تخيَّل معرضاً صناعياً ضخماً، يضم عشرات المؤتمرات السياسية المتزامنة، والقليل من مشاهد الاحتجاجات الحماسية، وتدافع حشد لإلقاء نظرة على أحد المشاهير المعنيين بتغير المناخ.
هذا هو المشهد المتوقع في مؤتمر الأمم المتحدة السنوي المعني بتغير المناخ، الذي انطلق، الخميس، ويستمر حتى 12 ديسمبر في مدينة دبي الإماراتية.
ومن المنتظر أن يشارك في مؤتمر COP 28، هذا العام، أكثر من 180 من رؤساء الدول والحكومات و70 ألف شخص من حوالى 200 دولة.
مراسم الافتتاح
أمضت الإمارات العام الماضي في وضع الأساس الدبلوماسي لمؤتمر هذا العام، لكنها ستتولى رئاسة المؤتمر رسمياً خلال الجلسة الافتتاحية التي تتضمن كلمات ترحيب وإقرار إجراءات ومهام المؤتمر.
أحد هذه الإجراءات ستكون الموافقة على جدول الأعمال الرسمي. وقد تكون هذه لحظة مهمة إذا أُدْرِجَت قضية جديدة وحيوية في قائمة مهام المؤتمر كما حدث في COP 27.
وخلال الأيام القليلة الأولى يتوجه الزعماء لحضور ما يسمى "الشق رفيع المستوى"، الذي يتضمن إلقاء خطابات متتالية في القاعة العامة الرئيسية بمكان انعقاد المؤتمر. وغالباً ما يتجاوزون الحد الزمني المحدد بثلاث دقائق.
ويتحدث القادة أيضا خلال الفعاليات الثانوية، أو المؤتمرات الصحفية، أو مع بعضهم البعض، في لقاءات ثنائية، حول ما يرون أنه يجب على المؤتمر تحقيقه.
والهدف من هذا الحراك هو تعزيز الطموحات ووضع المؤتمر على المسار الصحيح.
"المنطقة الزرقاء"
تضم "المنطقة الزرقاء" المخصصة لإجراء هذه المحادثات الرسمية، وحلقات النقاش أيضاً، أجنحة للدول، أو مكاتب مؤقتة لكل وفد وطني مشارك في المؤتمر.
ويتم تزيين بعض هذه الأماكن، أو تجهيزها بأدوات ترويجية؛ حيث تستخدم البلدان المشاركة هذه المساحات لعقد اجتماعات، بهدف التواصل فيما بينها، أو الترويج للعلامات التجارية الوطنية، أو للمشاريع. ويمكن للمشاركين المعتمدين فقط دخول هذه المنطقة.
وتضم منطقة أخرى، يُطلَق عليها اسم "المنطقة الخضراء"، مقصورات مخصصة للعرض تديرها شركات ومجموعات غير هادفة للربح، ونشطاء معنيون بشؤون المناخ من جميع أنحاء العالم.
وفي هذه المساحة الشبيهة بالمستودعات والمفتوحة للعامة المسجلين في قائمة الحضور، يمكن للمرء بسهولة الحصول على قهوة مجانية، أو الاستماع إلى عروض مبيعات من جنسيات متعددة، أو الاستمتاع بعرض ثقافي من سكان منطقة الأمازون الأصليين.
الغرف الخلفية
وبينما يظهر الزعماء وجماعات الضغط أمام الجمهور، تغيب الوفود الوطنية، التي تضم وزراء وموظفين حكوميين، عن الأنظار للتفاوض على تفاصيل الاتفاق النهائي للقمة.
ويشكل كل بند من بنود جدول الأعمال مساراً تفاوضياً منفصلاً، ويُتَعَامَل معه على نحو متزامن، من خلال مجموعات عمل مختلفة. وتهدف هذه الجهود، التي تشكل معظم الآليات الرامية إلى معالجة تغير المناخ، إلى إحراز تقدم تدريجي من عام لآخر.
ويجب إقرار الاتفاقات بتوافق الآراء، وقد يكون التوصل إلى هذا التوافق بإجماع قرابة 200 دولة بطيئاً، ليأخذ المؤتمر شكلاً محدداً في الفعاليات العامة، يضع القائمون عليه موضوعات لكل يوم، تتناول طائفة كبيرة من القضايا المتعلقة بالمناخ.
وتشمل موضوعات هذا العام كل شيء بداية من تمويل المناخ والتعليم إلى الشباب والطبيعة والصحة العامة. وفي منتصف القمة في 7 ديسمبر، حدد المنظمون "يوم راحة" تتوقف فيه البرامج الرسمية مؤقتاً.
لكن وفود الدول في أحيان كثيرة تستمر في مفاوضات مغلقة خلال ذاك اليوم، ويواصل قادة قطاع الصناعة، والمنظمات غير الربحية المشاركة في فعاليات جانبية.
مفاوضات مجموعات العمل
في منتصف القمة تقريباً، تبدأ رئاسة COP 28 العمل على مسودة اتفاق نهائي لرصد التقدم الذي حققته مفاوضات مجموعات العمل، والتعهدات المقدمة في الجلسة العامة.
وصياغة مسودة الاتفاق هي المرحلة التي تتمتع فيها رئاسة دولة الإمارات بأكبر قدر من النفوذ.
وفي هذه المرحلة، تظل الانقسامات قائمة، وتبدأ البلدان في تبادل الضغط للحصول على دعم، أو تساوم على تنازلات. وغالباً ما يلتمس المفاوضون، الذين وصلوا إلى طريق مسدود، توجيهات أو تفويضات جديدة من حكوماتهم، وينضم وزراء إلى المناقشات.
الصراع مع الزمن
تجري المفاوضات النهائية من أجل التوصل لاتفاق للقمة، أو "قرار ختامي"، خلال اليومين الأخيرين من المؤتمر، ويتحول التركيز إلى مقدار ما يمكن تحقيقه قبل إعلان انتهاء المؤتمر في الجلسة العامة النهائية.
والقرار الختامي هو في الأساس بيان يحدد الاتفاقات السياسية رفيعة المستوى حول القضايا الرئيسية، ويجسِّدُ ما حققته القمة والأهداف العريضة التي اتفقت كل دولة على تحقيقها.
ختام مؤتمرات المناخ
في الأيام الأخيرة غالباً ما يتنحى التفاؤل بالتوصل لقرار ختامي جانباً ليفسح الطريق أمام واقع المواقف الراسخة، ويستلزم الأمر يوماً إضافياً، أو يومين، للتوصل إلى اتفاق.
واستطال أمد عدد من مؤتمرات السابقة، ومنها COP 27 العام الماضي، بعد انفضاض المعارض، وانصراف جماعات الضغط والناشطين، ولم يتبق سوى المفاوضين والصحافيين وعمال النظافة.
والنهاية قد تصبح أحيانا مفعمة بالأحداث المثيرة. ففي COP 26 حمي وطيس مداخلات وتنازلات في اللحظة الأخيرة أمام كاميرات الأخبار في قاعة الجلسات العامة.
لكن قد تحل النهاية أيضاً بسرعة ودون تمهيد؛ ففي COP 27، كان المؤتمر مضنياً، واختُتم باتفاق في آخر الليل لم يتيسر سوى القليل من الوقت لقراءته.
ويمثل الإعلان عن نهاية المؤتمر، وتبني قرار ختامي، ذروة مفعمة بالمشاعر، لكن هناك اتفاقيات أخرى أصغر يتم التصديق عليها بعد ذلك، وتتم الموافقة رسمياً على نتائج كل مجموعة عمل. ثم يعود الجميع إلى ديارهم ليحصلوا على قسطٍ من الراحة.