لا يزال إقليم الحوز في وسط المغرب يُحصي خسائره جراء الزلزال المدمر الذي ضرب عدداً من المناطق وخلّف آلاف الضحايا والجرحى والمفقودين، إضافة إلى آلاف المنازل المهدمة ومئات الطرق المقطوعة.
وضرب زالزال بقوة 7 درجات على مقياس ريختر في مساء 8 سبتمبر الجاري، منطقة إقليم الحوز ومراكش، وشعر به سكان المدن البعيدة في الدار البيضاء والرباط.
ومنذ ليلة وقوع الزلزال، أحصت وزارة الداخلية المغربية، 2946 حالة وفاة، و5674 إصابة بحسب بيان الوزارة الأخير الصادر في 14 سبتمبر.
التضاريس الوعرة لم تعرقل خطط فرق الإنقاذ في الوصول إلى المناطق المتضررة، لكن مساحة الدمار الشاسعة في جبال الأطلس، استدعت تدخل فرق القوات المسلحة الملكية وآلياتها، من أجل فتح الطرق وتقديم الدعم اللوجيستي بهدف تسهيل دخول المناطق المنكوبة، وأعلنت الحكومة بعد أسبوع من وقوع الزلزال تمكنها من إعادة فتح جميع الطرق التي كانت مقطوعة.
وكثّفت فرق الإنقاذ المدنية والعسكرية في اليومين الثاني والثالث جهودها للبحث عن ناجين تحت الأنقاض، وتمكنت، السبت، من إنقاذ 5 رعاة كانوا محاصرين في منطقة جبلية بين أقاليم الحوز وشيشاوة وتارودانت.
ويرى خبراء أن طبيعة المباني الطينية التقليدية، قلّصت بشكل كبير من آمال فرق الإغاثة في العثور على ناجين، بسبب تحول الأسقف والجدران عند الانهيار إلى تراب، الأمر الذي يُقلّل من فرص النجاة من الاختناق، على عكس المباني الخرسانية، وفق مسؤول مغربي محلي لـ"الشرق".
ولتلافي الضغط على المستشفيات أنشأت القوات المسلحة الملكية، مستشفيين ميدانيين في منطقة أسني بإقليم الحوز، ومنطقة تافنكولت بإقليم تارودانت، ويضم المستشفيان فرقاً طبية متعددة التخصصات، تشمل أطباء وممرضين ومساعدين اجتماعيين، كما استخدم الجيش المروحيات لإغاثة المحاصرين في الجبال.
وسجّل المعهد المغربي الوطني للجيوفيرياء، بؤرة زلزال الحوز في منطقة إيجيل بإقليم الحوز، وقدر قطره بـ500 كيلو متر مربع، وطالت الهزة الأرضية الأعنف منذ قرن، مناطق عدة، امتدت من الحوز وصولاً إلى أغادير والدار البيضاء، غير أن أكثر الأقاليم تضرراً كانت الحوز وتارودانت وشيشاوة وورزازات، وهي مناطق جبلية في أغلبها تمتد على مساحة شاسعة تناهز 78 ألف كيلو متر مربع.
إقليم الحوز
مركز الزلزال، وسمي الزلزال باسمه، تبلغ مساحته أكثر من 6 آلاف كيلو متر مربع مربع، ويضم 36 قرية يسكنها أكثر من 480 ألف نسمة، ويُعتبر أكثر الأقاليم تضرراً من الزلزال من حيث عدد الضحايا.
إقليم تارودانت
يُعتبر ثاني أكثر الأقاليم تضرراً جراء الزلزال، وتبلغ مساحته أكثر من 16 ألف كيلو متر مربع.
إقليم شيشاوة
يقع غرب مراكش وتبلغ مساحته 6 آلاف كيلو متر مربع، وعدد سكانه أكثر من 369 ألف نسمة.
إقليم ورزازات
تبلغ مساحته 41 ألف كيلو متر مربع وعدد سكانه 500 ألف نسمة تقريباً.
إقليم أزيلال
تبلع مساحة الإقليم 9 آلاف و800 كيلو متر مربع، وعدد سكانه أكثر من 500 ألف نسمة.
وتشتهر أغلب هذه الأقاليم بطابع مبانيها التقليدي، بالإضافة إلى مؤهلاتها السياحية الطبيعية من جبال ووديان، والتي حولتها إلى مقصد للسياح الراغبين في السياحة الأيكولوجية التي تستند إلى البيئة والطبيعة.
وتضم هذه المناطق مئات القرى والدواوير (الدوار عبارة عن قرية صغيرة تضم ما بين 100 و 150 فرداً) تنتصب وسط الجبال الشاهقة للأطلس الكبير، كما تُعرف أيضاً بطرقها الوعرة التي شكّلت على مدى سنوات إحدى المشكلات الكبرى التي يُعاني منها السكان، على الرغم من المجهودات المبذولة لــ"فك العزلة".
ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بنداءات التضامن مع القرى التي ضربها الزلزال، وتشكلت منذ اليوم الأول فرق في جميع أحياء المدن المغربية بهدف تحصيل أكبر قدر من المساعدات وإيصالها إلى سكان المناطق المنكوبة.
كما شهدت الأيام الأولى التي تلت الزلزال تنظيم قوافل مساعدات من مئات الشاحنات والسيارات المحملة بالمواد الغذائية والأغطية والأدوية، كما تطوعت العديد من الجمعيات الأهلية لإيصال المساعدات، وإعداد الوجبات، ونصب الخيام بالقرى النائية، فيما شهدت المدن الكبرى إقبالاً كبيراً على مراكز التبرع بالدم بعد النداءات التي أطلقتها الحكومة، واصطفت طوابير طويلة من المواطنين ينتظرون دورهم للمساهمة في هذا الجهد التضامني العام.
صندوق تبرعات
عقب الزلزال أعلنت الحكومة المغربية، تأسيس صندوق لدى كل من بنك المغرب وخزينة المملكة لاستقبال التبرعات من الأفراد والمؤسسات العمومية والشركات الخاصة، واستقبل الصندوق منذ الإعلان عن إطلاقه تبرعات أكثر من 6 مليارات درهم (حوالي 600 مليون دولار)، وسط توقعات بأن تتجاوز التبرعات نظيرتها خلال جائحة فيروس كورونا، وأن تفوق تكاليف إعادة الإعمار اللازمة للمناطق المنكوبة.
إعادة الإعمار
عقد العاهل المغربي الملك محمد السادس، في 14 سبتمبر، اجتماعاً ثانياً لبحث جهود إعادة إعمار المناطق المنكوبة، وأفاد بيان أصدره الديوان الملكي، بأن عدد الأسر المتضررة من الزلزال والتي قُدرت بحوالى 50 ألف أسرة ستحصل على منح بقيمة 3 آلاف دولار، إضافة إلى 14 ألف دولار للأسر التي تهدمت منازلها بشكل كامل، و8 ألاف دولار للأسر التي تهدمت منازلها جزئياً.
وتسعى الحكومة إلى بلورة برنامج مستدام لإعادة تأهيل شاملة للمناطق المتضررة التي تُعاني مشكلات كبيرة في البنية التحية والخدمات العمومية.
وتُظهر أرقام المندوبية السامية للتخطيط (جهاز حكومي للإحصاء) أن 83% من سكان الحوز يعيشون في القرى، كما أن منطقة مراكش الحوز تشهد أكبر معدلات الفقر مقارنة بالمناطق المغربية الأخرى.
ولم تُحدد الحكومة تفاصيل خطة إعادة الإعمار، خاصة بعد نقاشات طفت إلى السطح بشأن شروط التشييد الجديدة، والجهات المكلفة بالبناء والحديث عن قرى نموذجية قد تُشكل بديلاً عن القرى التي تهدمت بفعل الزلزال.
وقال مسؤول محلي لــ"الشرق"، إن "التفكير في إعادة إيواء السكان في مناطق غير مناطقهم لن ينجح البتة".
وأضاف أنه "من الأفضل أن يتم إعادة ما تهدم في نفس الأراضي، لكن بمراعاة شروط مقاومة البناء للزلازل".
عقب الزلزال سارعت العديد من دول العالم إلى عرض خدماتها للمساهمة في عمليات الإنقاذ، إلا أن موافقة الرباط على السماح بدخول 4 فرق دولية فقط من الإمارات، وقطر، وإسبانيا، والمملكة المتحدة، أثار حفيظة باريس الحليف التقليدي الذي لم يستسغ القرار المغربي.
ووجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رسالة مصورة خاطب فيها المغاربة بشكل مباشر عبر حسابه على منصة "إكس" (تويتر سابقاً).
وأثارت الرسالة الكثير من الانتقادات في مواقع التواصل الاجتماعي، إذ اعتبر مغاربة أنها تُشكل "تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية لبلد ذي سيادة".
وتُضاف هذه الحلقة إلى حلقات أخرى من توتر العلاقات بين البلدين، بسبب عدد من الملفات الخلافية، على رأسها ملف الصحراء.
ويسعى المغرب إلى الحصول على اعتراف كامل بمغربية الصحراء من فرنسا، على غرار مواقف الولايات المتحدة وإسبانيا وألمانيا.