ما وراء الاعتراف الأميركي بـ"إبادة الأرمن".. وسر الغضب التركي

time reading iconدقائق القراءة - 11
الرئيس الأميركي جو بايدن - REUTERS
الرئيس الأميركي جو بايدن - REUTERS
دبي- الشرق

قالت صحيفة نيويورك تايمز، إن اعتراف الرئيس الأميركي جو بايدن، بشكل رسمي بأن مقتل 1.5 مليون أرميني على يد الأتراك منذ أكثر من قرن "إبادة جماعية"، يمثل خطوة غير مسبوقة ومثيرة لغضب تركيا.

ويعد بايدن أول رئيس أميركي يصدر مثل هذا الإعلان، متجاوزاً بذلك أسلافه الذين لم يرغبوا في استعداء تركيا، الحليف في حلف شمال الأطلسي "ناتو"، والدولة المحورية التي تربط بين أوروبا والشرق الأوسط، بحسب نيويورك تايمز.

وأوضحت الصحيفة أن إعلان بايدن في حملته الرئاسية العام الماضي، باتجاهه نحو الاعتراف بـ"الابادة الجماعية"، كان موضع ترحيب من قبل الأرمن ومناصري حقوق الإنسان، إذ يحمل ثقلاً رمزياً هائلاً.

ويمثل استخدام هذا مصطلح "الإبادة الجماعية، صفعة أخلاقية للرئيس التركي رجب طيب إردوغان، "المنكر لتهمة الإبادة الجماعية"، حيث استشاط غضباً في وجه زعماء آخرين، بمن فيهم البابا فرانسيس، لوصفهم مقتل الأرمن بـ"الإبادة الجماعية"، وفقاً للصحيفة الأميركية.

أصل المصطلح

تُعرف الإبادة الجماعية بشكل قانوني، على أنها "القتل العمد لأشخاص ينتمون إلى مجموعة عرقية أو سياسية أو ثقافية معينة، بقصد القضاء على تلك المجموعة".

ويعد عام 1948 أول عام يتم فيه إدخال مصطلح "الإبادة الجماعية"، في معاهدة الأمم المتحدة التي جعلتها جريمة بموجب القانون الدولي.

وعلى الرغم من استخدام المناصرين لعدد من النزاعات الحالية لهذا المصطلح لتشويه سمعة خصومهم، إلا أن الملاحقات القضائية المتعلقة بالإبادة الجماعية نادرة. 

وأنشئت محاكم خاصة للنظر في الجرائم التي وقعت في الفترة بين عامي 1975 و1979 في كمبوديا، بما فيها الإبادة الجماعية، وكذلك في عام 1994 في رواندا، والفظائع التي شملت مذبحة جماعية في يوغوسلافيا السابقة.

ولا يزال لدى المحكمة الجنائية الدولية، التي أنشئت في عام 2002، قضية إبادة جماعية واحدة معلقة، وهي قضية الرئيس السوداني السابق عمر البشير المطلوب بموجب مذكرتي توقيف في جرائم تشمل ارتكاب إبادة جماعية في دارفور في الفترة بين عامي 2003 و2008، لكن المحكمة لا يجوز لها النظر في جرائم ارتكبت في وقت سابق على وقت إنشائها.

ماذا حدث؟

وفقاً لنيويورك تايمز، بدأ العنف ضد الأرمن في فترة انفراط عقد الإمبراطورية العثمانية، التي امتدت على مساحة واسعة شملت دول عدة من بينها أرمينيا، الدولة غير الساحلية التي تحيط بها تركيا، وجورجيا، وأذربيجان، وإيران.

وبدءًا من عام 1915، سعى العثمانيون المتحالفون مع ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، إلى منع الأرمن من التعاون مع روسيا، وأصدروا بحقهم قرارات بالترحيل الجماعي.

وعلى إثر ذلك، لقي 1.5 مليون أرميني حتفهم بسبب الجوع، أو القتل على أيدي الجنود الأتراك العثمانيين والشرطة، أو الإجلاء القسري صوب الجنوب إلى ما هو الآن سوريا وأماكن أخرى في الشرق الأوسط.

ونجا قرابة 500 ألف أرميني، وتفرقت بهم السبل في نهاية المطاف بين روسيا والولايات المتحدة وغيرهما فيما بات أحد أقسى صور الشتات في العالم.

ويعتبر مؤرخون كثر في الوقت الحالي، موت الأرمن أول جريمة إبادة جماعية في القرن العشرين، فيما يرى الكثير من الأرمن أن ذلك بمثابة ندبة في الجسد الأرميني انتقلت عبر الأجيال.

