رغم تفوق نيودلهي في عدد السكان.. لماذا لن تتحول الهند إلى صين جديدة؟

time reading iconدقائق القراءة - 8
عمال هنود يقومون بشق طريق في وسط مومباي، 11 أبريل 2007- - Reuters
عمال هنود يقومون بشق طريق في وسط مومباي، 11 أبريل 2007- - Reuters
دبي-الشرق

قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، إن الهند تحوّلت إلى قبلة للمستثمرين والمصنعين في الوقت الذي يعاني الاقتصاد الصيني من مشاكل تحدّ تطوّره، متسائلة عن إمكانية أن يشهد العقدان المقبلان قصة صعود نيودلهي مثلما حدث لبكين في العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين. 

وأضافت الصحيفة، الجمعة، أن هناك أسباباً كثيرة تدعو للتفاؤل، إذ تجاوز عدد سكان نيودلهي عدد سكان الصين العام الماضي، كما أن أكثر من نصف الهنود تحت سن 25 عاماً، مشيرة إلى أنه وفقاً لمعدلات النمو الحالية، من الممكن أن تصبح الهند ثالث أكبر اقتصاد في العالم خلال أقل من عقد، بعد أن تفوقت مؤخراً على المملكة المتحدة، وحلت في المركز الخامس.

وحققت سوق الأسهم الهندية 8 سنوات متتالية من المكاسب، فضلاً عن أن تدهور العلاقات التجارية بين الغرب والصين يؤدي إلى تعزيز موقفها. 

ورجّحت "وول ستريت جورنال" أن يبدو مسار الهند مختلفاً للغاية عن مسار الصين، كما أنه سيكون أكثر تحدياً، موضحة أنه في حين أن القوى العاملة لديها، من الناحية النظرية، وفيرة، فإن هناك مجموعة من الحواجز التي تجعل من الصعب ربط العمال بأصحاب العمل، وهو ما يجعل من الصعب على الأسر والشركات، على حد سواء، بناء المدخرات اللازمة لتحقيق ذلك النوع من طفرات الاستثمار التي حوَلت نمور شرق آسيا مثل تايوان وكوريا الجنوبية، وانتشلتهم من الفقر.

ولفتت الصحيفة إلى أن المعوقات التي تواجهها التجارة تمثل مشكلة أخرى، خاصةً إذا كانت نيودلهي راغبة في أن تصبح مركزاً لتجميع الأجهزة مثل بكين.

وأضافت: "هذا لا يعني أن تقدم الهند الأخير لم يكن مثيراً للإعجاب، أو أنه لن يستمر، فقد ضخت شركات تجميع الإلكترونيات الكبرى مثل (فوكسكون) و(بيجاترون) مئات الملايين من الدولارات إلى البلاد، وارتفعت حصتها من الصادرات العالمية". 

ومن الناحية الديموغرافية، تقف الهند في نفس المستوى الذي كانت عليه الصين عندما بدأت نموها في التسعينيات، ووفقاً للأمم المتحدة، فإن ما يقرب من خُمس الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 إلى 64 عاماً في العالم سيكونون من الهنود بحلول عام 2030.

كما انخفضت نسبة الإعالة العمرية في نيودلهي، وهي مقياس لعبء رعاية الأطفال والمسنين على الأسر، إلى 47% في عام 2022 مقابل 82% في عام 1967، بحسب البنك الدولي. 

وعادةً ما تساعد معدلات الإعالة المنخفضة هذه على زيادة المدخرات والاستثمارات، إذ يؤدي العدد الكبير من العمال إلى إبقاء تكاليف العمالة للشركات تحت السيطرة، في حين تستثمر الأسر الدخل الزائد بدلاً من إنفاقه على دعم الأطفال أو الآباء، وفق "وول ستريت جورنال".

قوى عاملة قوية

ولفتت الصحيفة إلى أن الهند كافحت من أجل تمهيد الطريق للقوى العاملة، وخاصةً للنساء، إذ لم يكن سوى ثلث عدد الإناث في سن العمل في البلاد منخرطات في القوى العاملة خلال السنة المالية 2022، وفقاً للأرقام الصادرة عن وزارة العمل والتوظيف الهندية الصادرة العام الماضي.

وعلى الرغم من أن ذلك يمثل ارتفاعاً بنحو 10 نقاط مئوية منذ عام 2018، إلا أنه لا يزال أقل بكثير من المتوسط العالمي للدول ذات الدخل المتوسط الأدنى والذي يصل لحوالي 50%، كما أنه أقل بكثير من 71% في الصين، فضلاً عن أن قدراً كبيراً من التحسن منذ عام 2018 كان في مشاركة القوى العاملة في المناطق الريفية، وليس في المناطق الحضرية، وهو ما يوفر القليل من المساعدة للمصانع الحضرية المتعطشة للعمالة. 

 وأرجعت الصحيفة سبب ذلك إلى الدعم الضخم الذي يتم تقديمه لقطاع الزراعة والمعونات الغذائية للريف فضلاً عن عدم تقبل فكرة السفر بعيداً عن المنزل للعمل في الأماكن الحضرية، مقارنة بالصين التي تعيش العديد من العاملات بمفردهن فيها، إذ قالت 45% من النساء اللاتي شملهن استطلاع أجرته الحكومة العام الماضي، إن رعاية الأطفال وواجبات المنزل كانت سبباً  في إبعادهن عن سوق العمل. 

ووفقاً لـ "وول ستريت جورنال"، فإن ازدواجية الهند في قطاع التجارة تمثل مشكلة أخرى، فعلى النقيض من الصين، تعد نيودلهي دولة ديمقراطية صاخبة، ولكن التدابير الحمائية التي تهدف لاسترضاء السكان تشكل جزءاً من المعادلة.

ووفقاً لمنظمة التجارة العالمية، حصلت الهند على أعلى رسوم استيراد على مستوى العالم في عام 2022 بمتوسط 18.1%، وبالمقارنة، بلغت النسبة في الصين 7.5%، والاتحاد الأوروبي 5.1% والولايات المتحدة 3.3%، وقد تكون قيود الاستيراد هذه مرهقة بالنسبة للمصنعين الذين يعتمدون على استيراد المكونات لتجميع منتجاتهم وتصديرها. 

عبء الديون

واستثمرت نيودلهي بكثافة في البنية التحتية خلال السنوات الأخيرة، وتحسنت شبكة النقل المتداعية في البلاد، فعلى سبيل المثال، زاد متوسط سرعة قطارات الشحن بأكثر من 50% في العامين الماضيين، وانخفض وقت الانتظار في الموانئ بنسبة 80% منذ 2015، ولكن الحكومة مثقلة بالديون وهو ما قد يجعل استمرار التقدم أمراً صعباً في حال لم تحدث طفرة كبيرة في القطاع الخاص تؤدي إلى رفع الإيرادات الضريبية.  

ويبلغ عبء الدين العام في الهند نحو 85% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي النسبة التي تجعلها في المرتبة الثانية بعد البرازيل بين الاقتصادات الناشئة، وسيتطلب الحفاظ على هذا المستوى من بناء البنية التحتية وجود إيرادات أعلى، أو انخفاض في معدل الإعانات أو مشاركة أكبر بكثير من القطاع الخاص، حسب الصحيفة. 

ورأت "وول ستريت جورنال" أن كل هذا يجعل من الضروري للهند أن تبذل كل ما في وسعها لتمهيد الطريق أمام الاستثمار الأجنبي المباشر، وخاصةً في مجال التصنيع، قائلة إنه "لكي تتمكن نيودلهي من تعزيز ثِقلها الجيوسياسي، فإنها تحتاج إلى استثمارات خارجية للمساعدة في دفع حصة قطاع التصنيع في الناتج المحلي الإجمالي للارتفاع من أقل من 15%، كما كانت لسنوات، إلى مستوى قريب من الهدف الرسمي البالغ 25%، ولكن المؤشرات الأخيرة تبدو متضاربة، إذ انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر خلال عامي 2022 و2023 بعد أن وصل إلى مستويات قياسية في عام 2020". 

وتابعت: "جزء من أسباب هذا التراجع يعود إلى انهيار فقاعة التكنولوجيا العالمية، التي كانت الهند جزءاً مهماً منها، والتراجع العام في تمويل رأس المال الاستثماري العالمي، فضلاً عن الانخفاض الملحوظ في الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاعات مثل أجهزة الكمبيوتر، والذي كان يعادل حوالي 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021، وهو أمر مثير للقلق، لأن نيودلهي في حاجة ماسة إلى وظائف التجميع التي تتطلب عمالة كثيفة.

وختمت الصحيفة تقريرها قائلة إن الهند تظل، في الوقت الحالي على الأقل، اقتصاداً قائماً على الاستهلاك والخدمات في المقام الأول، محذرة من أنه ما لم تتمكن من تعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر في مجال التصنيع، وهو ما يعني تذليل عقبات سوق العمل وتقليص الحواجز التجارية، بين مهام أخرى، فإنها قد تعاني من أجل اتباع نفس مسارات الصعود الشرسة لنمور وتنانين آسيا.  

تصنيفات

قصص قد تهمك