ارتفعت أسعار الوقود في المغرب إلى مستويات قياسية، خلال الشهر الجاري، لتصل إلى 15 درهماً للتر البنزين (1.5 دولار)، وسط مخاوف من انعكاس ذلك على أسعار المواد والخدمات الأساسية، فيما طالب مواطنون ومهنيون بتدخل الحكومة عبر زيادة الدعم، أو تشديد الرقابة على شركات توزيع المحروقات.
وكسرت محطات الوقود عرفاً كان يقضي بتغيير الأسعار مرتين فقط كل شهر، منذ تحرير أسعار المحروقات في المغرب سنة 2015، لترفع الأسعار 4 مرات في غضون شهر.
بلغ معدل التضخم في المغرب 4.9% في يوليو الماضي، على أساس سنوي، وفق المندوبية السامية للتخطيط، وهي الهيئة الحكومية المكلفة بالإحصاءات. بينما قدمت الحكومة دعماً استثنائياً لمهنيي النقل على دفعات منذ العام الماضي، بلغ 5 مليارات درهم (نحو 500 مليون دولار).
غضب وسط المهنيين
قال مصطفى كرم، وهو سائق سيارة أجرة بالرباط، إن ارتفاع أسعار الوقود يثقل كاهل العاملين في مجال النقل، وينذر بموجة غلاء جديدة في الأسواق.
وأضاف كرم في حديث لـ"الشرق"، أن "السائق المهني يعد أكبر المتضررين من الزيادات المتتالية في الأسعار، إذ ترتفع مصاريف تشغيل السيارة من 50 إلى 100 درهم في اليوم.. هذا الفارق قوت أولادنا.. نحاول توفير دخل بسيط"، داعياً الحكومة إلى العودة لنظام الدعم الموجه لمهنيي النقل، في مواجهة ارتفاع الأسعار.
بدوره، قال عبد الواحد حفيظي، وهو سائق سيارة أجرة، إن الغلاء في الأسواق أثقل كاهل المواطنين والمهنيين في مجال النقل.
وطالب الحكومة باتخاذ إجراءات عاجلة للحد من تداعيات ارتفاع أسعار المحروقات، بصرف دعم مباشر للمهنيين، أو رفع تعرفة النقل بما يوازي ارتفاع الأسعار.
كما أشارت مَلَك خزار، وهي طبيبة أطفال، في حديث لـ"الشرق"، إلى أن "ارتفاع أسعار المحروقات لن يتوقف أثره على قطاع النقل فحسب، بل إنه سيمتد ليشمل مختلف المواد والخدمات الأساسية".
وتقود ملك سيارة اقتصادية صغيرة، تقول إن ملء خزانها كان يكلف نحو 350 درهماً (35 دولاراً)، وقد تضاعفت لتناهز 700 درهم (70 دولاراً).
وتطالب مَلَك الحكومة بتوضيحات للرأي العام بشأن هذه الزيادات المتتالية "لنعرف على الأقل أسباب هذه الزيادات الصاروخية، وما إذا كانت ستستمر فنحاول التأقلم ونقرر هل سنتخلى عن سياراتنا أم نركنها ونعود للدراجات الهوائية".
تقلبات عالمية
في المقابل، يبرر مالكو محطات الوقود، ارتفاع الأسعار بالتقلبات التي تشهدها السوق الدولية، في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، والتخفيضات المتتالية لإمدادات النفط من أغلب دول تحالف "أوبك+".
لكن النقابات تحذّر من "استهداف القدرة الشرائية للمواطنين وذوي الدخل المحدود"، مشيرةً إلى "تواطؤ من شركات توزيع المحروقات" للاتفاق على الأسعار خارج قواعد المنافسة.