إنكار تركي

وأقرت الحكومة التركية، وفقاً لتقرير نيويورك تايمز، بأن ثم فظائع ارتكبت في هذه الفترة، لكنها أكدت أن "أعداداً كبيرة من الأتراك تعرضت أيضاً للقتل، وأن أعداد ضحايا الأرمن مبالغ فيها بدرجة كبيرة". 

وأنكر عدة قادة أتراك سابقين، ارتكاب هذه الجريمة على يد أجدادهم، ووسموها بـ"الزيف" الذي يهدف إلى تشويه سرديتهم عن بناء تركيا الحديثة.

وضرب إنكار الدولة التركية للإبادة الجماعية بجذوره في أعماق العقل التركي، وحوكم الكُتاب الذين تجرأوا على استخدام هذا المصطلح بموجب المادة 301 من قانون العقوبات التركي، الذي يحظر "إهانة الهوية التركية".

وأشارت نيويورك تايمز إلى أن بذور هذا الرفض يجري غرسها في الأتراك منذ نعومة أظفارهم، بحيث تصف المقررات الدراسية في مراحل التعليم المبكرة سردية الإبادة الجماعية بـ"الكذبة"، وتُسم الأرمن من أبناء هذه الحقبة بـ"الخونة"، وتصف الإجراءات التي قام بها الأتراك العثمانيون بـ"التدابير الضرورية" ضد الانفصاليين الأرمن.

امتناع أميركي

وأوضحت نيويورك تايمز أن كثيراً من الرؤساء الأميركيين كانوا قريبين من إعلان أحداث عام 1915 "إبادة جماعية"، فقد أشار الرئيس رونالد ريغان ضمناً إلى "الإبادة الجماعية بحق الأرمن" في بيان صدر في 22 أبريل 1981، بمناسبة إحياء ذكرى تحرير معسكرات الموت النازية.

لكن الرؤساء الأميركيين بوجه عام، تجنبوا وصف ما حدث بالإبادة الجماعية، لتفادي أي رد فعل تركي، من شأنه أن يضع تعاون أنقرة في الصراعات الإقليمية أو دبلوماسيتها على المحك.

وخلال الانتخابات الأخيرة، أعلن بايدن عن نواياه قبل عام، وبالتحديد في 24 أبريل، وهو اليوم الوطني الرسمي لإحياء ذكرى الإبادة الجماعية في أرمينيا، إذ استخدم مصطلح "الإبادة الجماعية بحق الأرمن"، وأكد أنه "يجب ألا ننسى أو أن نظل صامتين على هذه الحملة الممنهجة والمروعة لاستئصال شأفة شعب".

وفي السنوات الأخيرة، ازدادت حدة الغضب في كلا الحزبين الأميركيين من أردوغان، ففي عام 2019، مرر مجلسا النواب والشيوخ قرارات وصفت قتل الأرمن بـ "الإبادة الجماعية".

في هذا السياق، قال أيان بريمر، مؤسس شركة "أوراسيا غروب"، وهي شركة متخصصة في تقديم الاستشارات في المخاطر السياسية، الشهر الماضي، إنه كان يعتقد أن بايدن سيصدر إعلان الإبادة الجماعية على الرغم من معرفته بأن إعادة ضبط العلاقات الأميركية التركية عندئذ ستصبح "أكثر صعوبة".

وأشار مساعدو أردوغان إلى أن إعلان بايدن من شأنه أن يواجه رد فعل عدائياً في تركيا، بينما قال وزير الخارجية، مولود جاويش أوغلو، في مقابلة مع وسائل الإعلام، "إذا كانت الولايات المتحدة تريد تشويه العلاقات، فإن القرار بأيديهم".

الاعتراف الدولي

وفقاً لإحصائية صادرة عن "المعهد الوطني الأرميني"، وهو مجموعة بحثية تتخذ من واشنطن مقراً لها، توجد 30 دولة على الأقل تعترف بذلك.

لكن الإجابة ليست بهذه البساطة فيما يتعلق بالأمم المتحدة، التي لعبت دوراً محورياً في المعاهدة التي جرمت الإبادة الجماعية، لكنها لم تتخذ موقفاً حيال ما حدث في الفترة بين عامي 1915 و1930 قبل إنشاء المنظمة العالمية.

وبحسب نيويورك تايمز، لا يذكر الموقع الإلكتروني لـ"مكتب الأمم المتحدة المعني بمنع الإبادة الجماعية والمسؤولية عن الحماية"، في وصفه لأصل مصطلح الإبادة الجماعية أرمينيا، وتجنب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، التطرق هذه القضية.   

وعن رأي غوتيريش، قال المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، "ليس لدينا تعليق بوجه عام على الأحداث التي وقعت قبل إنشاء الأمم المتحدة"، مضيفاً أن الإبادة جماعية "يجب أن تحددها هيئة قضائية مناسبة، ما دام الأمر يتعلق بالأمم المتحدة".