تاريخ وفوارق وحلول.. ماذا نعرف عن العدالة المناخية؟

time reading iconدقائق القراءة - 11
نازحون من نيامي في النيجر في أحد المخيمات قرب العاصمة بعدما دفع فيضان النهر السكان لترك منازلهم. 11 سبتمبر 2019 - AFP
نازحون من نيامي في النيجر في أحد المخيمات قرب العاصمة بعدما دفع فيضان النهر السكان لترك منازلهم. 11 سبتمبر 2019 - AFP
دبي-محمد منصور

شهد مؤتمر "كوب 27" الذي عقد بمدينة شرم الشيخ في مصر، العام الماضي، مشاركة عدد من المتضررين من التغير المناخي، وهو ما لفت الأنظار إلى أهمية "العدالة المناخية" لعلاج آثار التغير خاصة في المجتمعات الفقيرة.

داخل قاعة مُخصصة لاجتماعات المنظمات الدولية في المؤتمر، تحدث ماني تاهيرو، وهو متضرر ونازح داخلي من النيجر عن جغرافية دولته التي تجعلها ضعيفة في مواجهة التغير المناخي، قائلاً: "النيجر في منطقة الساحل ومتاخمة للصحراء و50% من مساحتها صحراء، ويعتمد سكان وسطها وجنوبها على الزراعة وتربية الحيوانات.. هذا العام ضرب الجفاف المنطقة، وتسبب في قلة الإنتاج".

هناك ملايين حول العالم يُعانون مثل تاهيرو، فعندما تضرب الأرض الأعاصير أو الفيضانات أو الجفاف، فإن الأشخاص الأكثر تضرراً في كثير من الأحيان هم أبناء المجتمعات الفقيرة والمهمشة التي لا تتحمل سوى القليل من المسؤولية عن تغير المناخ.

لذا يأمل العلماء والفقراء أن تتحقق "العدالة المناخية" والتي تعني إعادة تشكيل العمل المناخي من جهد فني لخفض الانبعاثات إلى نهج يعالج أيضاً حقوق الإنسان والتفاوت الاجتماعي.

ومع انطلاق فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ COP28 في دبي بالإمارات، زاد الحديث عن العدالة المُناخية باعتبارها وضع الإنصاف وحقوق الإنسان في صميم عملية صنع القرار والعمل بشأن تغير المناخ.

ويتعلق أحد جوانب العدالة المُناخية بالمسؤولية التاريخية غير المتكافئة التي تتحملها الدول فيما يتعلق بأزمة المناخ.

ويشير المفهوم إلى أن الدول والصناعات والشركات التي أصبحت غنية من الأنشطة التي تنبعث منها معظم انبعاثات غازات الدفيئة تتحمل مسؤولية المساعدة في التخفيف من آثار تغير المُناخ على المتضررين، لا سيما الدول والمجتمعات الأكثر ضعفاً، والتي غالباً ما تكون الأقل مساهمة في التغير المُناخي.

وحتى داخل الدولة نفسها، بسبب التفاوتات الهيكلية القائمة على العرق، والنوع الاجتماعي، والحالة الاجتماعية والاقتصادية، يجب تقسيم المسؤوليات في مواجهة تغير المُناخ بشكل عادل، حيث تقع المسؤولية الأكبر على أولئك الذين ساهموا في التسبب في حدوث ذلك، واستفادوا من النشاطات التي أدت إلى أزمة المُناخ.

والأجيال القادمة هي الجانب الآخر للعدالة المناخية، حيث لم يساهم الأطفال والشباب اليوم في أزمة المُناخ بشكل كبير، لكنهم من سيعانون تأثيرات تغير المُناخ مع تقدمهم في الحياة بشكل كبير. ويجب أن يكون لهم دور مركزي في جميع عمليات صنع القرار والعمل المتعلق بالمُناخ، لأن حقوق الإنسان الخاصة بهم مهددة بقرارات الأجيال السابقة.

حركة اجتماعية

العدالة المناخية هي مفهوم وحركة اجتماعية تعالج الأبعاد الأخلاقية والمعنوية لتغير المناخ، ويؤمن المروجون لهذا المفهوم بأن آثار تغير المناخ لا توزع بالتساوي، وأن المجتمعات الضعيفة والمهمشة غالباً ما تتحمل عبئاً أكبر من العواقب. 

وتسعى العدالة المناخية إلى تصحيح هذا الخلل والتأكد من أن السياسات والإجراءات المتعلقة بالمناخ عادلة ومنصفة وشاملة. 

وانبثق مصطلح العدالة المناخية في ثمانينيات القرن الماضي من فكرة أن المسؤولية التاريخية عن تغير المناخ تقع على عاتق الأثرياء والأقوياء - ومع ذلك فهي تؤثر بشكل غير متناسب على الفئات الأشد فقراً والأكثر ضعفاً.

وأفادت تقارير الحركة التي تضم 25 منظمة غير حكومية في أوروبا، بأن 50% من الانبعاثات الكربونية المسؤولة عن الاحتباس الحراري تبثها في الغلاف الجوي 10% من دول العالم الأكثر ثراءً، مقابل 10% فقط من الانبعاثات من 50% من الدول الأكثر فقراً.

وإلى جانب الدول أو الحكومات، تم استخدام هذا المصطلح أيضاً لاستهداف شركات الوقود الأحفوري نفسها، التي حققت أرباحاً كبيرة، بينما قللت بشكل فعال من تأثير انبعاثات الغازات الدفيئة، وعرقلت العمل المناخي. 

ومع ذلك، فإن نطاق العدالة المناخية واسع، ومنذ انتشاره في التسعينيات، أصبح المصطلح يشمل التوزيع غير المتكافئ للتأثيرات على مجموعة متنوعة من المجموعات، بما في ذلك السكان الأصليين والأشخاص الملونين والنساء والأشخاص ذوي الإعاقة.

الظلم الثلاثي

ويشير البعض إلى "الظلم الثلاثي" المتمثل في تغير المناخ، إذ يكون المتضررون أكثر من غيرهم، ولكنهم يساهمون بأقل قدر ممكن، ويواجهون في بعض الأحيان أيضاً عبئاً إضافياً ناجماً عن الاستجابات لظاهرة الانحباس الحراري العالمي التي تزيد تفاقم أوضاعهم.

وعلى الرغم من كون تغير المناخ تحدياً عالمياً يؤثر في كل ركن من أركان الأرض، إلا أن المجتمعات الضعيفة، على الصعيدين المحلي والعالمي، تتحمل عبئاَ غير متناسب من عواقب تغير المناخ. ويشكل هذا التفاوت جانباً حاسماً في المفهوم الأوسع للعدالة المناخية. 

فتلك المجتمعات، والتي تعيش غالباً في المناطق الساحلية المنخفضة أو المناطق المعرضة للطقس المتطرف، هي أكثر عرضة للآثار المدمرة لتغير المناخ، خاصة بعد أن أصبحت الأعاصير والفيضانات وحرائق الغابات أكثر تواتراً وشدة.

وتؤدي تلك الظواهر إلى نزوح سكان تلك المناطق وإلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية والمنازل، ويمكن أن يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم المشكلات الصحية، خاصة بالنسبة لأولئك الذين يعيشون في المجتمعات الضعيفة. 

 وتؤثر أنماط الطقس المتغيرة على انتشار أمراض مثل الملاريا وحمى الضنك، وقد يكون لدى هذه المجتمعات قدرة محدودة على الوصول إلى الرعاية الصحية والموارد اللازمة للتكيف مع مثل هذه التحديات.

وفي المجتمعات الزراعية، خاصة في البلدان النامية، يتعرض السكان لخطر أكبر بسبب تغير المناخ. فمن الممكن أن تؤدي أنماط الطقس المتغيرة والجفاف والفيضانات إلى تعطيل إنتاج المحاصيل وتهديد الأمن الغذائي، ما يؤدي إلى سوء التغذية والجوع، خاصة بين أولئك الذين يعيشون بالفعل على حافة الفقر.

وغالباً ما تفتقر المجتمعات الضعيفة إلى إمكانية الوصول إلى مصادر المياه النظيفة والموثوقة، ويمكن أن يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم ندرة المياه من خلال فترات الجفاف الطويلة أو تغير أنماط هطول الأمطار، ما يزيد من فرص الحصول على مياه الشرب الآمنة وخدمات الصرف الصحي.

وتؤكد مبادئ العدالة المناخية أن تغير المناخ يساهم في تفاقم عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية القائمة بالفعل خاصة في المجتمعات ذات القدرة المحدودة على الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية والتمثيل السياسي، ما يجعل من الصعب عليها التكيف مع الظروف المتغيرة والدفاع عن حقوقها.

عوامل تاريخية

ساهمت مجموعة كبيرة من العوامل التاريخية في التفاوت الحالي في التعرض لتغير المناخ، فخلال عصر الاستكشاف والاستعمار، أنشأت القوى الاستعمارية الأوروبية إمبراطوريات واسعة امتدت عبر العالم تضمنت استغلال الموارد الطبيعية للأراضي المستعمرة، واستخرجت الأخشاب والمعادن وغيرها من الموارد القيمة، ما أدى إلى التدهور البيئي وإزالة الغابات.

وكثيراً ما أدى الاستعمار إلى تجريد المجتمعات الأصلية والمحلية -والتي لطالما كانت لديها معرفة بالممارسات المستدامة للبيئة- من أراضي أجدادها. وطبقت أنظمة العمل القسري، مثل العبودية والعبودية القسرية، لاستخراج الموارد، ما أدى إلى زيادة تعطيل النظم البيئية والمساهمة في التدهور البيئي.

وحصدت المؤسسات الاستعمارية أو النخب الحاكمة الأرباح الناتجة عن استخراج الموارد، وتركت المجتمعات الأصلية والمحلية فقيرة ومهمشة. 

وساهمت الثورة الصناعية في الاستخدام واسع النطاق للوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط والغاز الطبيعي، والتي تعد من المساهمين الرئيسيين في انبعاثات الغازات الدفيئة، وأصبحت البلدان التي بدأت التصنيع في وقت مبكر مصدراً رئيسياً للانبعاثات، ما ساهم بشكل كبير في المستويات الحالية لثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. 

واكتسبت الدول الصناعية ميزة تكنولوجية واقتصادية على بقية العالم أتاحت لها التحكم والتأثير في تطوير التكنولوجيا والسياسات المتعلقة بالطاقة والنقل والممارسات الصناعية، في الوقت الذي كافحت فيه الدول النامية للوصول إلى هذه التكنولوجيا وتنفيذ اللوائح البيئية بفعالية.

وبالتالي أصبحت الدول الصناعية مسؤولة عن حصة كبيرة من انبعاثات الكربون التاريخية التي أدت إلى تغير المناخ، وتحملت الدول النامية العبء الأكبر من التأثيرات الناتجة، مثل الأحداث المناخية المتطرفة، وارتفاع مستوى سطح البحر، وتعطل الزراعة.

فوارق اقتصادية

تتقاطع الفوارق الاقتصادية بشكل كبير مع تغير المناخ، ما يؤثر في الوظائف والدخل والوصول إلى الموارد، فغالباً ما يعمل السكان الضعفاء، خاصة في المجتمعات ذات الدخل المنخفض والدول النامية، في قطاعات شديدة الحساسية لتغير المناخ، مثل الزراعة وصيد الأسماك والعمل اليدوي. ومن المرجح أن تتأثر هذه الوظائف بتغير أنماط الطقس، والظواهر الجوية المتطرفة، والتدهور البيئي.

ويمكن أن يؤثر تغير المناخ على عدم المساواة في الدخل عن طريق الحد من إمكانات الكسب للعاملين في وظائف منخفضة الأجر ودفع المجتمعات الضعيفة إلى مزيد من الفقر، وغالباً ما تكون المجتمعات الفقيرة أكثر عرضة لمخاطر المناخ ولديها قدرة محدودة على التكيف؛ في الوقت الذي يتمتع فيه الأفراد والمجتمعات الأكثر ثراء بقدرة أكبر على الوصول إلى الموارد التي يمكن أن تخفف آثار تغير المناخ، مثل التغطية التأمينية، والرعاية الصحية، والبنية التحتية الموثوقة وتكاليف التحرك من أماكن إقامتهم أو التكيف بسهولة أكبر.

حلول العدالة المناخية

يرى أنصار العدالة المناخية أن التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة والممارسات المستدامة يمكن أن يساهم في خلق فرص عمل جديدة في قطاعات مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وكفاءة الطاقة، والبنية التحتية الخضراء. 

ويدعون إلى استخدام العمل المناخي كفرصة لتنفيذ سياسات اقتصادية أكثر إنصافاً، مثل زيادة الحد الأدنى للأجور، وبرامج التدريب الوظيفي، وحماية العمال. 

ويمكن لآليات تسعير الكربون، مثل ضرائب الكربون أو أنظمة مقايضة الكربون، أن تساعد على تقليل الانبعاثات مع توليد الإيرادات مع إعادة توزيع هذه الأموال لصالح المجتمعات المحرومة، وهو الأمر الذي يمكن أن يعزز العدالة المناخية من خلال معالجة الفوارق الاقتصادية.

وتهدف العدالة المناخية أيضاً إلى تمكين المجتمعات المحلية من تطوير وتنفيذ الحلول المناخية في صورة مبادرات تشمل الإسكان الموفر للطاقة، والحدائق المجتمعية، وبرامج الاستعداد للكوارث. 

ويتطلب تعزيز العدالة المناخية اتباع نهج شامل يعالج نقاط الضعف الفريدة للمجتمعات المحرومة مع تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة وتعزيز الممارسات المستدامة على نطاق عالمي. 

تصنيفات

قصص قد تهمك