سيطرت أزمة التضخم في مصر على المرحلة الثانية من جلسات "الحوار الوطني" والتي تسلط الضوء على الجانب الاقتصادي، في ظل معدلات تضخم قياسية، يغذيها تراجع قيمة الجنيه (العملة المحلية) مقابل الدولار، ونقص العملة الأجنبية، فضلاً عن ارتفاع مستويات الاقتراض الخارجي في السنوات الأخيرة.
وقال مشاركون وقائمون على الحوار الاقتصادي لـ"الشرق"، إن الهدف من الجلسات والنقاشات هو "وضع روشتة تلتزم بها الحكومة للإصلاح الاقتصادي"، فيما أثار خبراء تساؤلات بشأن "ضمانات" تنفيذ تلك المخرجات.
وأطلت بوادر انفراجة برأسها، بعدما تلقّت مصر أولى التحويلات من الأموال التي تعهدت بها الإمارات في مشروع تطوير منطقة رأس الحكمة، البالغ إجماليها 35 مليار دولار، وهي عبارة عن حزمة ضخمة من الاستثمارات ينتظر أن تفتح الباب لمزيد من الاستثمارات الأجنبية في مصر.
وانعقد مجلس أمناء الحوار الوطني، لبحث الحوار الاقتصادي، في 10 فبراير الماضي، استجابة لدعوة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مشيراً في بيان إلى أنه يستهدف بحث سبل مناقشة القضايا الاقتصادية العاجلة، "بشكل أعمق وأشمل" من أجل "التوصل إلى توصيات وإجراءات محددة للتعامل مع التحديات الحالية، على أن يتم رفعها عاجلاً لرئيس الجمهورية".
وشهدت جلسات الحوار الوطني الاقتصادي، حضور وزراء ومسؤولين حكوميين، بجانب خبراء ومختصين في الاقتصاد، لمناقشة موضوعات مختلفة أبرزها الدين العام، وعجز الموازنة، وأولويات الاستثمارات العامة، وسياسة ملكية الدولة، والعدالة الاجتماعية.
أبرز التوصيات
وقال سمير صبري، منسق الاستثمار الأجنبي والخاص في الحوار الوطني لـ"الشرق"، إن الحوار الوطني الاقتصادي خرج بعدد من "التوصيات"، موضحاً أنها تضمنت تفعيل القوانين والقرارات الوزارية المُلزمة بكتابة أسعار السلع على المنتجات، بالإضافة إلى إعداد "خريطة سلع" توضح سلسلة الإمداد الخاصة بإنتاج كل سلعة، وسلسلة توزيعها، بهدف ضبط أى فجوة في حال التلاعب بمخزون السلعة أو احتكارها.
وأشار صبري، إلى اقتراح بزيادة السعات التخزينية لبعض السلع، وخاصة الاستراتيجية منها، لضمان توافرها والسيطرة على أسعارها في الأسواق.
وفيما يتعلق بالسياسة النقدية، قال منسق الاستثمار الأجنبي والخاص في الحوار الوطني، إن الجلسات أوصت بربط سعر صرف الجنيه بسلة من العملات دون الاكتفاء بالدولار فقط، وتوحيد سعر الصرف من خلال القضاء على السوق الموازية، فضلاً عن إجراء دراسات جدوى للمشروعات القومية و الاستثمارات الخاصة بالدولة.
كما أوصت جلسات الحوار الوطني بمناقشة إعادة التفاوض بشأن الديون، العمل على مبادلتها باستثمارات كبيرة، والتركيز مع الشركاء في الخليج، والصين والاتحاد الأوربي. كما تضمنت التوصيات إنشاء وزارة اقتصاد، وعودة وزارة الاستثمار، بحسب صبري.
وكشفت بيانات حكومية مصرية، استمرار تباطؤ المعدل السنوي للتضخم في المدن المصرية، مسجلاً 29.8% في يناير الماضي، مقارنةً بـ33.7% ديسمبر الماضي، وارتفعت أسعار المواد الغذائية والمشروبات بنسبة 47.9% على أساس سنوي الشهر الماضي، إلا أن أسعار السلع والخدمات ارتفعت مع ذلك بشكل كبير، على أرض الواقع، بما يقارب 100% مقارنة بشهور سابقة.
وأصدر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، قراراً برفع الحد الأدنى للأجور 50% إلى 6 آلاف جنيه، ما يعادل 196 دولاراً، اعتباراً من مارس الجاري، ضمن "حزمة اجتماعية عاجلة للحماية الاجتماعية" بتكلفة تبلغ 180 مليار جنيه، وتشمل أيضاً زيادة أجور العاملين بالدولة والهيئات الاقتصادية، بحد أدنى يتراوح بين 1000 إلى 1200 جنيهاً شهرياً بحسب الدرجة الوظيفية.
ضمانات تنفيذ
من جانبه، تساءل الخبير الاقتصادي هاني توفيق، عن ضمانات تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، مشيراً إلى ضرورة وجود توصيات تتضمن جدول أعمال به تواريخ محددة، بالإضافة إلى توفير ضمانات لتنفيذ المخرجات.
وأضاف توفيق في تصريحات لـ"الشرق"، أنه لابد من الخروج بتكليفات محددة بتواريخ، ووجود أطراف تتولى تنفيذها، وليس مجرد توصيات يتم إلقائها في الأدراج، مشدداً على أن نجاح اجتماعات الحوار يتطلب "برنامج عمل للحكومة ينص على تكليفات ومواعيد محددة".
وأشار توفيق، الذي غاب عن جلسات الحوار رغم تلقيه دعوة المشاركة، إلى أن هناك عدة محاور يجب التركيز عليها في الحوار الاقتصادي، مثل وحدة الموازنة بحيث تكون كل موارد الدولة ومصادر الإنفاق تحت نظر مجلس النواب، بالإضافة إلى متابعة لجنة وزارية ومجموعة اقتصادية تضع الأولويات، وليس رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة وحده.
بدوره، قال عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، طلعت عبدالقوي لـ"الشرق"، إن توصيات الحوار الاقتصادي ستُرفع مباشرة إلي الرئيس عبد الفتاح السيسي، مشدداً على أن الجلسات ستشهد مناقشة كل المحاور الاقتصادية بهدف "وضع روشتة للعمل الحكومي".
وذكر عبد القوي، أن هناك "مشاركة فاعلة" من الحكومة في جلسات الحوار الاقتصادي، من خلال مشاركة الوزراء المعنيين في النقاشات، والتوافق بشأن الرؤى والسياسات حول "أولويات العمل الحكومي في المرحلة المقبلة".
ولفت إلى أن التوصيات التي أقرتها الجلسات سترفع إلى رئيس الجمهورية، قبل أن يحولها بدوره إلى الجهات المختصة، موضحاً أن الحوار الاقتصادي طرح قضايا غاية في الأهمية، مثل الأسعار، التضخم، ضبط الأسواق، الدين العام وكيفية التعامل معه، ملف السياحة، ملكية الدولة، العدالة الاجتماعية، معوقات تطوير التعليم، والصحة.
وأكد عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، "وجود رغبة من الحكومة في تنفيذ توصيات وسياسات وتشريعات مقترحة من الحوار الوطني".