الجوع والتشرد والخوف.. 6 حكايات فلسطينية من دفتر الأحزان في غزة

time reading iconدقائق القراءة - 12
عائلة فلسطينية في طريقها إلى رفح على أمل العثور على مكان أكثر أماناً بعد النزوح من النصيرات بسبب القصف الإسرائيلي المكثف على قطاع غزة. 23 ديسمبر 2023- AFP - AFP
عائلة فلسطينية في طريقها إلى رفح على أمل العثور على مكان أكثر أماناً بعد النزوح من النصيرات بسبب القصف الإسرائيلي المكثف على قطاع غزة. 23 ديسمبر 2023- AFP - AFP
غزةأ ف ب

حولت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة حياة سكانه إلى صراع دائم للبحث عن أبسط مقومات الحياة من طعام ومياه وحتى الحمامات.

وأودت الهجمات الإسرائيلية على القطاع بحياة أكثر من 20 ألف فلسطيني، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، كما نزح نحو 1,9 مليون فلسطيني منذ بدء الحرب، أي 85% من سكان القطاع.

ويروي فلسطينيون في قطاع غزة كيف فرضت الحرب عليهم واقعاً جديداً قوامه الجوع والتشرد والدمار.

طبيبة: لا نستحق هذه الحياة

مكثت الطبيبة نور الوحيدي (24 عاماً) 38 يوماً في مستشفى الشفاء في مدينة غزة بعد بداية الحرب، لتضطر للنزوح بعدها إلى رفح في جنوب القطاع.

وتعمل حالياً في قسم الاستقبال والطوارئ في المستشفى الكويتي في مدينة رفح.

تروي نور كيف عملت لمدة 38 يوماً متواصلاً، وتقول: "لم أذهب للبيت إطلاقاً، تمت محاصرة المستشفى، فنزحت في اليوم الـ38 (..) منذ أكثر من شهر".

تؤكد نور وجود: "اختلاف شاسع بين حياتي السابقة في بيتي حيث جميع مقومات الحياة متوافرة، وبين وجودي في مكان غريب بدون مواد غذائية أو مياه، أي مقومات الوضع كارثي، إنسانياً واقتصادياً ومعيشياً وصحياً".

وتقول إنها تقيم في رفح الآن مع "أكثر من عشرين شخصاً في شقة صغيرة جداً، المكان لا يتسع للجميع. بقيت عائلتي من جهة والدتي في مدرسة تابعة للأونروا، أما باقي عائلتي، جدتي وعمي وعمتي، فما زالوا في غزة للأسف والاتصال بهم منقطع، مستودعينهم الله".

وتضيف: "كل يوم، أشاهد قصص معاناة لم أكن يوماً أتخيل مشاهدتها. وسائل الراحة ليست متوافرة، لا يمكنني أن ارتاح وأنام بعد الدوام، عدد الموجودين في البيت كبير".

لكنها توضّح: "نحن أفضل من غيرنا"، مشيرة إلى أنها بعد تركها العمل، "أعود إلى البيت.. أطبخ معهم على النار وأشعل النار، أغسل على يدي حين تتوافر المياه".

وتلاحظ: "أصبحنا نفكر في إمدادات الطعام والشراب والمياه وشحن الهواتف النقالة وغيرها. أشياء لم نفكر بها يوماً. نفكر كيف نحيا".

وتشير نور إلى أنها "عملت  خلال العامين الماضيين أثناء تصعيدات عسكرية، لكن هذه الحرب مختلفة في كل شيء"، موضحة: "المدة طويلة وعدد الشهداء ونوع الإصابات لم يمر من قبل بسبب شدتها والنزوح".

وتروي عن وضعها خلال النزوح: "كنت أسير  في الشوارع وأنا في حالة صدمة. لم أتخيل حجم هذه الحرب"، مشيرة إلى أن الحرب "خلقت من كل شخص فينا شخصاً مختلفاً تماماً. لا نستحق هذه الحياة، لا أحد يجب أن يعيش هذه الحياة".

وبعد الحرب، تؤكد نور أن "الجميع يفكر بالسفر؛ لأن البلد لم يتبق فيها شيء. لا بشر ولا حجر ولا شجر".

وكانت نور تفكر قبل الحرب بالسفر لإكمال دراستها، وتؤكد الآن: "الحرب شجعتني على ذلك وإذا نجوت.. لكن في النهاية هذه بلدي وسأعود إليها".

سندس: طردوني لأن زوجي صحافي

تؤكد سندس البايض وهي الأم لثلاثة أطفال أن حياتها "انقلبت 180 درجة" منذ بدء الحرب. 

وتعيش سندس الآن في خيمة صغيرة أمام المستشفى الكويتي في مدينة رفح، تتذكر حياتها السابقة قائلة: "حياتنا قبل الحرب كانت مستقرة وسعيدة. كان يوجد كل شيء في منزلي. كنت أقيم في شقة في مبنى يعود لعائلة زوجي. وأطفالي يذهبون إلى المدارس"، موضحة أنها تشتاق إلى روتينها اليومي.

وتتابع: "روتين حياتي اليومي إيقاظ أطفالي صباحاً للمدرسة وتجهيزهم، وتحضير الطعام قبل النوم مرة أخرى، ثم شرب القهوة مع زوجي.. حياة بسيطة ومستقرة ليتها تعود". 

أما اليوم فتشير السيدة المتزوجة من صحافي إلى أن نزوحها مع أطفالها تمّ على مراحل، بينما بقي زوجها في غزة في البداية. وتوضح أنها مكثت في دير البلح لأكثر من أسبوعين، لكن "أصحاب المنزل خافوا من وجودي؛ لأن زوجي صحافي وهم يعتقدون أن الصحافيين مستهدفون، بكيت بشدة، لم أعرف ماذا سأفعل"، وطلبوا منها المغادرة.

وبعدها توجهت إلى خان يونس، ثم فرت مرة أخرى إلى رفح. وتوضح: "الاستحمام صعب جداً وبماء بارد. أغسل في وعاء بلاستيكي"، مشيرة إلى أنه "لا يوجد خبز. ونحضّر وجبات غذائية، لكن الأطفال يرفضون أكلها. الأكل سيء جداً وملوث. ونعتمد على الخضار وبعض المعلبات"، ما تسبب لهم بأعراض معوية حادة.

وتضيف: "هذه الحرب أرهقتنا نفسياً بشدة. أطفالي سلوكهم تغير، وأصبحنا جميعاً بمزاج حاد. جميعنا بحاجة لعلاج نفسي بعد الحرب".

وتؤكد سندس أنها اتفقت مع زوجها على البقاء: "نحن متعلقون بعائلاتنا. الغربة صعبة وفراق الأهل والذكريات صعب".

تحلم سندس بالعودة إلى منزلها مؤكدة: "أتمنى أن نعود إلى منزلنا، وألا نضطر للجوء خارج غزة إن شاء الله. حال عدنا إلى بيوتنا، سنسافر مع أطفالنا للنقاهة والترفيه لشهر أو عدة شهور لترميم نفسيتنا".

لين: دخول الحمام كالسفر

تعيش لين (16 عاماً) حالياً في خيمة مع والديها وشقيقها و4 شقيقات وابنة إحداهن. ولين طالبة في السنة الأخيرة من المدرسة كانت تحلم بدراسة الصحافة.

وتوضح: "حياتي كانت روتينية لدرجة أنني كنت أتذمر منها. الحرب غيرت كل شيء. أصبحت أتمنى العودة لحياتي التي لم تكن تعجبني".

فرت عائلة لين من بيتها في خان يونس في اليوم الثاني لاندلاع الحرب: "صورنا البيت ونحن نبكي، غادرنا لمنزل أختي، لكنه لم يكن آمنا أيضاً، فنزحنا إلى مستشفى ناصر" في خان يونس. 

وتروي: "كنت أعتقد أننا سنعود إلى المنزل بعد أسبوع كحد أقصى. مرّ أكثر من سبعين يوماً، ولم نعد بعد".

رفضت لين الأكل والشرب في البداية، "حتى لا أضطر للذهاب إلى الحمام. الحمامات قذرة وعليها طوابير طويلة"، ومرضت مرات عدة.

فقدت لين الوعي في أحد المرات، مشيرة إلى نقلها إلى قسم الطوارئ، وتتابع: "لم أتوقع أن أعيش هذه الحياة. في منزلنا أربعة حمامات"، مؤكدة أنها فقدت 7 كيلوجرامات من وزنها في هذه الحرب.

وتوضح لين أن العائلة تعيش على "أكل الزعتر والمعلبات. من الصعب توفير الخبز"، مضيفة أن الاستحمام والذهاب إلى الحمام أصبحا معاناة، دخول الحمام كأنه سفر؛ لأن المسافة بعيدة".

وتضيف: "كنت أستحم يومياً قبل الحرب. والآن إذا حالفني الحظ أستحم مرة واحدة في المسجد وبمياه باردة. أغسل شعري في المغاسل المخصصة للوضوء، ثم أغسل جسمي في الحمام".

وتشير الفتاة، وهي تبكي: "أشعر بالحسرة؛ لأنني سأفقد، وكل الطلاب، هذا العام من حياتنا. لا أعتقد أننا سنعود إلى المدارس".

وتضيف: "كنت متحمسة لإنهاء المدرسة بتفوق، حتى أسافر وأكمل حلمي"، متابعة: "كل ما أتمناه الآن أن يعود الجميع إلى منازلهم، وأن أعود إلى منزلي، وأن يكون ما زال موجوداً".

بكر: الجوع ضاعف سعر الفول 

يوماً بعد يوم، يزداد الشعور بالعجز لدى بكر الناجي الذي تعتصر قلبه الغصة عندما ينفد الطعام الذي يطبخه تطوعاً لتكية في رفح، بينما يسمع أطفالاً يشكون من الجوع.

نزح ناجي بكر (28 عاماً) من مدينة غزة بعد اندلاع الحرب، وهو يبدأ الطبخ بعد صلاة الفجر لصالح التكية. يقول: "أطبخ تطوعاً لمساعدة الناس في هذه الأوضاع المأسوية".

ويقول: "أصعب لحظة بالنسبة لي عندما نبدأ بتوزيع الوجبات على الناس، فيما الآلاف يقفون في الطابور".

ويتابع: "أشعر بغصة في قلبي حين ينتهي الطعام، ويبقى الأطفال يسألون عنه ويشكون بأنهم جائعون ولم يأكلوا"، مشيراً إلى أن بعض المتطوعين يتنازلون أحياناً عن حصصهم من الطعام.

ويقول ناجي: "نخشى أن يموت الناس من الجوع"، مشيراً إلى أن سعر علبة الفول ارتفع من شيكل إلى 6 شواكل (دولاران).

ويتابع: "كان الناس فقراء قبل الحرب. من كان يعمل قبل الحرب كان بالكاد يستطيع إطعام أطفاله. فما بالك بالوقت الحالي؟".

سلام: لم نأكل شيئاً

لم تتمكن سلام حيدر (36 عاماً)، الأم لثلاثة أطفال، من الحصول على الطعام، مشيرة إلى أنها في العادة تأتي لتقف في الطابور منذ الثامنة صباحاً.

وتضيف بتأثر: "تأخرت اليوم لأنني كنت مع ابني الذي يخضع لعلاج في العيادة. طلبت المساعدة للعودة بسرعة للحصول على الطعام، لكن العيادة كانت مزدحمة". 

وبكت قائلة: "أشعر بالحزن والقهر. لم نأكل شيئاً اليوم ولن نأكل".

وتتابع: "ابني الصغير يبكي بشدة رغبة في الحصول على حلوى. رأى طفلاً يحمل حلوى، وحاول انتزاعها منه. أخبرته أن هذا لا يجوز".

نور: أفضل من الموت جوعاً

تأتي نور بربخ، التي نزحت من شرق خان يونس إلى مدرسة تابعة للأونروا في رفح وهي حامل في الشهر الخامس، لحجز دور للحصول على الطعام.

وتقول: "أتألم كثيراً، وأنا أنتظر بسبب الوقوف والمزاحمة"، موضحة أنها ترسل أحياناً ابنها البالغ من العمر 12 عاماً للوقوف، لكنه يتعرّض للدفع.

وتضيف: "لولا هذه التكية، لما أكلنا شيئاً. ما نحصل عليه لا يكفي، لكنه أفضل من لا شيء".

وتشير السيدة التي حاولت الحصول على خبز: "أولادي سيموتون من الجوع. فقدوا الكثير من الوزن. ويستيقظون ليلاً من النوم بسبب الجوع". وتضيف: "أن نموت شهداء أفضل من الموت من الجوع".

تصنيفات

قصص قد تهمك