بعد ما يقرب من أسبوعين من المباحثات الماراثونية، أثمر مؤتمر الأطراف cop 28 في دبي، عن اتفاق تاريخي نص على التحول عن الوقود الأحفوري، وإقرار صندوق الخسائر والأضرار لتعويض الدول الأكثر تضرراً من آثار تغير المناخ، وكذلك تعهدات بنحو 84 مليار دولار خلال أسبوعه الأول.
صندوق الخسائر والأضرار
في يومه الأول، أقر المؤتمر رسمياً اتفاقاً بشأن تشغيل صندوق "الخسائر والأضرار" لتعويض الدول الأكثر تضرراً من تداعيات التغير المناخي، وهو الأمر الذي كان العالم قد توصل إلى اتفاق مبدئي بشأنه في COP 27 في مدينة شرم الشيخ المصرية.
وبحلول آخر أيام المؤتمر بلغ حجم التعهدات للصندوق 792 مليون دولار، وتعهدت الولايات المتحدة 17.5 مليون دولار، واليابان بـ10 ملايين دولار، وبريطانيا بـ60 مليون جنيه إسترليني، أي ما يقرب من 76 مليون دولار، وألمانيا بـ100 مليون دولار، والإمارات بـ100 مليون دولار.
وتقوم فكرة صندوق "الخسائر والأضرار" على جمع مبالغ مالية من الدول الكبرى المسؤولة بالنسبة الأكبر عن التغير المناخي الناتج عن عمل المصانع والتلوث واستهلاك البيئة، ليتم دفعها إلى الدول الفقيرة الأكثر تضرراً من تداعيات التغير المناخي، علماً أنها الأقل تسبباً للتلوث.
تعهدات شركات النفط
وشهد اليوم الثالث للمؤتمر، تعهداً مفاجئاً من شركات النفط، إذ أعلنت الرئاسة الإماراتية للمؤتمر أن 50 شركة عالمية في قطاع النفط والغاز، تمثل 40% من الإنتاج العالمي، تعهدت بالحد من انبعاثات الميثان، وهو أحد أكثر الغازات المسببة للاحتباس الحراري خطورة، لتصل إلى الصفر تقريباً، بحلول عام 2030، ووقف حرق الغاز الطبيعي بشكل روتيني.
وتعهدت الشركات بالتخلص من الكربون في عملياتها الإنتاجية بحلول عام 2050، وهو إعلان يتعلق بعملية إنتاج النفط نفسه، وليس بالنفط الذي تبيعه.
وشمل التعهد شركات مثل "أرامكو السعودية"، و"شركة بترول أبوظبي الوطنية" (أدنوك)، و"بتروبراس" البرازيلية، و"سونانجول" من أنجولا، وشركات متعددة الجنسيات مثل "شل" و"توتال إنرجيز" و"بي بي".
إعلان "المناخ والإغاثة والتعافي والسلام"
وفي اليوم الرابع للمؤتمر، أعلنت رئاسة المؤتمر توقيع 70 حكومة و39 مؤسسة على إعلان "COP 28" بشأن المناخ والإغاثة والتعافي والسلام، الذي يمثل التزاماً جماعياً بزيادة الاستثمار ودعم إجراءات تعزيز المرونة المناخية في الدول والمجتمعات الأكثر عُرضة للصراعات وتداعيات تغير المناخ.
وأكد المدير العام والممثل الخاص لرئاسة دولة الإمارات لمؤتمر الأطراف ماجد السويدي على أهمية الإعلان، إذ تؤثر تداعيات تغير المناخ على جميع البشر بشكل متفاوت من مجتمع لآخر، وتقع أضرار الظواهر الجوية القاسية في البيئات الضعيفة والمتأثرة بالصراعات على 3 أمثال عدد الأفراد سنوياً مقارنة بالدول الأخرى، ويضاف إلى ذلك أن من يعيشون في دول نامية وضعيفة يحصلون على 1.25% من التمويل المناخي، مقارنة بمن يعيشون في غيرها.
خطط للطاقة المتجددة في السعودية
وفي اليوم نفسه، أعلن وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، أن المملكة تخطط لطرح مشروعات طاقة متجددة بقدرة 20 جيجا وات في 2024، وذلك بعدما ضاعفت إنتاجها من الطاقة المتجددة 4 مرات من 700 ميجا وات إلى 2.8 جيجا وات الآن.
