"من خلق الله؟".. سؤال وجهه الشيخ علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، لمجموعة أطفال يجلسون أمامه، خلال أولى حلقات برنامجه التلفزيوني "نور الدين"، ليكشف ملامح محتوى البرنامج من قضايا شائكة مسكوت عن أغلبها، ويعيد الزخم إلى "جدل مستمر" حول قضية تجديد الخطاب الديني.
واستعرضت الحلقات الأولى من البرنامج، الذي يُبث على شاشة التلفزيون المصري، خلال شهر رمضان، فتاوى وآراءً دينية، أحدثت جدلاً بين المتابعين، إذ تباينت الآراء بين الترحيب والإشادة من جانب، والرفض الشديد من جانب آخر، ومن بينها قول "جمعة" إن "الجنة ليست حكراً على المسلمين وحدهم".
ويوضح مفتي الديار المصرية السابق، هدف برنامجه "نور الدين"، من خلال مقدمة الحلقات التي يقول فيها: "نتحاور مع الأبناء والآباء، مع الشباب والشيوخ، نستمع إلى كل التساؤلات التي تشغل بالهم والتي تؤرقهم، بدون خطوط حمراء، ولا وصاية من أحد، حتى نصل معاً إلى نقطة التلاقي".
وتشير إحصائيات اهتمامات المستخدمين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إلى تنامي التفاعل مع اسم البرنامج "نور الدين" منذ بداية شهر رمضان، بشكل يتضاعف يومياً، والحال نفسه مع اسم الشيخ علي جمعة، وسط سيل من التعليقات السلبية والإيجابية.
وعن الحالة الجدلية التي أحدثتها الحلقات الأولى للبرنامج، اعتبر الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز، في تصريحاته لـ"الشرق"، أن "هناك تغييراً ثقافياً يجري في المنطقة"، مشيراً إلى أن ذلك التغيير "سيواجه برفض ممن يدعون تمثيل ركائز أو ثوابت دينية"، لكن وعلى حد وصفه، فإن "هذا التغيير أكثر اتساقاً مع القيم المقبولة والسائدة عالمياً، وتحرسه قيادات واعية بأهميته، وهي أكثر تحرراً وتطوراً من الجمهور العام، خاصة في ملفي الدين والثقافة".
إرادة سياسية
بشأن طبيعة هذا التغيير، يؤكد ياسر عبد العزيز، أنه "فكري"، وليس في الخطاب الديني، مضيفاً في حديثه لـ"الشرق": "نحن لم نكن بحاجة إلى تغيير في الخطاب الديني بمعنى تغيير المفردات اللغوية المتعلقة بالشؤون الدينية، ولكن نحن بحاجة إلى تغيير الأفكار التأويلية المستندة إلى تفسيرات دينية معينة".
وتابع: "برنامج الشيخ علي جمعة، وبرامج أخرى مماثلة، وحصص إعلامية معينة تقدم في أماكن إعلامية مختلفة، وبعض تفاعلات منصات التواصل الاجتماعي، تُجسد نقلة في الفكر الديني".
ويرى عبد العزيز أن "هذه النقلة في الفكر الديني"، وفق تعبيره، "لها التعبير الخطابي الخاص بها، وتجري في الاتجاه الصحيح لمقاصد الأديان، وترعاها وتحرسها إرادة سياسية من السلطة الاستراتيجية في أكثر من دولة عربية، نحو مزيد من الانفتاح والتسامح والاتساق مع القيم الجوهرية للأديان، والبعد عن الرطانة، والمظهرية".
وفيما يخص طريقة العرض المتمثلة في استضافة الشيخ علي جمعة لمجموعة من الصغار أو المراهقين، والحديث عن قضية دينية ثم تلقي أسئلتهم والإجابة عليها، اعتبر الخبير الإعلامي، أن شكل البرنامج، "قوي وجذاب"، وقادر على "إلقاء الأحجار الكبيرة في البرك العميقة".
التواصل مع الأجيال الصغيرة
وعن مضمون البرنامج، قال سامي عبد العزيز، أستاذ الإعلام والتسويق السياسي والاجتماعي عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة سابقاً لـ"الشرق"، إن الشيخ علي جمعة "يُجيد التخاطب مع الرأي العام بطرق غير تقليدية، سواء اتفقنا أو اختلفنا مع المضمون، لكنه نجح وبقوة في إعادة الموضوعات والقضايا الدينية والحياتية لأجندة المواطن، وللأجيال الأصغر"، معتبراً أن "ما يقدمه جمعة من قضايا شائكة، وبطريقة التقديم المختلفة، خطوة على طريق تجديد الخطاب الديني، تحتاج إلى مزيد من الاستمرار، والتطور".
بدوره، رحب محمد شومان عميد كلية الإعلام بالجامعة البريطانية في مصر، خلال حديثه لـ"الشرق"، بشكل البرنامج الجديد، وطريقة التقديم، والموضوعات المطروحة بأسلوب غير تقليدي، مستدركاً أن البرنامج، كان بحاجة إلى مزيد من التفاعلية، بإتاحة اشتباك الأطفال والحضور، مع إجابات الشيخ علي جمعة على أسئلتهم، لتكتمل دائرة الحوار.
واعتبر شومان، أن ما يقدمه البرنامج خطوة مهمة نحو تبسيط القضايا الدينية، وطريقة جديدة لتوصيل الخطاب الديني السائد والمهيمن للشباب، لكن قضية تجديد الخطاب الديني، تحتاج إلى كتابات أعمق بكثير، وطرح مختلف للقضايا.
قضايا شائكة وأسئلة حرجة
وترى سارة فوزي، أستاذة الإذاعة والتلفزيون في كلية الإعلام بجامعة القاهرة، برنامج "نور الدين" وسيلة مهمة لإعادة تجديد الخطاب الديني، والفكر المستنير القائم على الأسئلة والإجابات، و"ليس التلقين من جانب واحد"، مضيفة أنه "يمثل معركة للوعي، وطرح القضايا الشائكة والأسئلة الحرجة خاصة التي تدور بأذهان الأطفال".
وأشادت بالأسئلة المطروحة في البرنامج، واعتبرتها "تدعو الجمهور للتفكر في قضايا كانت تعتبر ثوابت دينية، وتحثهم على البحث والقراءة والاطّلاع على الآراء الجدلية المختلفة، علاوة على طرحه قضايا مواكبة لمقتضيات العصر الحديث، من خلال النقاش والحوار المفتوح، وليس الشكل التقليدي المعتمد على التلقين من جانب واحد".
وعن فقرات البرنامج وطريقة تقديمه، نوهت سارة فوزي إلى أن "شكل البرنامج هو الأنسب، لفئة الشباب والجمهور العام المصري، ويتسم بالجرأة في الاحتكاك بقضايا شائكة، والإجابة على أسئلة مسكوت عنها، ما يولد خطاباً جديداً، قادر على دفع الجمهور للقراءة في مجالات ومذاهب مختلفة".
وبررت احتلال برنامج "نور الدين" لمساحات كبيرة من اهتمام مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب ما سمته "قيام بعض الوسائل الإعلامية المعتمدة على التلقين والتحفيظ والقوالب الجامدة والنمطية، باقتطاع أجزاء من سياقها الكامل، وتوجيهها لإثارة غضب الرأي العام، مثلما حدث في كلام الشيخ علي جمعة عن الاختلاط بين الجنسين، وغيرها".
وطرح الأطفال المشاركون في البرنامج عدداً من الأسئلة الجريئة مثل "هل الجنة حكر على المسلمين؟ وما حكم الصداقة بين الجنسين؟ وما محددات المراسلة بين الولد والبنت "الشات"؟ وهل الحب بلا زواج حرام؟ وما هو حكم الحجاب؟ وهل يحتقر الدين المرأة؟ وهل يصح الحج بتقنية الميتافيرس؟".
من يدخل الجنة؟
وفي الحلقة الأولى من البرنامج، وجهت طفلة من الحضور سؤالاً "لماذا سيدخل المسلمون فقط الجنة رغم وجود ديانات سماوية أخرى؟"، فرد الشيخ علي جمعة معتبراً أن هذه "معلومة مغلوطة"، لأن الله قال "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" (سورة البقرة- الآية 62)، مضيفاً "الآية واضحة، فالجنة ليست حكراً على المسلمين فقط، وأن غيرهم من الأديان الأخرى أيضاً سيدخلون الجنة".
هل الاحتفال بالكريسماس حلال أم حرام؟، سؤال شائع أجاب عليه الشيخ علي جمعة بالقول: الاحتفال به جائز لأنه من باب الاحتفاء بالأنبياء، فالاحتفال بالسنة بالميلادية الجديدة يعني الاحتفال بعيد ميلاد المسيح وهو ميلاد معجزة، والقرآن أقرّ بها، وجعلها عيد محبة وسلام وقال الله: "وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا" (سورة مريم- الآية 33).
وعن قضية الصداقة بين الجنسين، قال علي جمعة إن خروج الولد والبنت معاً ضمن "شلّة" (جماعة أصدقاء)، ليس حراماً، وشرح: "البشرية كلها كانت على حد الاختلاط.. والصداقة بين الجنسين مباحة، طالما فيها عفاف، أي خالية من المحرمات والسرية"، مضيفاً: "العلاقة بين الجنسين في سن المراهقة عادية، لو أبو البنت عارف".
واستطرد قائلاً عن مسألة الحب: "ليس فيه حلال وحرام لأنه شعور قلبي لا نملكه، أما قضية الزواج بعد الحب فهذه مسألة أخرى"، مشدداً على "ضرورة الحفاظ على العفاف خلال علاقات الحب خارج الزواج".
"وارد ربنا يلغي النار"
وقال الشيخ على جمعة، في إحدى حلقات البرنامج، إن "الخطاب الذي ندعو به الناس لابد أن يكون فيه دعوة إلى الرحمة والحب وليس الكراهية"، وأضاف: "يوم القيامة فيه شفاعة وفيه 70 ألف شفيع وكل واحد يشفع في ألف شفيع.. ويوم القيامة وارد ربنا يلغي النار ويدخل كل الناس الجنة (هو فعال لما يريد)، وكثير من علماء المسلمين قالوا إنه وارد، فالعلاقة مع الله يجب أن تُبنى على الحب، والأمل، والتفاؤل، والرحمة".
من هو علي جمعة؟
- مواليد بني سويف جنوبي مصر عام 1952.
- حاصل على دكتوراه في أصول الفقه من كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر.
- أستاذ أصول الفقه بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بجامعة الأزهر.
- عضو هيئة كبار العلماء في مصر.
- عضو مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف منذ عام 2004.
- مفتي الديار المصرية منذ عام 2003 وحتى 2013.