى أن هناك "استغلالاً غير مقبول لوفاة فتى مراهق، وهو ما نشجبه جميعاً عندما ينبغي أن تكون هذه الفترة للتعبير عن التعاضد والاحترام"، ودان من يستغلون الوضع، وكذلك مفتعلي "أعمال العنف البحتة التي لا مبرر لها وهي لا تتسم بأي شرعية".

ورحب ماكرون بالاستجابة "السريعة والمناسبة" للشرطة، وأعلن أن وزارة الداخلية ستنشر "موارد إضافية". وقال: "تم اتخاذ القرار بإلغاء العديد من الاحتفالات والتجمعات في الدوائر الأكثر حساسية". 

ودعا رئيس الجمهورية "الأهل إلى التحلي بالمسؤولية". وقال: "من الواضح أن الوضع الذي نعيشه، كما نرى، هو نتيجة جماعات منظمة وعنيفة ومجهزة في بعض الأحيان، ونحن ندينها ونوقفها وستُقدم للعدالة، ولكن، هناك أيضاً عدد كبير من الشباب. ثلث المعتقلين في الليلة الماضية هم من الشباب، وبعضهم صغار جداً".

وتابع ماكرون أن "مسؤولية إبقائهم في المنزل تقع على عاتق الأهل... الجمهورية ليست مكلفة أن تحل محلهم". 

وطالب منصات التواصل الاجتماعي الرئيسية بأن تتحلى "بروح المسؤولية"، مشيراً على وجه الخصوص إلى "سناب تشات" و"تيك توك" حيث تُنظم "تجمعات عنيفة ... تبعث على نوع من محاكاة العنف، مما يؤدي إلى قيام الأصغر سناً بالتصرف بعيداً من الواقع". 

وقال ماكرون "نشعر أحياناً بأن بعضهم يمثل في الشارع ما يحدث في ألعاب الفيديو التي سممتهم". وتابع أنه سيتم "حيثما كان ذلك مفيداً ومتى كان ذلك مفيداً، طلب الحصول على هوية أولئك الذين يستخدمون هذه الشبكات الاجتماعية للدعوة إلى الفوضى أو تكثيف العنف". 

وأوقفت الشرطة منذ ليل الخميس نحو 900 شخص، بينهم نحو 400 في باريس وضواحيها. وأصيب نحو 250 شرطياً بجروح خلال الليل. 

"لا يغتفر"

وإثر الاجتماع الحكومي، أعلنت بورن نشر عربات مدرعة للدرك للتعامل مع أعمال العنف. وقال مكتبها لوكالة "فرانس برس"، إنه سيتم أيضاً نشر "قوات متنقلة إضافية"، وإلغاء "فعاليات واسعة النطاق قد تشكل مخاطر على النظام العام وفق الظروف".

وصباح الجمعة شجبت رئيسة الوزراء إليزابيت بورن ما وصفته بأنه "لا يُغتفر". وقالت إن كل الاحتمالات مطروحة لإعادة "النظام الجمهوري".

من جانبه، قال ماكرون إنه مستعد لتكييف أجهزة حفظ النظام من دون استبعاد "أي محرمات".

قتل نائل

أصيب نائل الثلاثاء برصاصة قاتلة في صدره أطلقها شرطي من مسافة قريبة أثناء تدقيق مروري. ووُجهت إلى الشرطي الموقوف البالغ 38 عاماً تهمة "القتل العمد".

وقالت منية والدة نائل: "لا ألوم الشرطة، أنا ألوم شخصاً واحداً: الشخص الذي قتل ابني". ونبهت لقناة "فرانس 5"، إلى أن الشرطي "رأى فتى عربياً، فتى صغيراً، ورغب في التخلص منه".

وتقدم الشرطي المحتجز بالاعتذار من عائلة الفتى حسب محاميه، الذي أكد أن موكله لم يرغب "بالقتل".

انتشار التخريب

واتسعت أعمال الشغب ليل الخميس الجمعة، وشملت تخريب مقار إدارات عامة وعمليات نهب ومناوشات متفرقة، وطالت مدناً كبرى منها مرسيليا.

وأحصي إصابة 492 مبنى بأضرار، وإحراق 2000 سيارة، وإضرام 3880 حريقاً في الشوارع، وفقًا للأرقام الرسمية. كما استُهدفت مدارس ومراكز للشرطة البلدية ومراكز تابعة للبلديات ومراكز اجتماعية وحافلات وعربات الترام.

