من بين أكثر من 20 ألف فلسطيني قتلهم الجيش الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر الماضي في قطاع غزة، بخلاف المفقودين، تم تسجيل 97 صحافياً بين ضحايا الغارات التي تشنها إسرائيل، إلى جانب 31 معتقلاً، حتى الخميس الماضي 21 ديسمبر، ما تعتبره منظمات معنية بالعمل الصحافي "استهدافاً متعمداً لمنع وصول الحقيقة إلى العالم".
وأعدت نقابة الصحافيين الفلسطينيين قائمة بأسماء الضحايا، وجهات عملهم، وأماكن وكيفية قتلهم، والتي كان أغلبها استهدافاً لمنازل الصحافيين، أو مقرات الصحف ووكالات الأنباء.
وشددت النقابة على أن الصحافيين الذين لقوا حتفهم في قصف بيوتهم "قٌتلوا؛ لأنهم صحافيون وليس بالخطأ"، معتبرة أن "كل الجرائم بحق الصحافيين تنفذ بشكل ممنهج وبقرار رسمي من حكومة الاحتلال".
وأشادت النقابة بقرار اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي للصحافيين الذي صدر في في نهاية نوفمبر، بالتوجه مرة أخرى إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة ومحاكمة قادة الاحتلال على جرائمه بحق الصحافيين.
وأوضحت أنها أعدت ملفها القانوني في كل الجرائم المرتكبة بحق الصحافيين في غزة وفلسطين بشكل عام، مشيرة إلى أنها بدأت مرحلة إعداد الملف والمشاورات القانونية مع محامي النقابة، والاتحاد الدولي لتقديم الشكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية "التي لا زالت تتلكأ في إعلان فتح التحقيق في الشكاوى المقدمة".
ونشرت النقابة قائمة تضم 44 صحافياً اعتقلتهم قوات الاحتلال منذ 7 أكتوبر، موضحة أنها أفرجت عن 13 منهم بعد قضاء فترات زمنية مختلفة، وبقي منهم رهن الاعتقال حتى الآن 31 صحافياً، إضافة إلى 15 معتقلون قبل 7 أكتوبر.
والخميس، قالت لجنة حماية الصحافيين ومقرها الولايات المتحدة، إن الأسابيع العشرة الأولى من الحرب هي "الأكثر دموية على الإطلاق" بالنسبة للصحافيين، جراء قتل أكبر عدد منهم خلال عام واحد في مكان واحد.
وأعلنت اللجنة عزمها مواصلة التحقيق في ظروف قتل جميع الصحافيين، لافتة إلى أن جهودها في غزة تعطلت بسبب دمار أنحاء واسعة وقتل أفراد أسر الصحافيين الذين غالباً ما يمثلون مصادر للمحققين لمعرفة كيفية قتل أبنائهم.
وقالت اللجنة إن الصحافة في غزة "قُيدت بشكل حاد تحت وطأة القصف الإسرائيلي المكثف مع تكرر انقطاع الاتصالات ونقص الأغذية والوقود والمأوى"، مؤكدة أن صحافيين أجانب لم يتمكنوا من الوصول بشكل مستقل إلى القطاع في أغلب وقت الحرب.
وأفاد تقرير أصدرته اللجنة في مايو الماضي، بأن الجنود الإسرائيليين قتلوا ما لا يقل عن 20 صحافياً في الـ22 عاماً الماضية، وأن أحداً لم يُتهم أو يُحاسب مطلقاً.
تهديد بالقتل
المصور الصحافي الفلسطيني مصطفى الخاروف، الذي يعمل لصالح وكالة أنباء "الأناضول" التركية، وتعرض لاعتداء عنيف على يد أفراد شرطة حرس الحدود الإسرائيلي في القدس الشرقية أثناء عمله في توثيق الاحتجاجات بعد صلاة الجمعة، روى جانباً مما يتعرض له الصحافيون.
قال الخاروف إنه تلقى عدة لكمات، وتم تقييده ومحاولة خنقه باستخدام بندقية، كما تعرض لركلات متكررة على رأسه، ووصل الأمر إلى حد أن أحد أفراد الشرطة هدده بالسلاح قبل أن يقترب منه، على الرغم من أن مصطفى كان يحمل آلتي تصوير، ويتحدث بوضوح عن هويته كمصور صحافي.
وروى المصور فايز أبو رميلة لـ"الشرق"، كيف تعرّض للاعتداء هو وزميله مصطفى الخاروف، موضحاً أنهما توجها إلى منطقة وادي الجوز لمتابعة ما يجري في المنطقة التي كان بها تجمعاً من الناس، لكن الشرطة أوقفتهما وطلبت منهما العودة، ثم فجأة انهالوا على مصطفى بالضرب مستخدمين أيديهم وأرجلهم، وهددوا باعتقالهما، ورفعوا السلاح في وجهيهما من مسافة متر.
