قال مسؤولون حكوميون في الولايات المتحدة، إن تداعيات الهجمات السيبرانية التي تعرضت لها المنظومة الصحية، الشهر الماضي، لا تزال غير معروفة، لكنها تعد من "الأخطر" على نظام الرعاية الصحية في تاريخ البلاد.
ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن مسؤولين حكوميين، وصفهم الهجوم الإلكتروني الذي وقع في 21 فبراير، على شركة "تشينج هيلث كير" المملوكة لشركة "يونايتد هيلث جروب"، بأنه "أحد أخطر الهجمات على منظومة الرعاية الصحية في تاريخ الولايات المتحدة".
وأدى الهجوم إلى عزل العديد من مؤسسات الرعاية الصحية عن الأنظمة التي تعتمد عليها لنقل طلبات المرضى للحصول على الرعاية، وكشف الانقطاع الذي أعقب الهجوم عن ثغرة أمنية تتخلل نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة، ما أدى إلى إحباط المرضى غير القادرين على دفع ثمن أدويتهم في الصيدليات، وتهديد الوضع المالي للمنظمات التي تعتمد بشكل كبير على منصة "تشينج".
وتمثل "تشينج هيلث كير"، إحدى مراكز القوة الهائلة في عالم الرعاية الصحية، إذ تعالج 15 مليار طلب للحصول على علاج بتكلفة تبلغ أكثر من 1.5 تريليون دولار سنوياً، كما تدير أكبر غرفة مقاصة إلكترونية في هذا المجال، وتعمل على الربط بين مقدمي الرعاية الصحية وشركات التأمين، وسبق أن دعمت عشرات الآلاف من الأطباء وأطباء الأسنان والصيدليات والمستشفيات، وتعاملت مع 50% من جميع الطلبات الطبية في الولايات المتحدة.
وأثناء الهجوم، تمكن المتسللون من سرقة بيانات المرضى، وشفروا ملفات الشركة وطالبوا بفدية لإعادة فتحها، ما اضطر "تشينج هيلث كير" إلى تغيير معظم شبكتها، في إطار محاولتها التعافي.
رسالة شومر
وما زاد من إلحاح الأزمة هو إرسال زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، رسالة إلى مراكز الرعاية الطبية والخدمات الطبية، يوم الجمعة الماضي، يطلب منها تقديم مدفوعات سريعة للمستشفيات والصيدليات ومقدمي الخدمات الآخرين الذين تأثروا بالانقطاع.
وقال، في بيان نشر، الأحد : "لا يمكن للمرضى الحصول على معلومات بشأن ما إذا كان التأمين سيغطي تكاليف علاجهم، بينما تكافح المستشفيات لإصدار فواتير لهؤلاء المرضى وتلقي المدفوعات".
وأضاف شومر: "التأخير في تلقي المدفوعات يكلف المستشفيات في جميع أنحاء أميركا ملايين الدولارات عن كل أسبوع تستمر فيه هذه المشكلة، كما أن المرضى يكافحون من أجل صرف الأدوية من الصيدليات، ولهذا السبب أدعو مراكز الرعاية الطبية إلى استخدام سلطتها لتجاوز الروتين وتقديم مدفوعات سريعة لمقدمي الرعاية الصحية المتأثرين، تماماً كما فعلوا أثناء تفشي فيروس كورونا".
مرونة الأمن السيبراني
من جانبه، قال ناطق باسم وزارة الصحة والخدمات الإنسانية لـ "واشنطن بوست": "ندرك تأثير هذا الهجوم على عمليات الرعاية الصحية، ونعمل مع (يونايتد هيلث) لتجنب توقف رعاية المرضى، ولكن الحادث يؤكد الحاجة المُلِحة لتعزيز مرونة الأمن السيبراني".
وقالت نائب رئيس السياسات العامة في جمعية المستشفيات الأميركية، مولي سميث: "تقييمنا هو أن هذا الهجوم هو الأخطر على منظومة الرعاية الصحية في تاريخ الولايات المتحدة. يجري العمل على حل الكثير من الاضطرابات الحالية في المنظومة، إذ يلجأ مقدمو الرعاية الصحية إلى تقديم طلبات المرضى يدوياً".
وأضافت: "في هذه المرحلة ليس لدينا حلول كاملة على الإطلاق ، ما يعني أن مشكلات التدفق النقدي لا تزال قائمة".
وإثر ذلك، أعلنت شركة "أوبتام" للخدمات الصحية المملوكة لـ"يونياتد هيلث"، تصميم برنامج مساعدة مؤقت لتقديم الأموال نقداً إلى المنظمات التي تأثرت أنظمة الدفع الخاصة بها، في شكل قروض قصيرة الأجل يتطلب سدادها بمجرد عودة "تشينج" إلى الخدمة مرة أخرى.
وقال ناطق باسم الشركة إنه عين استشاريين وأنه يعمل مع سلطات إنفاذ القانون للتوصل لحل للأزمة، في ما تؤكد "يونايتد هيلث"، منذ الاختراق، إنها نفذت حلول عديدة لضمان حصول المرضى على الأدوية والرعاية التي يحتاجون إليها.
تشكيك في نماذج الدفع
بعض أشد منتقدي نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة، مثل رابطة الأطباء والجراحين الأميركيين، التي تعارض برامج مثل "ميديكير" وهو برنامج التأمين الصحي التابع للحكومة الفيدرالية للأميركيين المسنين، أشار إلى اختراق "تشينج هيلث كير" كسبب للتشكيك في نماذج الدفع الحالية.
وقالت المدير التنفيذي للمجموعة، جين أورينت، إن الحادث "يُظهر الكارثة التي يمكن أن تنجم عن الاعتماد على الشبكات المركزية والدفع من خلال طرف ثالث".
جمعية المستشفيات الأميركية، ترى أن أنظمة المستشفيات المتوسطة والكبيرة في جميع أنحاء البلاد تأثرت بدرجات متفاوتة بالهجوم.
وقال متحدث باسم المستشفى الجامعي في كليفلاند، إن انقطاع الخدمة في نظام المستشفيات الجامعية في كليفلاند، أعاق قدرة المرضى على الحصول على الأدوية الموصوفة من صيدليات البيع بالتجزئة أو الصيدليات المتخصصة، فيما قالت الرئيس والمدير التنفيذية لجمعية مستشفيات فلوريدا، ماري مايهيو، إن الأضرار ربما تصل قريباً إلى مليار دولار.
وأضافت: "بنت هذه المستشفيات عملياتها على أساس تلقي المدفوعات اليومية مقابل الرعاية التي تقدمها، ولكن ذلك توقف تماماً، ونحن الآن في اليوم الـ 11 منذ الهجوم، كما أن الافتقار إلى المعلومات من جانب (يونايتد هيلث) أدى إلى تفاقم الوضع"، موضحة أن التحول إلى الطلبات اليدوية ليس حلاً مقبولاً، لأن الأمر ربما يستغرق 90 يوماً.