
قبل نحو 10 سنوات انطلقت جهود بحثية في مناطق مختلفة من العالم، لبحث إمكانية الاعتماد على "أشجار اصطناعية" قادرة على تخفيف بعض الكربون من الغلاف الجوي.
ونجح العلماء في السنوات القليلة الماضية في تحويل أبحاثهم إلى حقيقة، إذ يوجد حالياً في شوارع بريطانيا وألمانيا والمكسيك وكولومبيا وبنما، عشرات الأشجار المعدنية القادرة على إجراء عملية "التمثيل الضوئي" بكفاءة، وامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الهواء.
فهل يمكن أن تساعد الأشجار الاصطناعية في حل أزمة تغير المناخ؟ وهل يمكن أن تشكل بديلاً للأشجار الطبيعية يوماً ما؟
كيف تعمل؟
تعتمد الأشجار المعدنية على تكنولوجيا متطورة. فبعضها يعتمد على وجود طحالب بداخلها تمتص الملوثات وتحولها إلى هواء. كما تأخذ أشكالاً مختلفة مقاربة لحجم وشكل الشجرة الطبيعية، إلا أنها مصنوعة من المعدن، وأحياناً يكون هيكلها الخارجي من الخشب ويوجد بداخلها خزانات لامتصاص ثاني أكسيد الكربون.
وهناك تقنيات أخرى تعتمد على تصنيع أوراق اصطناعية، عبارة عن ريشة رقيقة مكونة من عدة طبقات تمتص ثاني أكسيد الكربون، وتحوّله إلى وقود باستخدام الماء وضوء الشمس، وغيرها من التقنيات القائمة على محاكاة عملية التمثيل الضوئي التي تقوم بها الأشجار الطبيعية.
تعادل 368 شجرة طبيعية
ووفقاً لموقع "برايت سايد" فإن الشجرة الاصطناعية المسماة "BioUrban" التي يبلغ طولها 4 أمتار وعرضها 3 أمتار، وابتكرتها شركة مكسيكية لتحسين نوعية الهواء، تستخدم أحد أنواع الطحالب المجهرية الدقيقة لمحاكاة عملية التمثيل الضوئي، وتنفذها بكفاءة تصل إلى 99.7%.
وتنتج الشجرة الواحدة أوكسجيناً نقياً يعادل ما تنتجه 368 شجرة طبيعية، ومن ثم توفر من الأوكسجين النظيف الذي يكفي 2850 شخصاً في اليوم.
قال يوسف الكمري، الباحث والناشط البيئي المغربي في شبكة العمل المناخي بالوطن العربي، لـ"الشرق"، إن الأبحاث أكدت القدرة الهائلة للأشجار الاصطناعية على امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الجو في وقت قياسي، مقارنة بالأشجار الطبيعية، وهو ما يساعد على تنقية الخلاف الجوي من الكربون ومن ثم المساهمة في حل مشكلة تغير المناخ.
وأضاف الكمري، أن الأشجار الاصطناعية ليست بديلاً عن الأشجار الطبيعية، لكنها يمكن أن تشكل عاملاً مساعداً في الأماكن التي يصعب فيها زراعة الأشجار، ولتوفير الوقت، إذ تستغرق الأشجار الطبيعية الكثير من الوقت للنمو.
وقال جمال النوايسة، الناشط البيئي ورئيس جمعية استثمار الطاقة المتجددة والبيئة في الأردن، لـ"الشرق"، إن الأشجار الاصطناعية تجربة رائدة، لأن الشجرة الواحدة لديها أضعاف قدرة الأشجار العادية على تنقية الهواء، موضحاً أن الشجرة الطبيعية تمتص نحو 10 أطنان من ثاني أكسيد الكربون طيلة حياتها، بينما تمتص الشجرة الاصطناعية 32 طناً سنوياً.
أبرز العيوب
وأضاف: "من عيوبها تكلفة الصناعة العالية، وأنها ليست معمرة لفترة طويلة، ولن تكون بديلة عن الأشجار الطبيعية التي تتجدد تلقائياً، لكن يمكن استعمالها فوق أسطح المباني وفي التجمعات الحضرية داخل المدن والساحات التي من الصعب الزراعة فيها بسبب شح المياه أو لأسباب أخرى".
وتابع النوايسة: "إذا انتشرت الأشجار الاصطناعية على مستوى واسع في الكرة الأرضية ستسهم في التخفيف من ظاهرة الاحتباس الحراري وامتصاص كمية كبيرة من ثاني أكسيد الكربون المنتشر في الغلاف الجوي، ومن ثم التخفيف من تبعات التغير المناخي".
استمرار محاولات التطوير
ولا يزال العلماء يعملون على تطوير كفاءة الأشجار الاصطناعية وخفض تكلفة إنتاجها، بما يساعد على تسويقها عالمياً، إذ يعمل فريق من جامعة إلينوي في شيكاغو على تطوير كفاءة أوراق الأشجار، بحيث تكون قادرة على سحب ثاني أكسيد الكربون من الهواء المحيط بها مباشرة، وليس كما يحدث حالياً حيث يتم سحب ثاني أكسيد الكربون من خزانات مضغوطة في المختبر.
وتوصل الفريق إلى تصميم للأوراق يسمح لها بتنفيذ هذه الخاصية، ويعتمد التصميم الذي نشرته مجلة "إيه سي إس الكيمياء والهندسة المستدامة" عام 2019، على وضع الورقة الاصطناعية داخل كبسولة مليئة بالماء، مصنوعة من غشاء يسمح للماء بالتبخر عبر تسخينه من أشعة الشمس، لتتمكن عندها الكبسولة من امتصاص ثاني أكسيد الكربون، وتحوله الورقة بعدها إلى غاز الأوكسجين وأول أكسيد الكربون.
لا بديل للأشجار الطبيعية
في المقابل، يرى فريق آخر أنه لا يمكن استبدال الأشجار الطبيعية أو تعويض دورها، إذ تقول الدكتورة آفاق إبراهيم، مديرة مشروع المليون شجرة التابع لوزارة التعليم العالي العراقية، لـ"الشرق"، إن "زارعة الأشجار الحقيقية هو الحل".
وأضافت: "الأشجار لا تقوم فقط بامتصاص ثاني أكسيد الكربون وتنقية الهواء، ولكنها تشكل خط الدفاع للحد من التصحر وحماية التنوع النباتي والحيوي، ومن ثم المساهمة في حل أزمة تغير المناخ".
وأشارت إلى أن المشروع الذي تتولى إدارته تمكن من إدخال 100 نوع إلى قائمة الأشجار في العراق، وهو ما يساعد في مكافحة التصحر الذي بدأ ينتشر في العراق لأسباب عدة منها تغير المناخ.