بعد أيام قليلة من وقوع زلزال الحوز، شرعت هيئة المهندسين المعماريين في المغرب، والتي تضم مجالس جهوية من مختلف أقاليم المملكة، في دراسة النتائج واستخلاص العبر.
المهندس محمد بلمجد الذي شارك في هذه الاجتماعات، قال في حديث لـ"الشرق"، إن "الدرس الأول من هذا الزلزال، هو الحاجة للتشدد في تطبيق قانون البناء المقاوم للزلازل، والدرس الثاني هو الحاجة لتدعيم وترميم المباني القديمة، الغير مطابقة لشروط البناء المقاوم للزلازل".
وأقر المغرب قانون البناء المقاوم للزلازل في مدينة أغادير، بعد أن ضربها زلزال مدمر راح ضحيته 15 ألف شخص في عام 1960، ليتم إقراره لاحقاً في عموم البلاد بعد الزلزال الذي ضرب إقليم الحسيمة في عام 2004، وراح ضحيته 564 شخص.
البناء المقاوم للزلازل في المغرب
يحدد البناء المقاوم للزلازل في المغرب طبيعة التربة التي يسمح بالبناء فيها، وهي التربة الصلبة، ويحظر البناء في الأرضي الزراعية الطينية الرخوة.
وتعرض المغرب في القرون الخمسة الأخيرة إلى سلسلة زلازل ضربت مدناً عدة، خصوصاً فاس ومكناس وطنجة وأغادير، آخرها زلزال الحوز، ما يجعلها تصنف ضمن مناطق النشاط الزلزالي في العالم.
وامتد نطاق زلزال الحوز ليشمل خمسة أقاليم ضمن دائرة قطرها 500 كيلومتر، تضم مئات التجمعات السكنية الصغيرة المتناثرة على قمم وسفوح وبطون جبال أطلس، وامتدادها حتى مدينة مراكش.
وضرب الزلزال منطقة تتميز بتجمعات سكانية ذات مباني هشة، ومقام معظمها من مواد طبيعية مثل الطين والقش والحجارة. وانهارت المئات من هذه القرى الصغيرة التي يطلق عليها "الدواوير".
وتأثرت مدينة مراكش العتيقة بالزلزال، حيث انهار وتصدع عدد كبير من المباني، ولم يعد صالحاً للسكن.
عيوب في تطبيق قانون البناء
قال المهندس محمد بلمجد، إن الزلزال "كشف عن عيوب كبيرة في تطبيق القانون المقاوم للزلازل في المغرب، على المستويين الحضري والريفي"، مشيراً إلى أن الهيئة "تتجه للمطالبة بتطبيق صارم للقانون في المدن والأرياف على السواء".
وأضاف: "في المدن لم يكن الكثير من أصحاب المباني، خاصة ذوي الدخل المحدود، يلتزمون بالشروط.. وفي الأرياف كان المواطنون يقيمون بيوتهم من المواد الطبيعية، مثل الطين والقش والحجارة، وهو ما أدى إلى انهيارها بصورة فورية على رؤوس ساكنيها خلال الزلزال".
وقال إن "هيئة المهندسين تتجه لتقديم مشروع قانون يلزم جميع الأبنية بتطبيق شروط البناء المقاوم للزلازل، سواء كانت في المدن أو في الأرياف".
وأقرت المملكة خطة لإعادة بناء البيوت التي دمرها الزلزال، والتي بلغ عددها في المرحلة الأولى 50 ألف بيت.
وقال مسؤولون إن الدولة ستعمل على فرض رقابة مشددة على بناء هذه البيوت، لضمان عدم انهيارها في أي نشاط زلزالي قادم.
وأقيمت آلاف التجمعات السكانية في عموم الريف المغربي بصورة عشوائية، ومن دون أية رقابة.
ويعفي القانون المغربي التجمعات الصغيرة الريفية من الضرائب، نظراً لفقر أصحابها الذين يعتمدون على الفلاحة الصغيرة في الجبال، وهو ما شجع الكثيرين في الأرياف على إقامة مثل هذه التجمعات، والتي تتسم بالعشوائية في البناء وفي التنظيم.
ترميم مباني مراكش
الخبير في تاريخ المغرب، أحمد لقطيب، قال لـ"الشرق"، إن مئات المباني في البلدة القديمة في مراكش التي يعيش فيها أكثر من 300 ألف مواطن، لم تشهد الترميم منذ مئات السنين.
وأضاف: "هذه المدينة، خاصة حي الملاح، يقطنها الفقراء الذين لا يوجد في قاموسهم كلمة ترميم، ولا هم قادرون على تكلفته".
وكانت الحكومة المغربية خصصت في عام 2015 ميزانية قدرها 2 مليون يورو، لترميم الأماكن الأثرية في مراكش العتيقة.
وتضم مراكش عدداً من الأماكن الأثرية المهمة التي تستقطب الكثير من السياح، مثل قصر الباهية، ومسجد الكتبية، ومسجد وساحة الفناء، التي صنفتها "اليونسكو" ضمن قائمتها للتراث العالمي، والعديد من المباني المقامة على الطراز الأندلسي.
وانهار جزء من سور قصر الباهية، وتصدع عدد من جدران القصر وجدران مسجد الكتبية وأسوار البلدة القديمة الشهيرة بلونها الأحمر، والتي يطلق عليها اسم المدينة الحمراء، نظراً لإقامتها من رمال المنطقة التي يغلب عليها اللون الأحمر.
آثار سلبية على الاقتصاد المغربي
خلف الزلزال آثار اقتصادية سلبية على المغرب، خصوصاً على قطاعي السياحة والزراعة.
والمغرب من مناطق الجذب السياحي، وبلغ عدد السياح الذين زاروها العام الماضي، نحو 11 مليوناً.
وتظهر إحصاءات وزارة السياحة، أن إيرادات هذا القطاع شكلت حوالي 8% من الدخل المحلي الإجمالي العام الماضي، والذي بلغ 130 مليار دولار.
وبلغت الاستثمارات في قطاع السياحة بالمغرب في الأعوام الأخيرة، أكثر من 8 مليار دولار.
وقالت وزيرة السياحة فاطمة الزهراء عمور في تصريحات أخيراً، إن الوزارة "وضعت خططاً لرفع عدد السياح الأجانب إلى 17 مليوناً في السنة، خلال الأعوام الثلاثة القادمة".
وقال مسؤولون في فنادق مدينة مراكش، التي تستحوذ على ثلث عدد السياح القادمين إلى المغرب، إن الكثير من المجموعات السياحية ألغت حجوزاتها في المدينة بعد وقوع الزلزال.
وألحق الزلزال أيضاً ضرراً كبيرة بقطاع السياحة الريفي، الذي كان يجذب السياح الراغبين في التعرف على الثقافات المحلية في الأرياف، من خلال الإقامة في بيوت ضيافة ريفية مع المواطنين، وتناول الطعام معهم، والتجوال في مسارات المشي في جبال الأطلس.