ورداً على هذا الحادث، أعربت منظمة الصحافيين والصحافيات الإسرائيلية عن صدمتها، مطالبة بفتح تحقيق فوري في الحادث وتوقيف المتورطين من أفراد الشرطة، وقالت في بيان: "نشعر بالصدمة إزاء الاعتداء العنيف الذي تعرض له عضو المنظمة، مصطفى الخاروف، من قبل شرطة حرس الحدود أثناء تغطيته صلاة الجمعة في القدس الشرقية، وهذا هو الاعتداء الـ 37 الذي يتعرض له الصحافيون العرب منذ بداية الحرب، في حين أن معظم الاعتداءات نفذتها قوات الأمن".
وأضافت: "الحديث عن واقع يضر بشكل كبير حرية الصحافة وقدرة الصحافيين على أداء عملهم. نطالب بقوة أن تفتح الشرطة تحقيقاً فورياً في الحادث الخطير، وتوقيف الضباط المتورطين فوراً، ومنعهم من أي منصب تنفيذي حتى نهاية التحقيقات".
حوادث متكررة وتبريرات حكومية
وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن جفير، قال في منشور عبر منصة "إكس"، إنه سيتم إعادة العناصر المتورطين إلى الخدمة بعد فترة تعليق قصيرة.
وأضاف: "تحدثت هذا المساء مع أحد مقاتلي حرس الحدود، وهو ضابط بارز يشتبه في قيامه بالاعتداء على مصور مؤيد لحركة (حماس) في القدس الشرقية، الجمعة الماضي. وشددت على يده، وأبلغته بأنني سأعمل على إعادته إلى النشاط العملياتي فور انتهاء فترة تعليقه عن العمل لمدة 9 أيام التي فرضتها إدارة تحقيقات الشرطة".
واعتبر بن جفير، أنه "لا يجب أن نحكم على المقاتلين في هذه الظروف".
وأثار هذا التعليق رد فعل قوي من قبل منظمة الصحافيين، التي اعتبرت ذلك "تعطيلاً لعمل التحقيق وإشارة إلى قبول الاعتداء على الصحافيين". وقالت مسؤولة حرية الصحافة في المنظمة عنات ساراجوستي: "أعتقد أن هذا يُعدُّ أيضاً تعطيلاً للتحقيق الذي يجريه قسم تحقيقات الشرطة، كما أنه يوضح أنه لا بأس بالاعتداء على الصحافيين وضربهم إلى درجة دخولهم المستشفى. أعتقد أن الأمر خطير للغاية".
وأضافت في مقابلة مع "الشرق": "هو (بن جفير) لقّبهم أيضاً بداعمي (حماس)، وهم لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، وهذا في الواقع يسمح بسفك دمائهم. للأسف بن جفير يتمتع بالحصانة كونه وزيراً، فلا يمكن مقاضاته في هذا الشأن. إنه أمر مخيف، لقد أصبحوا الآن مكشوفين، ويمكن لأي شخص أن يؤذيهم ولا يمكنهم الدفاع عن أنفسهم ضد هذا التصنيف الذي وُجّه لهم بأنهم من داعمي (حماس)".
وتابعت سارجوستي: "هذه ليست المرة الأولى التي تتصرف فيها الشرطة بعنف ضد صحافيين، خاصة ضد مصورين في منطقة شرق القدس. هذه المرة كان الحادث خطيراً جداً؛ لأنه لم يكن رداً على انتهاكات للنظام، حيث لم يحدث شيء من هذا القبيل بعد صلاة الجمعة، ولا أعلم لماذا تصرفت الشرطة على هذا النحو، لكن يبقى تصرف غير لائق، إذ لا ينبغي التصرف بعنف تجاه المواطنين والصحفيين والمصورين، من المؤكد أن العنف ليس سلوكاً مقبولاً".
واعتبرت، أن قرار قائد حرس الحدود إيقاف الضباط المتورطين بالاعتداء على المصور الفلسطيني عن العمل، جيداً، مشيرةً إلى أنه "من المهم أيضاً للشرطة أن تعاقب المعتدين لردع ضباط الشرطة الآخرين عن التصرف بعنف".
وتابعت سارجوستي: "للأسف، لا تولي إدارة تحقيقات الشرطة أهمية كافية للاعتداءات على الصحافيين، ولا تعير وزناً للعنف الذي يتعرض له الصحافيون، ولا تُشدد على مسألة التحقيقات هذه الحوادث".
ولم تكن الحادثة التي تعرض لها الخاروف الأولى من نوعها، إذ اعتدت الشرطة الإسرائيلية على المصور فايز أبو رميلة الذي كان برفقته، وأبعدته بالقوة، لأنه كان المصور الوحيد في المنطقة الذي يوثق الاعتداء العنيف على زميله الخاروف.
وعرقل الجنود الإسرائيليون عمل الطواقم الصحافية القريبة، ومنعوها من الوصول إلى مصطفى للاطمئنان على حالته بعد إخراجه من مكان الحادث لتلقي العلاج.
وتعكس حادثة الاعتداء تلك خطورة التحديات التي تواجه الصحافيين خلال أداء عملهم خاصة في مدينة القدس، التي تُعتبر مكاناً خطراً لممارسة العمل الصحافي، لا سيما في ظل تصاعد الحرب.