وقال الوزير في كلمة مسجلة خلال افتتاح منتدى "مبادرة السعودية الخضراء"، إن هناك مشروعات بقدرات تتجاوز 8 جيجا وات قيد الإنشاء في السعودية، ومشروعات بحوالي 13 جيجا وات بلغت مراحل مختلفة من التطوير.
اتفاقية نووية بين الإمارات وبيل جيتس
وفي اليوم السادس للمؤتمر، أعلن عن اتفاق مؤسسة الإمارات للطاقة النووية، وشركة "تيرا باور" للمفاعلات النووية المتقدمة المملوكة لبيل جيتس، على دراسة التطوير المحتمل للمفاعلات المتقدمة في الإمارات والخارج، ومن المفترض أن تكون المفاعلات المتقدمة أصغر حجماً وأسهل في البناء وأكثر ديناميكية من المحطات التقليدية.
وجاءت مذكرة التفاهم مع سعي الإمارات لتوسيع قدراتها في مجال الطاقة النووية، وتعهدت أكثر من 20 دولة في مؤتمر المناخ (COP 28) بزيادة نشر المفاعلات النووية 3 أضعاف هذا العقد لمكافحة تغير المناخ.
وقال محمد الحمادي، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لمؤسسة الإمارات للطاقة النووية (المملوكة للدولة)، خلال حفل التوقيع، إن الإمارات تتطلع إلى مستقبل للإلكترونات والجزيئات النظيفة التي ستُحَوَّل إلى واقع ملموس من خلال المفاعلات المتقدمة.
وقال كريس ليفيسك، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة تيرا باور، إن "جلب التقنيات النووية المتقدمة إلى السوق أمر بالغ الأهمية لتحقيق الأهداف العالمية لإزالة الكربون".
272 مليار دولار للتمويل الأخضر
وفي اليوم السادس للمؤتمر، أعلن رئيس اتحاد مصارف الإمارات عبد العزيز الغرير تعهد بنوك إماراتية بحشد نحو تريليون درهم (أكثر من 272 مليار دولار) للتمويل الأخضر والمستدام بحلول عام 2030، وذلك في إطار الخطة الوطنية للتنمية المستدامة لدولة الإمارات، وقال: "هدفنا يتماشى مع أجندة حكومة الإمارات في مجال المناخ وعام الاستدامة".
وأعلن الصندوق العربي للطاقة (أبيكورب سابقاً)، خلال المؤتمر، أنه يعتزم استثمار مليار دولار في تقنيات إزالة الكربون على مدى الخمس سنوات المقبلة. ويركز الصندوق، وهو مؤسسة مالية متعددة الأطراف، على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
خطة للاندماج النووي
وأطلق المبعوث الأميركي الخاص للمناخ جون كيري خطة مشاركة دولية بشأن تكنولوجيا الاندماج النووي الواعدة التي يأمل العلماء أن تشكل ثورة في مجال الطاقة مستقبلاً، وتشمل الخطة 35 دولة، وتركز على البحث والتطوير وقضايا سلسلة التوريد والتنظيم.
وقال كيري، إن الخطة شملت 35 دولة، وتركز على البحث والتطوير وقضايا سلسلة التوريد والتنظيم. وأضاف: "هناك إمكانية تطبيق تكنولوجيا الاندماج النووي لتحقيق تغيير جذري في عالمنا".
وفي حين أن تكنولوجيا الاندماج النووي لا تزال في مرحلة التطوير، إلّا أن الاندماج يمكن أن يصب بالنفع على محطات الانشطار النووي الحالية، من خلال إنتاج كميات هائلة من الطاقة بدون نفايات مشعة طويلة الأمد.
ووقعت بريطانيا والولايات المتحدة في الثامن من نوفمبر، اتفاقية تعاون بشأن الاندماج النووي.
تعهدات التمويل
بحلول اليوم السابع، أعلنت رئاسة COP 28 أن المؤتمر حصل على تعهدات قيمتها أكثر من 83.38 مليار دولار خلال الأيام الستة الأولى. وتشمل التعهدات 6.8 مليار دولار لقطاع الطاقة، و61.8 مليار للتمويل المناخي، و8.5 مليار دولار لحماية الحياة وتحسين سبل العيش، و1.7 مليار دولار لاحتواء الجميع، و3.5 مليار دولار لصندوق المناخ الأخضر، و726 مليون دولار للصندوق العالمي المختص بالمناخ ومعالجة التداعيات "الأضرار والخسائر".
وبنهاية المؤتمر زادت تعهدات حماية الحياة وتحسين سبل العيش إلى 8.9 مليار دولار، وصندوق الأضرار والخسائر إلى 792 مليون دولار.
أكبر مشروع للطاقة الشمسية
وفي اليوم السابع للمؤتمر، أطلق نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء الشيخ محمد بن راشد أكبر مشروع للطاقة الشمسية المركّزة على مستوى العالم، ضمن المرحلة الرابعة من "مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية" بدبي، بشراكة سعودية صينية.
وقال الشيخ محمد بن راشد خلال مراسم التدشين: "دولة الإمارات تتبنى رؤية واضحة وأهدافاً محددة للتحوّل إلى واحدة من أكثر دول العالم استدامة، وهو ما يتضح في إطلاقها مشاريع نوعية للطاقة النظيفة والمتجددة بحلول مبتكرة تدمجها في مختلف المجالات الاقتصادية.. ومجمع الطاقة الشمسية يعكس التزامنا بتأسيس بنية تحتية عالمية المستوى تحقق أهداف الاستدامة، وتضع أسساً متينة لمستقبل صديق للبيئة".
إعلان نوايا في إنتاج الهيدروجين
وأعلنت رئاسة مؤتمر الأطراف للمناخ "COP 28" أن 39 دولة وقعت على إعلان النوايا بشأن التعاون في مجال إنتاج الهيدروجين لمتابعة الاعتراف المتبادل بخطط اعتماد الهيدروجين.
وقال وزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي سهيل محمد المزروعي في كلمة خلال المناقشات، إن سعر الهيدروجين لا يزال يشكل "تحدياً".
وأشار إلى الحاجة الماسة لتوفير الهيدروجين بتكلفة معقولة، مضيفاً: "إذا تعذر توفيره بكلفة معقولة، فإننا لا نحقق الاستراتيجية.في دولة الإمارات، لدينا استراتيجية مخصصة بشأن الهيدروجين، وفي المقام الأول الهيدروجين الأخضر والهدف هو توفيره بالسعر المناسب".
مساعدات أميركية
وعدت رئيسة الوكالة الأميركية للتنمية والمساعدات الإنسانية (USAID) سامانثا باور بتقديم دعم لنحو 23 مدينة نامية في مواجهة تغير المناخ، إضافة إلى تمويل جديد بأكثر من ملياري دولار من أجل التكيف يقدمها القطاع الخاص.
وتعهدت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بتقديم 53 مليون دولار لمساعدة 23 مدينة في البلدان النامية على التحول إلى الأنشطة منخفضة الكربون، والمقاومة للتغير المناخي مثل السيارات الكهربائية.
وتشمل هذه المدن العاصمة القيرغيزية بيشكيك، ومدينة راجكوت في غرب الهند، ومبومبيلا في جنوب إفريقيا، وهيرموسيلو وميريدا في المكسيك.
وتعد المناطق الحضرية في العالم مسؤولة عن ثلاثة أرباع إجمالي انبعاثات الكربون. وأعلنت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أيضاً عن مبلغ إضافي قدره 2.3 مليار دولار من استثمارات القطاع الخاص، سيجري تمويله كجزء من مبادرة الرئيس الأميركي جو بايدن لمشاريع أنظمة الإنذار المبكر، والبنية التحتية الغذائية المقاومة لتغير المناخ والمنتجات المالية الجديدة.
مناقشات الساعات الأخيرة
وقبل يوم من الموعد الرسمي لانتهاء المؤتمر، نشرت هيئة المناخ التابعة للأمم المتحدة، مسودة للاتفاق النهائي بشأن التعهدات والالتزامات المناخية للأطراف، وسط إحباط خبراء ونشطاء رأوا حينها أن المسودة ليست كافية.
ونصت المسودة، التي عرضتها الرئاسة الإماراتية للمؤتمر، على الدعوة إلى "خفض استهلاك وإنتاج الوقود الأحفوري" المسؤول عن القسم الأكبر من الانبعاثات الملوثة المسببة للاحترار العالمي.
لكن المسودة لم تستخدم كلمة "التخلص" من النفط أو الغاز أو الفحم التي تمثل مصادر للغازات الدفيئة، ومثلت خطاً أحمر بالنسبة للعديد من الأطراف المشاركة في مفاوضات دبي.
وهذه هي المادة الوحيدة المتعلقة بمستقبل استخدام الوقود الأحفوري، الواردة في مسودة الاتفاق النهائي، ضمن 8 إجراءات يمكن للدول الاختيار بينها بهدف تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري.
نقاشات وخلافات أخيرة قبل خط النهاية
سبق الإعلان النهائي، نقاشات ماراثونية أدت إلى تمديد فترة المؤتمر، وقبل ساعات على إعلان التوصل للاتفاق التاريخي، وبعد ساعات على انتهاء الموعد الرسمي للمؤتمر في 11 صباح الثلاثاء، بالتوقيت المحلي، أعلن مسؤولون أن مسودة اتفاق تدعو دول العالم إلى تحول سريع بعيداً عن الوقود الأحفوري، تقترب من الحصول على توافق، مع اقتراب المحادثات من نهايتها.
وشكل النص الذي اعتبر نصاً "مساوماً" حينها، تأكيداً أكثر قوة على الالتزام العالمي بكبح انبعاثات الغازات الدفيئة، مع الابتعاد عن الوعود التي أثارت استقطاباً كبيراً، عبر دعوتها إلى التخلي كلياً عن الوقود الأحفوري، والتي لاقت انتقادات من الدول المنتجة للنفط.
وكانت المسودة أكثر وضوحاً عن نسخة سابقة، نشرت مساء الاثنين، ولم تلزم الدول بخطوات محددة، مثل مضاعفة الطاقة المتجددة 3 أمثال، وتعزيز كفاءة الطاقة، وبدلاً من ذلك، منحت الدول الخيار الذي "قد يتخذونه".
ونصت المسودة، على أن الدول "يجب" أن تتخذ هذه الخطوات، بدلاً من اللغة السابقة التي كانت تنص على أن الدول "بإمكانها" اتخاذ تلك الخطوات.
"اتفاق تاريخي"
أعلنت رئاسة مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمناخ COP 28، الأربعاء، تبني دول العالم بالتوافق، أول اتفاق من نوعه يدعو إلى التحوّل عن الوقود الأحفوري، بما يشمل النفط والفحم والغاز، ووسط ترحيب وتأييد عالمي.
وعند افتتاح رئيس المؤتمر سلطان الجابر، الجلسة العامة الختامية، أقرت 197 دولة بالقرار الذي أعدّته الإمارات وقوبل ذلك بتصفيق حار من الحاضرين، فيما وصفه الجابر بأنه قرار "تاريخي لتسريع العمل المناخي".
وأضاف الجابر مخاطباً مندوبي الدول: "عملنا بجد في ساعات الليل المتأخر وصباح الأربعاء، معاً بشكل جماعي للتوصل إلى التوافق، حيث أصغت الرئاسة ووجهت، وأنا وعدت بأني سأكون إلى جانبكم بكل خطوة، أنتم ارتقيتم للمستوى المطلوب، وأظهرتم المرونة ووضعتم المصالح المشتركة قبل المصالح الفردية".
وتابع: "سافرنا وقطعنا المسافات معاً خلال الأسبوعين الماضيين، إذ عملنا بجد لتأمين مستقبل أفضل لكوكبنا. يجب أن نفتخر بهذه الإنجازات التاريخية التي حققناها. الإمارات تفتخر بمساعدتكم على الانتقال إلى الأمام. لنتحد ونعمل الآن".
النظر للمستقبل: عصر جديد لاتفاقية باريس
عملت المناقشات على تحسين إطار الشفافية في مؤتمر الأطراف COP 28 والذي أذن بـ"عصر جديد" من تنفيذ التزامات اتفاقية باريس، كما وصفته الأمم المتحدة.
وتعمل الأمم المتحدة على تطوير آليات شفافة للإبلاغ والمراجعة يمكن للأطراف استخدامها، وستصبح هذه الأدوات التي تتيح قياس التقدم المحرز في مكافحة التغير المناخي، متاحة للأطراف بحلول يونيو 2024.
ومن المقرر أن تستضيف أذربيجان COP 29 بين 11 و22 نوفمبر 2024، وستستضيف البرازيل COP 30 بين 10 إلى 21 نوفمبر 2025، حسب ما توافقت الأطراف في دبي.
وتعتبر الأمم المتحدة أن العامين المقبلين سيكونان حاسمين، ورأت أن الحكومات يجب أن تضع هدفاً جديداً لتمويل مكافحة التغير المناخي "يعكس حجم الضرورة الملحة لتحديات المناخ".
وقالت إنه في COP 30، يجب أن تكون الحكومات مستعدة بمساهمات على الصعيد الوطني تغطي اقتصاداتها، وكل مصادر انبعاثات الغازات الدفيئة فيها، لتكون متلائمة مع مسار الحفاظ على الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية.