
أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، خلال رئاسته النسخة الثانية من قمة الشرق الأوسط الأخضر 2022، التي عقدت على هامش مؤتمر المناخ COP 27 المنعقد بمدينة شرم الشيخ في مصر، أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي يستهدف الوصول إلى الحياد الصفري بحلول عام 2050. وهو ما يتفق مع أهداف الحد من التغيرات المناخية العالمية.
وقال إن المملكة ستساهم بمبلغ 2.5 مليار دولار لدعم مشروعات مبادرة الشرق الأوسط الأخضر على مدى السنوات العشر المقبلة، مشيراً إلى أن المبادرة تسعى إلى "دعم الجهود والتعاون في المنطقة لخفض الانبعاثات وإزالتها بأكثر من 670 مليون طن مكافئ ثاني أكسيد الكربون".
فما الحياد الصفري؟ ولماذا يسعى العالم للوصول إليه؟ وما السمات التي يُمكنها المساعدة في الوصول للحياد الصفري؟
ما هو الحياد الصفري؟
الحياد الصفري في جوهره مفهوم علمي، فإذا كان الهدف هو الحفاظ على الارتفاع في متوسط درجات الحرارة العالمية ضمن حدود معينة، فإن الفيزياء المناخية تؤكد ضرورة وجود تركيزات محدودة لثاني أكسيد الكربون المسموح به في الغلاف الجوي، إلى جانب غازات الدفيئة الأخرى.
وتقول دراسات علمية إن الارتفاع المقبول في درجة الحرارة يُعتبر "خياراً مجتمعياً" ولكنه مبني على علم المناخ.
وبموجب اتفاق باريس، وافقت 197 دولة على الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى أقل من درجتين مئويتين، وبذل الجهود للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية. ويعد تحقيق هدف 1.5 درجة مئوية مع احتمال 50٪ يترجم إلى كمية كربونية متبقية تبلغ 400-800 جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون.
ويتطلب البقاء ضمن تركيزات الكربون هذه أن تبلغ انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ذروتها قبل عام 2030 وأن تنخفض إلى صافي الصفر بحلول عام 2050 تقريباً.
ومع ذلك، فإن الحياد الصفري هو أكبر من مجرد مفهوم علمي أو هدف محدد تقنياً. وهو أيضاً إطار مرجعي يمكن من خلاله تنظيم وفهم العمل العالمي ضد تغير المناخ. ويتطلب تحقيق الحياد الصفري التفعيل في مختلف المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
لماذا يسعى العالم للوصول إلى الحياد الصفري؟
ظهرت الإجابة في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. حين أدرك العلماء أن ما يتطلبه الأمر لوقف الزيادة في متوسط درجة حرارة السطح العالمية هو تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وأشارت سلسلة من الأبحاث العلمية إلى وجود علاقة بين صافي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون البشرية التراكمية، واحترار الجو الناجم عن ثاني أكسيد الكربون. وبالتالي، فعندما يتوقف صافي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون البشرية المنشأ (أي أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون تصل إلى الصفر الصافي) لن يتوقف الاحترار عن درجة حرارة معينة، بل سيبدأ في التراجع أيضاً.
السمات السبع:
ولكن، إذا لم تنخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الصافية إلى ما دون الصفر، فمن المتوقع أن يظل الاحترار السطحي الناجم عن ثاني أكسيد الكربون مرتفعاً لعقود قد تصل إلى قرون. وهناك 7 سمات رئيسية يُمكنها المساعدة في الوصول للحياد الصفري.
السمة الأولى هي خفض الانبعاثات بأكبر قدر ممكن في أقصر وقت ممكن. فقد أثبت العلماء أن كل سنة تأخير قبل الشروع في خفض الانبعاثات تقلل الوقت المتبقي المتاح للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية مع الإبقاء على أقل من 1.5 درجة مئوية لمدة عامين تقريباً.
التخفيف الشامل:
أما السمة الثانية فتتمثل في التخفيف الشامل للانبعاثات. وتقول دراسات علمية إن التركيز التقليدي لاستراتيجيات الحد من الانبعاثات هو الطاقة. لكن؛ وعلى الرغم من أن توسيع نطاق استخدام الطاقة النظيفة هو صميم عملية التخفيض؛ إلا أن هناك العديد من الصناعات والأنشطة الأخرى التي يجب أن تشهد نقطة تحول ثورية للوصول إلى الصفر الكربوني.