وفي ضاحية سين سان دوني، الأفقر شمال شرقي باريس، لم ينج أي حي تقريباً من أعمال التخريب، وفق الشرطة، مع استهداف العديد من المباني العامة.

وقال مصدر في الشرطة لوكالة "فرانس برس"، إن مثيري الشغب استخدموا شاحنة في درانسي لاقتحام مركز تسوق تعرض للنهب والحرق.

وفي باريس نفسها، نهب نحو أربعين متجراً وفقاً لمكتب المدعي العام. وقال ضابط في الشرطة إن المتاجر في وسط المدينة "تعرضت للتخريب" أو "النهب أو الحرق". 

وقررت ثلاث مدن على الأقل بالقرب من العاصمة الخميس فرض حظر التجول. 

وفي مدينة ستراسبورج، أفاد مسؤول محلي، بأن لصوصاً نهبوا متاجر، أحدها لشركة "أبل".

ولفت إيفان، وهو عامل نظافة في متجر لبيع الأحذية في حي شاتليه-لي هال الباريسي، إلى أن "اليوم هو يوم عمل مفقود".

وجلس إيفان الذي طلب عدم ذكر اسمه الكامل، على درجات قرب المتجر الذي تحطمت واجهاته الزجاجية وتبعثرت محتوياته بعد سرقة كميات منها. وحال هذا المتجر هو حال آخر على مقربة منه، يعود لعلامة تجارية أميركية شهيرة في مجال التجهيزات الرياضية.

وقال عامل النظافة ومعالم الذهول بادية على وجهه وهو ينتظر المسؤولة عن المتجر: "لن أتمكن من العمل اليوم. لدّي عائلها أعيلها، من الغباء القيام بأمر مماثل".

وقبالة المتجر حيث يعمل إيفان، تشارك مارييلين في إدارة مطعم "أو كور كورونيه"، واضطرت ليل الخميس للطلب من رواده الاحتماء في صالته الداخلية، بدلاً من الاستمتاع بأمسيتهم إلى طاولاته الموضوعة في الباحة الخارجية.

وقالت: "كنا ولا نزال قلقين للغاية".

وأضافت السيدة التي طلبت بدورها عدم كشف هويتها الكاملة "عندما بدأ (المحتجون) بمهاجمة المتاجر، اتصلت بالشرطة، واضطررت حتى لإخماد نيران اندلعت في سلة مهملات قرب المطعم".

على رغم ذلك، لا تعتزم مارييلين إقفال مطعمها ليل الجمعة، موضحة "لدينا حجوزات، وعلينا أن نفتح أبوابنا. لكن اذا استمرت الأمور على هذا المنوال، قد اضطر للإقفال بشكل مبكر".

غير بعيد من المكان، تحدثت نويل عن "خوف كبير" على مطعم "ميزون بوكلان" حيث تعمل، مبدية قلقها من استمرار الشغب. وأضافت "مررنا بأزمة كورونا واستسلم الجميع. اذا تكرر الأمر هذه المرة، فالتجار سيموتون".

وفي شارع ريفولي، تقيم لويزا فييرا (58 عاماً) بين متجر للمجوهرات وآخر تابع لعلامة أزياء فرنسية، تعرّض كلاهما للتخريب والنهب خلال الليل.

واستيقظت هذه السيدة التي تعمل حاجبة للمبنى، على صوت "ضوضاء قوية"، وقامت عند الساعة الثانية بعد منتصف الليل، بوضع قفل على باب متجر الملابس للحؤول "دون مواصلة الأشخاص الدخول والسرقة".

وتابعت وهي تتكئ على باب المبنى "أخشى أن يعودوا هذه الليلة ويقوموا بما هو أسوأ".

وأبدى بعض المشاركين في الاحتجاجات استغرابهم لبعض الأعمال التي تخللتها.

وقال الشاب إبراهيم الذي كان موجوداً في المكان بعد مشاركته في الاحتجاجات الليلية، إنه شارك في إلقاء المفرقعات النارية، لكنه "فوجئ" بتطوّر الأحداث مع مرور الوقت.

وتابع وهو جالس قبالة متجر العلامة التجارية الرياضية الأميركية، أن المحتجين "ليسوا على صواب ولا على خطأ، لأن السرقة والنهب لن يضيفا شيئاً إلى التحقيق. لكن إظهار غضبنا يظهر أننا ضقنا ذرعاً بسوء تصرّف الشرطة".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات