أطول إضراب للأطباء في بريطانيا يثير استياء المرضى والحكومة

time reading iconدقائق القراءة - 10
أطباء مبتدئون يحملون لافتات خلال اعتصام خارج مستشفى الجامعة الملكية وسط إضراب بسبب الأجور، في ليفربول، بريطانيا، 3 يناير 2024 - Reuters
أطباء مبتدئون يحملون لافتات خلال اعتصام خارج مستشفى الجامعة الملكية وسط إضراب بسبب الأجور، في ليفربول، بريطانيا، 3 يناير 2024 - Reuters
لندن-بهاء جهاد

على مدار ستة أيام متواصلة، شهدت بريطانيا أولى إضرابات القطاع العام في سنة 2024، احتجاجاً على تآكل الأجور نتيجة للتضخم وارتفاع كلفة المعيشة. وقاد هذا التحرك الأطباء المبتدئون أو المستجدون، الذين فشلت آخر جولات تفاوضهم مع حكومة المحافظين في ديسمبر من العام الماضي.

ويعد هذا هو أطول إضراب تعرفه هيئة الخدمات الصحية المعروفة باسم (NHS)، منذ تأسيسها قبل 75 عاماً. وقد أثار الإضراب حفيظة المرضى على قوائم المستشفيات والمراكز وعيادات الأسرة بانتظار العلاج، إضافة إلى المختصين والمستشارين الذين اضطروا لتغطية غياب الأطباء الجدد على مدى أسبوع تقريباً.

ووصف مختصون تداعيات الإضراب بالكبيرة على القطاع الصحي، الذي يعيش بالأساس تحت ضغوط مالية ومهنية منذ سنوات. إذ شارك في الحراك نصف العاملين في المستشفيات والمراكز الطبية، وقد تسبب بتأجيل أو إلغاء علاج ومواعيد عشرات آلاف المرضى بين 3 يناير وحتى السابعة من صباح الثلاثاء.

وبدأ حراك الأطباء المبتدئين في أحد أكثر أشهر السنة ازدحاماً في المؤسسات الطبية، إذ يستأنف كثير من المرضى علاجاتهم بعد عطلة أعياد نهاية العام. كما تنتشر الأمراض التنفسية مثل الإنفلونزا وكورونا، إضافة إلى أنه جاء بعد إضراب لأطباء مختصين دام ثلاثة أيام قبل عيد الميلاد، وأدى إلى تأجيل مواعيد عدة.

مفاوضات معطلة 

أعلنت الرابطة الطبية البريطانية عن الإضراب في ديسمبر الماضي بعد فشل محادثاتها مع الحكومة نيابة عن الأطباء المبتدئين، الذين أضربوا 7 مرات منذ مارس 2023، ولكنهم فشلوا في إجبار حكومة ريشي سوناك على رفع أجورهم بنسبة تصل إلى 35% لتعود قيمة الرواتب إلى ما قبل 15 عاماً، وفق تقديراتهم.

وأفادت الرابطة الطبية بأنها عرضت على المضربين زيادة في الأجور بنسبة 3%، إضافة إلى 8.8% منحت لهم في وقت سابق العام الماضي. لكن العرض قوبل بالرفض؛ لأنه لا يراعي درجات الأطباء. وعندما توقفت المفاوضات في ديسمبر قرر الأطباء المبتدئون الشروع في إضرابهم الجديد لزيادة الضغط على الحكومة.

وتختلف تقديرات المؤسسات المالية المختصة لمدى تأثير التضخم وارتفاع الأسعار على قيمة أجور القطاع العام بمختلف تخصصاته. فبحسب "مؤشر أسعار المستهلك" خسرت الرواتب أكثر من 26% من قيمتها منذ عام 2008، بينما يقول معهد الدراسات المالية إن الأجور تآكلت بنسبة تتراوح بين 10% إلى 16% منذ عام 2010.  

مكتب الإحصاء الوطني يعتبر "مؤشر أسعار المستهلك" مقياساً ضعيفاً لحساب قيمة الأجور، فيما تقول الجمعية الإحصائية الملكية إن "مؤشر أسعار التجزئة" قد يكون أكثر دقة في حساب تراجع قيمة الأجور منذ تولي حكومة حزب المحافظين السلطة عام 2010، منوهة إلى أن سنة الأساس في تقدير هذا التراجع عامل هام.

تداعيات متوقعة  

وقال مدير هيئة الصحة الوطنية ستيفن بويس، إن القطاع الصحي عاش أوقاتاً قاسية جداً في ظل التحرك الجديد. صحيح أن الأطباء المختصين عملوا مكان المبتدئين المضربين خلال الأيام الستة، ولكن ذلك لم يكن كافياً. وهناك أقسام من الرعاية الطبية توقفت تقريباً عن العمل بغض النظر عن حالات المرضى.

ووفقاً للتقديرات، عطل الإضراب أكثر من 144 ساعة عمل في مؤسسات الرعاية الصحية. كما تم إلغاء أو تأجيل عشرات آلاف المواعيد والعلاجات للمرضى خلال الأيام الستة للإضراب، وفق تقارير صحفية. وهو ما يعقد مشكلة قوائم الانتظار الطويلة للمرضى الذين ينتظرون تلقي العلاج في حالات مختلفة.

وتتبعت صحيفة "الجارديان" آراء المرضى المسجلين على قوائم الانتظار في المراكز الطبية، الذين أبدوا استياء ملحوظاً من التحرك الاحتجاجي الطويل برأيهم. كما نقلت الصحيفة ذاتها "غضب" المختصين والمستشارين، الذين اضطروا لتغطية مواقع ومهام زملائهم المستجدين والمبتدئين خلال أيام الإضراب الستة.

وقال جوليان هارتلي، المسؤول السابق في وزارة الصحة والرئيس التنفيذي لهيئة الصحة الوطنية، إن القطاع الطبي واجه خلال إضراب الأطباء المبتدئين أزمة يصعب تقديرها بدقة، لأن الحالات التي تأجلت أو ألغيت نتيجة الإضراب قد تسوء، كما أن قوائم انتظار المرضى هذا العام سوف تزداد وتتراكم أكثر.

ولفت هارتلي في حديث مع هيئة الإذاعة البريطانية، إلى أن حكومة ريشي سوناك يتوجب عليها إيجاد حل سريع للخلافات بينها وبين الأطباء المبتدئين؛ لأن إطالة أمد الخلاف قد يشجع موظفي الصحة الوطنية على الإضراب، وهذا يترتب عليه مزيداً من تدهور أوضاع المرضى، وتراجعاً في الخدمات الطبية.

تقليص قوائم الانتظار 

وقال الطبيب المبتدئ أرجان سينجا لـ"الشرق" إن الحكومة تعهدت بتقليص قوائم انتظار المرضى لتلقي العلاج في مراكز القطاع العام، ولكنها ترفض معالجة المشكلات التي تسببت في وصول أعداد المرضى على هذه القوائم إلى الملايين. وعلى رأسها تحول تلك المراكز إلى بيئات طاردة للعاملين.

وأوضح الطبيب سينجا أن التقشف الحكومي في تمويل مؤسسات هيئة الصحة الوطنية جعلها متأخرة تقنياً وفنياً مقارنة بالمراكز الخاصة. كما دفع بكثير من العاملين في هذه المؤسسات نحو خيارات العمل الخاص برواتب وعوائد أفضل. وخاصة في ظل تآكل أجور القطاع العام نتيجة للتضخم وارتفاع كلفة المعيشة مع الوقت.

ويشير تقرير نشرته صحيفة " التلجراف" إلى إلغاء أكثر من 1.2 مليون موعد وجراحة لدى الأطباء؛ بسبب إضرابات هيئة الصحة الوطنية. ولكن المسؤول في لجنة الأطباء المبتدئين بالنقابة، الدكتور روبرت لورينسون، يقول "إن الإضرابات كانت ضرورية؛ لأنها الشيء الوحيد الذي تفهمه الحكومة في التعامل مع مطالب القوى العاملة".

ولفت لورينسون في حديث مع "التلجراف" إلى أن نقابة الأطباء ترحب بالتفاوض مع الحكومة في أي زمان ومكان تريدهما، ولكنه استبعد أن تستأنف المفاوضات قبل انتهاء الإضراب الجديد، الثلاثاء. كما أكد "أن الحراك لن يكون الأخير إذا ما فشلت الجولة المقبلة من المحادثات مع حكومة سوناك".

تسوية عادلة ومعقولة 

في المقابل، قالت وزيرة الصحة فيكتوريا أتكنز، إن الأطباء المبتدئين اختاروا أسوأ أسبوع في السنة للقيام بإضرابهم. منوهة إلى أن الحكومة قلقة للغاية إزاء التداعيات المحتملة لهذا الحراك على صحة المرضى من جهة، وعلى أوضاع المستشارين والمختصين الذين تولوا مهام ومواقع الأطباء المضربين عن العمل.

ولفتت أتكنز في تصريحات رسمية إلى أن الوزارة تريد التوصل لتسوية عادلة ومعقولة مع الأطباء المبتدئين، تماماً كما فعلت مع المختصين والمستشارين. ولكنها محبطة من قرار اللجنة المسؤولة عن هؤلاء الأطباء في النقابة بإنهاء المفاوضات مع الحكومة، والذهاب نحو تحرك يلغي عشرات الآلاف من المواعيد والجراحات.

وكانت أتكنز تأمل بأن تقوم "لجنة الأطباء المبتدئين" بإلغاء الإضراب، والعودة إلى طاولة المفاوضات مع الوزارة. ولكن رئيس اللجنة الدكتور فيفك تريفيدي قال لصحيفة "إندبندنت" إن الكرة في ملعب الحكومة "إن كان لديها عرض مختلف عما سبق طرحه من حلول، ويمكن على أساسه استئناف المحادثات بين الطرفين".

وبلغت عدد أيام إضراب الأطباء المبتدئين في إنجلترا منذ مارس من العام الماضي 28 يوماً، وبينما يستعد أطباء ذات الفئة في ويلز لإضراب مماثل نهاية الشهر الجاري، يصوت نظرائهم في إيرلندا الشمالية على خطوة مشابهة قريباً. أما الأطباء في اسكتلندا، فقبلوا بتسوية تتضمن زيادة أجورهم بنسبة 12.4٪ خلال 2024.

إضرابات القطاع الصحي 

وبدأت إضرابات القطاع الصحي في المملكة المتحدة منذ منتصف ديسمبر 2022، إذ كان الحراك الأول للممرضين والممرضات لمدة يوم واحد، ما أدى إلى إلغاء وتأجيل أكثر من 10 آلاف موعد طبي. أما الحد الأقصى من المراجعات والعمليات المتأثرة بالحراك الطبي عامة، فبلغت 200 ألفاً في 11 أبريل في 2023.

بين ديسمبر 2022 ونظيره في عام 2023 قام القطاع الطبي بـ16 إضراباً، شملت فئات عدة مثل المختصين والمستشارين، الأطباء المبتدئين، الممرضين والممرضات، موظفي قسم الأشعة، وسائقي سيارات الإسعاف. ومجمل الإضرابات أدت وفق مصادر مختلفة، إلى إلغاء أو تأجيل أكثر من 1.2 مليون موعد طبي.

وتحذر نقابات الصحة من تجدد إضرابات الممرضين وسائقي سيارات الإسعاف في 2024، إذا فشلت الحكومة في تسوية أجور العاملين في هذه التخصصات. بالإضافة إلى مخاوف من تجدد حراك الموظفين في قطاعات أخرى كالنقل والتعليم، مع تراجع التضخم الذي كانت الدولة ترفض زيادة الأجور بسبب معدلاته العالية.

ومررت الحكومة العام الماضي قانوناً يلزم النقابات بحد أدنى من العاملين خلال الإضرابات، وخاصة في قطاعات مثل الصحة والسكك الحديدية وأمن الحدود. ولكن الحد الأدنى من الموظفين لن يكون كافياً في قطاعات تعاني نقص اليد العاملة من جهة، وشح التمويل اللازم لتوسعة خدماتها في الكم والنوع، من جهة أخرى.

تصنيفات

قصص قد تهمك