فعلى سبيل المثال؛ يجب أن تتجه صناعة السيارات نحو تصميم مركبات عديمة الانبعاثات؛ كما يجب أن تستهدف بعض النشاطات الأخرى مثل الصناعات الثقيلة والبناء والأغذية والزراعة والطيران والتعدين تصميم حلول خالية من الكربون.
لكن تكاليف ذلك التحول لا تزال باهظة، بل وفي بعض الأحيان تغيب بشكل كامل التقنيات والبنى التحتية اللازمة لتخفيف البصمة الكربونية لتلك الصناعات.
حذر إزالة الكربون:
وتعتمد السمة الثالثة على ما يُعرف باسم "الاستخدام الحذر لإزالة ثاني أكسيد الكربون". فمن حيث المبدأ، يمكن تحقيق الصفر الصافي من خلال مستويات مختلفة. لكن من المحتمل أن تكون إزالة ثاني أكسيد الكربون مقيدة باعتبارات التكلفة والعوامل الجيوسياسية، فضلاً عن القيود البيولوجية والجيولوجية والتكنولوجية والمؤسسية التي تؤثر على قدرتنا على إزالة الكربون من الغلاف الجوي وتخزينه بشكل دائم وآمن.
وهناك قضايا أخرى لم يتم حلها. في حالة التخزين البيولوجي من خلال أراضي واسعة النطاق، غالباً باستخدام أنواع الأشجار، هناك مخاوف بشأن المقايضات مع خدمات النظم البيئية الأخرى ودوام مخزن الكربون نظراً لتعرض هذه الأساليب للمخاطر مثل تقلبات الطقس والحرائق ومسببات الأمراض.
وعلى العكس من ذلك، فإن الحلول القائمة على الطبيعة؛ كالحماية القائمة على التنوع البيولوجي، والاستعادة والإدارة المستدامة للنظم الإيكولوجية الأصلية (تفاعل العناصر الحية مع بعضها البعض ومع البيئات غير الحيّة)- تنطوي على مقايضات أقل وأكثر مرونة.
كما أن حقيقة أن تغيّر المناخ نفسه قد يزعزع بالفعل استقرار بعض خزانات الكربون الأرضية مُثيرة للقلق بشدة. في حين أن هذا يقوي الحجة بالنسبة للحلول القائمة على الطبيعة للتخفيف من مخاطر المناخ، فإنه يثير أيضاً تساؤلات حول جدوى الاعتماد عليها بشكل كبير.
تعويضات الكربون:
أما السمة الرابعة فتتعلق بالتنظيم الفعال لتعويضات الكربون. إذ ترتبط الحاجة إلى السلامة الاجتماعية والبيئية في إزالة ثاني أكسيد الكربون بالسلامة والتنظيم المناسب لتعويضات الكربون. فتقنيات إزالة الكربون عالية التكلفة؛ ولا يُمكن للدول النامية تحملها. تشير الخبرة السابقة في أسواق تعويض الكربون، مثل آلية التنمية النظيفة أو سوق الكربون الطوعي الحالي، إلى أن السلامة البيئية لتعويضات الكربون ستكون مشكلة، ما لم يتم ترقية معايير الجودة وتنفيذها بدقة.
وتتعلق السمة الخامسة بما يُعرف باسم "الانتقال العادل إلى صافي الكربون". فالعدل هو جانب أساسي من جوانب العمل المناخي. تعتمد عدالة صافي الصفر على كيفية تقاسم عبء تحقيق الهدف العالمي عبر البلدان وداخلها. يعد هذا تحدياً طويل الأمد للعمل المناخي، ويتفاقم الآن بسبب الحاجة إلى ضمان أن عمليات إزالة الكربون تعزز، ولا تعيق، الانتقال العادل إلى مجتمعات خالية من الكربون.
وقد تحتاج بعض البلدان إلى الوصول إلى صافي الصفر بشكل أسرع لإفساح المجال للآخرين الذين قد يستغرقون وقتاً أطول للوصول إلى صافي الصفر. وقد ترسم كل دولة طريقها الخاص إلى صافي الصفر وفقاً لظروفها وقيودها الوطنية الخاصة. يمنح اتفاق باريس امتيازاً لـ "الظروف الوطنية" من خلال إضافة بند "في ضوء الظروف الوطنية المختلفة" إلى مبدأ المسؤوليات المشتركة والمتباينة في نفس الوقت بين البلدان.
وبالطبع، تحتاج البلدان النامية إلى الدعم، من حيث التمويل والتكنولوجيا وبناء القدرات، للوصول إلى صافي الصفر الكربوني. وبالتالي، فإن الانتقال إلى صافي صفر سيأخذ بالضرورة مسارات مختلفة في بلدان مختلفة.
التوافق مع المجتمع:
التوافق مع الأهداف الاجتماعية والبيئية الأوسع هي جوهر السمة السادسة. فتغيّر المناخ أحد التحديات الاجتماعية والبيئية الملحة والمترابطة. في بعض الحالات، يعد تغير المناخ "عاملاً مضاعفاً للتهديد" مما يؤدي إلى تفاقم الآثار السلبية للضغوط الأخرى -مثل تغيّر استخدام الأراضي- على النظم البيئية والمجتمعات التي تعتمد عليها.
وفي حالات أخرى، يكون لتغير المناخ والضغوط البيئية الأخرى نفس الأسباب الجذرية. على سبيل المثال، يعد التغير في استخدام الأراضي هو المحرك الأكبر لانخفاض التنوع البيولوجي (يمثل حوالي 30٪ من الانخفاضات في سلامة الموائل الأرضية العالمية "الحفاظ على البيئات الطبيعية وحمايتها")، وثاني أكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري (يمثل 23٪).
لذلك، يمكن للحلول القائمة على الطبيعة، مثل حماية أو استعادة النظم البيئية الطبيعية والإدارة المستدامة للأراضي والبحار العاملة، أن تساعد في الوقت نفسه في الحد من الاحترار السطحي وتباطؤ انخفاض التنوع البيولوجي مع دعم المجتمعات البشرية بطرق أساسية لا حصر لها، بما في ذلك الصحة العامة وسبل العيش والأمن الغذائي.
الابتكار الخالي من الكربون:
والسمة السابعة والأخيرة للوصول إلى الصفر الكربوني، هي السعي وراء فرص اقتصادية جديدة. فعلى المدى الطويل، قد يطلق الابتكار الخالي من الكربون العنان لدورة حميدة من الاستثمار والتجديد والنمو.
ويقول العلماء إن تحقيق هذه الفرص هو مفتاح الانتقال الناجح إلى صافي الصفر. ومع ذلك، على المدى القصير، فإن السعي وراء الفرص الاقتصادية سيعوقه الجمود في الاقتصاد. يتطلب التحول إلى صافي الصفر تغييرات واسعة النطاق في طريقة إدارة الاقتصادات، والمهارات التي تتطلبها والأصول الرأسمالية التي تتطلبها.
وفي البلدان النامية، والتي لا تساهم في النشاطات عالية الكربون، يخلق هذا حاجة إلى تدريب استباقي للقوى العاملة الشابة على مهارات القرن الحادي والعشرين واتخاذ قرارات استثمارية طويلة الأمد مع وضع صافي الصفر في الاعتبار.
أما في البلدان الصناعية، سيخلق ذلك ضغوطاً قصيرة الأجل على بعض العمال، الذين قد يتعين إعادة تأهيلهم وإعادة توزيعهم.
والحد من ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية إلى أي مستوى يتطلب في النهاية توازنًا بين إطلاق ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي وإزالته من الغلاف الجوي. ويشير التزام القادة بالوصول للحياد الكربوني إلى أن صانعي القرار يفهمون بشكل متزايد هذا الواقع العلمي.
ومع ذلك، فهناك بعض القيود الواضحة. فالالتزام بالحياد الكربوني ليس بديلاً عن التخفيضات العاجلة والشاملة للانبعاثات.
في الواقع، يتطلب ذلك الالتزام تركيزاً أكبر على القضاء على مصادر الانبعاثات الكبيرة، ولكن الحاجة إلى السلامة الاجتماعية والبيئية تفرض قيوداً صارمة على نطاق وتوقيت وإدارة كل من إزالة ثاني أكسيد الكربون وتعويضات الكربون.
اقرأ أيضاً: