
يُخلد عام 1796 في تاريخ الولايات المتحدة، كونه العام الذي شهد أول حملة انتخابية في السباق الرئاسي نحو البيت الأبيض، قبل أن تتطور تلك الحملات عبر العصور، مستفيدة من تقدم تكنولوجيا التواصل الجماهيري. فبعد الجرائد والمحطات الإذاعية، أصبحت المناظرات التلفزيونية والخطابات الموجهة عبر وسائل التواصل الاجتماعي النمط الأكثر شيوعاً.
تبدأ الحملة الانتخابية الأميركية العامة، بعد اختيار مرشح واحد من كل حزب سياسي، عبر الانتخابات التمهيدية والمؤتمرات الحزبية والمؤتمرات الوطنية. ويقوم هؤلاء المرشحون بجولة عبر البلاد، يشرحون خلالها خططهم للعامة، ويحاولون كسب دعم الناخبين. وتعد التجمعات والمناقشات والإعلانات جزءاً كبيراً من حملة الانتخابات العامة.
أول حملة انتخابية
بعد فوز الرئيس الأول في تاريخ الولايات المتحدة جورج واشنطن في الانتخابات الرئاسية بحصوله على كل أصوات التجمعات الانتخابية، بثماني سنوات، شهدت الولايات المتحدة في عام 1796 أول حملة انتخابية.
وتنافس خلال انتخابات عام 1796 نائب الرئيس جون أدامز عن حزب الفيدراليين ضد توماس جيفرسون، مرشح الحزب الجمهوري الديمقراطي المعارض.
ونظراً لأن الولايات المتحدة كانت آنذاك ديمقراطية حديثة النشأة، اضطر كلا المرشحين لخوض حملات سياسية من أجل استمالة أصوات الناخبين، عبر عقد تجمعات انتخابية.
الحملة المذكورة شهدت تبادلاً للاتهامات بين الحزبين، إذ صور الفيدراليون الحزب الجمهوري الديمقراطي بكونه مناصراً للثورات العنيفة، بينما وجه الحزب الجمهوري الديمقراطي اتهامات لمنافسه الفيدرالي بمناصرة الملكية والأرستقراطية.
حاول الجمهوريون ربط أدامز بالسياسات التي أقرّها زميله الفيدرالي ألكسندر هاملتون خلال إدارة جورج واشنطن، التي زعموا أنها كانت "لصالح بريطانيا العظمى". كما انتقد الجمهوريون الحزب الفيدرالي بشأن "معاهدة جاي"، التي أقامت سلاماً مؤقتاً مع بريطانيا.
وبالمقابل، هاجم الفيدراليون مواقف توماس جيفرسون الشخصية، وزعموا أنه كان ملحداً وأنه كان جباناً خلال الحرب الثورية الأميركية.
أنصار جون أدامز اتهموا غريمه توماس جيفرسون بتأييد فرنسا. وتم تأكيد هذا الاتهام، عندما أحرج السفير الفرنسي الجمهوريين من خلال دعمه العلني لجيفرسون ومهاجمته الفيدراليين قبل الانتخابات مباشرة.
وفاز أدامز بالرئاسة بـ71 صوتاً من مجموع أصوات التجمع الانتخابي، بفارق صوت واحد عن غريمه توماس جيفرسون.
اعتماد على الجرائد
بعد أربع سنوات من الانتخابات الرئاسية الثانية، واجه الرئيس الفيدرالي جون أدامز مرة أخرى مرشح الحزب الجمهوري الديمقراطي في عام 1800.
وخلال الحملة الانتخابية، قام توماس جيفرسون بدفع أموال لمحرر في جريدة "ريتشموند إغزامينر" (Richmond Examiner) مقابل نشر مقالات مناهضة للفيدراليين، ومناصرة مواقف حزب جيفرسون.
وتضمنت المقالات عبارات غير أخلاقية، بحيث صورت الرئيس أدامز على أنه يتمتع بشخصية "خنثوية، لا تتمتع بصرامة الرجال أو عطف النساء". ورد أدامز على هذه التوصيفات بمقالات في جرائد أخرى تضمنت عبارات قدح بحق جيفرسون ووصفته بكونه "ابن سلالة نصف هندية، أنجبه والد ذو بشرة سوداء من فيرجينيا"، وفقاً لما تفيد به منصة "pbs" الأميركية.
واستمرت الحملات الانتخابية في الاعتماد على الجرائد ومهاجمة المرشحين لبعضهم البعض بعبارات القدح خلال القرن التاسع عشر. وتطور الأمر ليشمل نشر رسوم كاريكاتيرية ساخرة.
تاريخ المناظرات
في عام 1858 شهدت الولايات المتحدة أول مناظرة انتخابية بين أبراهام لينكولن وستيفن دوغلاس، خلال ترشحهما لمقعد بمجلس الشيوخ الأميركي. وعقد المرشحان 7 مناظرات أمام الناخبين، ركزت على العبودية، التي كانت قضية مثيرة للجدل آنذاك في البلاد.
خسر لينكولن مقعد مجلس الشيوخ، لكن تم توزيع نص المناظرة في جميع أنحاء البلاد ونشرت على صفحات الجرائد، وأصبح ما جاء فيها نقطة انطلاق أدت إلى دخول لينكولن إلى البيت الأبيض بعد ذلك بعامين، وفقاً لمنصة "شير أميركا" المملوكة من وزارة الخارجية الأميركية.
وفي عام 1960، برز التلفزيون كوسيلة ذات أهمية حاسمة للناخبين الذين كانوا يحاولون اتخاذ قرارهم بشأن المرشح الرئاسي الذي سيدعمونه.
وواجه عضو مجلس الشيوخ حينذاك جون إف. كينيدي غريمه نائب الرئيس ريتشارد نيكسون، يوم 26 سبتمبر 1960، في أول مناظرة تلفزيونية في تاريخ الولايات المتحدة.
ومنذ ذلك الحين، أصبحت المناظرات التلفزيونية محطة أساسية في الحملات الانتخابية. وكان حينها كل مرشح يتحدث لمدة ساعة في كل مرة، بينما تأخذ المناظرة قرابة 4 ساعات. غير أن نمط المناظرات تغير في الوقت الحالي، وأصبح المرشحان ينتاوبان الحديث خلال جلسة أسئلة وأجوبة متلفزة مدتها 90 دقيقة يديرها إعلاميون.
وفي عام 1992، شهدت الولايات المتحدة أول مناظرة يشارك فيها 3 مرشحين للرئاسة، حين انضم المرشح المستقل روس بيرو لمناظرة مباشرة على التلفزيون ضد المرشح الجمهوري جورج بوش والمرشح الديمقراطي بيل كلينتون.
ثورة الإنترنت
ومنذ السنوات الأولى للقرن الـ21، أصبح المرشحون للانتخابات الأميركية يعتمدون على الإنترنت بشكل متزايد، عن طريق تطوير مواقعهم الشخصية ونشر آرائهم عبر المدونات، وبث مقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي للتواصل المباشر مع الناخبين.