وقال الأمين العام للاتحاد الوطني للشغل، محمد الزويتن، إن شركات توزيع المحروقات رفعت الأسعار 4 مرات "دون تقديم أي مبرر"، مشيراً في حديث لـ"الشرق"، إلى أن تقرير المجلس الأعلى للمنافسة (هيئة رقابية رسمية) حمل ملاحظات على 9 شركات لتوزيع المحروقات في المغرب، تفيد بأن هناك توافقاً بين الشركات على تحديد الأسعار دون أي منافسة".
وذكر الزويتن أنه من المرتقب أن يكون ملف ارتفاع أسعار المحروقات أحد الملفات الساخنة التي تنتظر الحكومة مع الدخول السياسي الجديد.
وكان مجلس المنافسة قد رصد مخالفات قانونية ارتكبت من قبل شركات توزيع المحروقات، وقال إنه سيتداول قريباً في فرض غرامات مالية بحقها.
وبحسب دراسة سابقة للمجلس، فقد بلغ الربح الصافي الإجمالي لأكبر 7 شركات في القطاع 10.7 مليار درهم (حوالي 1.08 مليار دولار) ما بين عامي 2018 و2021، أكثر من نصفها من نشاط بيع الديزل والبنزين.
"صمت حكومي"
واستنكر الأمين العام لاتحاد الشغل، ما وصفه بـ"الصمت الحكومي" إزاء الارتفاعات المتتالية التي أقرتها شركات توزيع الوقود، قائلاً إن الحكومة "لم تستطع إلى حد الآن أن تفرض على هذه الشركات عدداً من الإجراءات، كخفض هامش الربح أو خفض الضرائب التي تفرضها الدولة على الوقود، وفرض ضريبة بالمقابل على الثروة".
كما استنكرت نقابة الاتحاد الوطني للشغل، في بيان، ما وصفته بـ"الصمت والتواطؤ الذي تنهجه الحكومة إزاء الانهيار الذي تشهده القدرة الشرائية، والذي يشكل تهديداً للتوازنات الاجتماعية".
ودعت النقابة إلى إقرار إجراءات استثنائية عاجلة لدعم القدرة الشرائية لدى المواطنين، من خلال الزيادة العامة في أجور الموظفين والمستخدمين ومعاشات المتقاعدين والأرامل وذوي الحقوق، وتحسين دخلهم عبر التخفيض الضريبي.
وكانت التوقعات تشير إلى أن الحكومة ستناقش ملف أسعار المحروقات في أولى الاجتماعات بعد عطلة الصيف، الخميس الماضي، لكن بيانها لم يأت يذكر الموضوع، فيما أشارت، في بيان، إلى أنها "ستواصل العمل على مواجهة تأثير المؤثرات الظرفية، وتعزيز ركائز الدولة الاجتماعية، ومواصلة تنزيل الإصلاحات الهيكلية، مع تعزيز استدامة توازنات المالية العمومية".
عودة الدعم الحكومي
من جانبه، توقع الخبير الاقتصادي بدر الزاهر الأزرق، أن تعود الحكومة إلى صرف دعم مباشر لمهنيي النقل، في مواجهة ارتفاع أسعار المحروقات".
وقال الأزرق لـ"الشرق"، إن "الحلول المطروحة اليوم على الحكومة، هي الاستمرار في الدعم الموجه للسائقين المهنيين، وكذلك تسريع مراجعة الضريبة على القيمة المضافة".
وأضاف الأزرق أن "الزيادات ألقت بظلالها على القدرة الشرائية للمواطنين المنهكة بالفعل جرّاء الصدمات التضخمية، وتعاقب الأزمات على الاقتصاد المحلي"، مشيراً إلى أن الحكومة مدعوة أيضاً إلى مراجعة منظومة الأجور التي تضررت بشكل كبير، وهي اليوم بحاجة إلى ترميمها من خلال زيادة أخرى".
كما حذّر الخبير الاقتصادي، من أن الحكومة إذا لم ترفع الأجور في قانون مالية لسنة 2024، فإن القدرة الشرائية للمواطنين "ستتضرر أكثر، مما سيؤثر على المنظومة الاقتصادية ككل".
اقرأ أيضاً: