
سادت حالة من الجدل والتساؤلات في الأوساط العمالية والصناعية المصرية، عن قرار الجمعية العمومية غير العادية لشركة الحديد والصلب، الاثنين، بتصفية مصنعها الوحيد للحديد والصلب بمدينة حلوان بعد 67 عاماً على تأسيسه على يد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، كبداية لنهضة الصناعة المصرية.
وقررت الجمعية العمومية بإجماع المساهمين الحاضرين، الموافقة على فصل نشاط المناجم في شركة مستقلة تحمل اسم "الحديد والصلب للمناجم والمحاجر"، وتصفية كاملة لنشاط مصنع الشركة في حلوان.
وأرجعت الجمعية، قرار التصفية إلى الخسائر المستمرة، وعجز الشركة عن الإيفاء بأجور العمال، وعدم القدرة على التطوير.
ووصل إجمالي الخسائر وفقاً للجمعية إلى 8.2 مليار جنيه (نحو 524 مليون دولار) في 30 يونيو 2020.
وأوقفت البورصة المصرية، التداول على أسهم الشركة لحين إرسال قرارات الجمعية العامة غير العادية للشركة.
وتستحوذ الشركة القابضة للصناعات المعدنية على 82.4% من أسهم شركة الحديد والصلب بعد بيعها 73.3 مليون سهم في يناير 2019 إلى بنك مصر في إطار صفقة مبادلة ديون بما يعادل 7.51% من الأسهم.
زيادة فرص الاستغلال
وأشارت الجمعية في قرارها، إلى أن قرار التصفية والتقسيم يؤدي إلى زيادة فرص استغلال خام الحديد المصري، ما يؤدي إلى رفع قيمته الاقتصادية في ظل تزايد الطلب عليه، وجذب استثمارات أكثر من داخل وخارج مصر.
وأكد وزير قطاع الأعمال، هشام توفيق، في بيان أن أعمال التصفية لن تتم قبل تعويض العاملين، وخاطب العمال، بقوله: "لا تخافوا، حقوقكم محفوظة، لن تتم التصفية إلا بعد الحصول على حقوقكم كاملة".
وقال توفيق، في تصريحات لـ"الشرق"، إن قرار التصفية جاء بعد مشاورات مع خبراء أكدوا عدم صلاحية تشغيل المصنع، كما أكدوا أن صيانة الأفران ليس لها جدوى في المستقبل.
وأضاف: "إذا قررنا صيانة المصنع، فسوف نهدر أموال الدولة، والخبراء طالبوا بتشغيل الأفران لمدة 3 أشهر متصلة لكن القائمين على الإدارة فشلوا في تشغيلها إلا لمدة 15 يوماً فقط، وهذا يدل على أننا لن نستطيع استكمال التطوير".
تقسيم
وقال مسؤول بالحكومة، إن قرار التصفية صدر بسبب زيادة خسائر الشركة بشكل كبير، وعدم القدرة على إعادة هيكلتها، موضحاً أنه تم تقسيم الشركة إلى قسمين، الأول مصنع الحديد والصلب والذي تم تصفيته، بينما تم الإبقاء على شركة المناجم.
وقال المهندس خالد الفقي، عضو مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات المعدنية، ورئيس النقابة العامة للصناعات الهندسية والمعدنية، إنه اعترض على القرار خلال الجمعية العمومية، إلا أن رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة، محمد السعداوي، تلا القرار على الحضور من دون أن يتيح المجال لمناقشته.
وأضاف الفقي، لـ"الشرق"، أن شركة الحديد والصلب هي قلعة الصناعة المصرية، وعلى مدار 67 عاماً خرج منها أكثر من 32 مصنعاً للحديد والصلب تابعة للقطاع الخاص، وأنها تنتج أنواعاً فريدة من نوعها من الحديد.
وتابع: "صحيح أن الشركة تخسر، لكن هل تعجز 18 كلية هندسة في مصر عن تطويرها"، مشيراً إلى وجود مفاوضات من أجل حصول العمال على مستحقاتهم كافة، بما يعادل راتب شهرين عن كل سنة عمل وفقاً للقانون.
ويصل عدد العمال في الشركة إلى 7300 عامل.
كانت هيئة الرقابة المالية وافقت على المقترح التفصيلي لتقسيم شركة الحديد والصلب المصرية، وقرارات مجلس إدارة الشركة المنعقد بتاريخ 29 نوفمبر، ودعت الشركة إلى جمعية عمومية غير عادية بتاريخ 11 يناير 2021 للحصول على موافقتها على مشروع التقسيم التفصيلي.
إنجاز عبد الناصر
وتعد شركة الحديد والصلب، أكبر شركة في مصر وأول شركة في الشرق الأوسط، أسست عام 1954 بقرار من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وهي عبارة عن مجمع كامل للحديد والصلب في منطقة التبين بمدينة حلوان جنوب العاصمة القاهرة، برأسمال 21 مليون جنيه على مساحة تزيد على 2500 فدان (10.5 مليون متر) شاملة المصانع، والمدينة السكنية المخصصة للعمال، وتم توقيع عقد مع شركة "ديماج ديسبرج" الألمانية لإنشاء المصانع وتقديم الخبرات الفنية اللازمة، وتم وقتها طرح أسهم الشركة للاكتتاب الشعبي، وبلغت قيمة السهم 2 جنيه.
القرار الأنسب
وقال خالد الشافعي، رئيس مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية، إن الشركات تؤسس بهدف تحقيق عوائد اقتصادية، وهذا أصبح غير متحقق في السنوات الماضية في شركة الحديد والصلب التي تتكبد خسائر متتالية، مضيفاً أن قرار التصفية والفصل هو أنسب قرار.
وأضاف لـ"الشرق"، أن تأسيس شركة مستقلة للمحاجر من شأنه أن يحقق إضافة للاقتصاد المصري وتعزيز الاستثمارات وإنعاش سوق البورصة بأسهم الشركة الناشئة، معتبراً أن تصفية الشركة لن يكون له تأثير كبير نظراً لوجود الكثير من شركات الحديد والصلب التي تلبي احتياجات السوق المحلية، مشيراً إلى أنه يمكن إعادة استغلال الأراضي والأصول الخاصة بالشركة والاستفادة منها بما يحقق طفرة للاقتصاد المصري.
تطوير بلا جدوى
وقال الدكتور عادل عامر، خبير اقتصادي، إن الشركات التي تم تكليفها بدراسة تطوير الشركة، أثبتت عدم جدوى التطوير، بسبب قدم الماكينات وخطوط الإنتاج، وأن التطوير يتطلب رصد مبالغ كبيرة جداً تتجاوز أكثر من 25 مليار جنيه (نحو 1.6 مليار دولار)، ولذلك صدر قرار التصفية، خاصة في ظل وصول مديونيات الشركة إلى حدود غير آمنة.
ورأى عامر، أن القرار يعتبر حماية للمال العام الذي يستنزف سنوياً دون جدوى، ولذلك فإن قرار التصفية صدر حفاظاً على المال العام من الاستنزاف المستمر، كما أن التصفية لا تؤثر في إنتاج الحديد والصلب، لتوافر الشركات الوطنية التي تسهم فيها الدولة، وبالتالي فهناك توازن في السوق بين القطاعين الخاص والعام.
اكتتاب عام وخطط استغلال
في المقابل، قال كمال عباس، المنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية (منظمة مستقلة)، إن إنشاء الشركة كان حلماً للمصريين منذ عام 1932 بعد توليد الكهرباء من خزان أسوان، كبداية لتوطين الصناعة في مصر، لكن لم يبدأ تنفيذه إلا عام 1954 حين وضع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حجر الأساس للمشروع.
ولعبت شركة الحديد والصلب، دوراً مهماً في بناء السد العالي، إذ تم تطوير مجمع الحديد والصلب للمساعدة في بناء السد وتوفير الألواح والكمرات الصلب المستخدمة في بناء جسم السد العالي.
وأضاف عباس لـ"الشرق"، أنه تم تجاهل عشرات الخطط التي قدمت لتطوير وإنقاذ الشركة، مشيراً إلى أنه بصدد بلورة وإطلاق مبادرة لإنقاذ المصنع عن طريق الاكتتاب العام من الشعب، قائلاً: "منذ أمس تجري محادثات واسعة في أوساط المهندسين والنقابيين والعمال الذين لديهم كل الملفات الخاصة بخطط الإصلاح المنقذة للمصنع، وسنعقد اجتماعاً في القريب للاتفاق على خطة موحدة تمول من أموال الشعب لإنقاذ الشركة".
القطاع الخاص يتحكم
واعتبرت الدكتورة هدي الملاح، مدير المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية ودراسات الجدوى، أنه كان من الأجدر بالحكومة معالجة السلبيات والأخطاء التي تواجه الشركة بدلاً من تصفيتها، وإعداد دراسة جدوى اقتصادية، والعمل على حل مشكلاتها للنهوض بها من جديد، خاصة أنها قائمة بالفعل، وكان من الأفضل استغلالها في إنتاج الحديد الذي هو أساس المعمار وتزيد معدلات استخدامه في ظل اتجاه الدولة للتوسع في المدن الجديدة.
وقالت: "قرار التصفية سيعود بالسلب على الجميع، لأن عدم توافر الحديد يعطي رجال الأعمال من أصحاب المصانع الخاصة، فرصة في التحكم في أسعاره، وستكون الحكومة تحت رحمتهم، لكن لو كانت الحكومة هي المسيطرة أو المتحكمة في الحديد، فسيكون الأمر مختلفاً، لأنه سلعة استراتيجية ويجب أن تتحكم فيه الحكومة".
دعوى قضائية
وأقام المحامي المصري سمير صبري، دعوي قضائية ضد رئيس مجلس الوزراء، طالب فيها بوقف تصفية الشركة، وإلغاء تنفيذ القرار الحكومي بتصفيتها.