هل تشكل "الإبادة البيئية" في قطاع غزة جريمة حرب؟

time reading iconدقائق القراءة - 8
دبابة إسرائيلية تسير على طول الحدود مع غزة. 19 مارس 2024 - REUTERS
دبابة إسرائيلية تسير على طول الحدود مع غزة. 19 مارس 2024 - REUTERS
دبي-الشرق

أظهر تحليل لصور بالأقمار الاصطناعية تعرض الأراضي الزراعية في قطاع غزة للتدمير، وتجريف ما يقرب من نصف الأشجار بالمنطقة، فيما قال خبراء إن هجوم إسرائيل على النظام البيئي إلى جانب التلوث المتزايد للهواء والماء، جعل القطاع منطقة غير صالحة للعيش، بحسب صحيفة "الجارديان" البريطانية.

وقالت الصحيفة إن الحجم الكامل للأضرار في غزة لم يُوثق بعد، لكن تحليلات الصور المُلتقطة بالأقمار الاصطناعية تُظهر تعرض نحو 38-48% من الغطاء الشجري والأراضي الزراعية في القطاع للتدمير.

وأشارت الصحيفة إلى تدمير حقول الزيتون والمزارع، وتلوث التربة والمياه الجوفية بالذخائر والمواد السامة، وتلوث البحر بمياه الصرف الصحي والنفايات، والهواء بالدخان والجسيمات، فيما رأى باحثون ومنظمات بيئية أن الدمار سيخلف آثاراً هائلة على النظم البيئية والتنوع البيولوجي في غزة.

وأثار حجم الضرر وتأثيره المحتمل على المدى الطويل، دعوات إلى اعتباره "إبادة بيئية" والتحقيق فيه باعتباره جريمة حرب محتملة، بحسب "الجارديان".

وشدد الجيش الإسرائيلي للصحيفة على التزامه بـ"القانون الدولي"، ومحاولته "الحد من أي ضرر يلحق بالمناطق الزراعية والبيئة"، مشيراً إلى أنه "لا يتعمد إلحاق الضرر بالأراضي الزراعية".

حجم الدمار

وأظهرت صور ملتقطة بالأقمار الاصطناعية ومقاطع فيديو مُلتقطة على الأرض، مدى الدمار الذي تعرضت له الأراضي الزراعية، والحقول، وبساتين الزيتون في غزة بسبب الحرب.

وحلل هي يين، أستاذ الجغرافيا المساعد بجامعة كينت الأميركية، صوراً فضائية تظهر أن ما يصل إلى 48% من الغطاء الشجري في غزة إما قُضي عليه أو تضرر خلال الفترة من 7 أكتوبر الماضي حتى 21 مارس الجاري.

وقال يين للصحيفة: "لقد دُمرت بساتين كاملة، ولم يتبق سوى التربة، ولا يُمكن رؤية أي شيء".

وبالإضافة إلى الدمار المباشر الناجم عن الهجوم العسكري، دفع نقص الوقود سكان غزة إلى قطع الأشجار أينما وجدوها لاستخدامها في الطهي أو التدفئة.

وخلص تحليل مستقل لصور فضائية أجرته مجموعة Forensic Architecture، وهي مجموعة بحثية مقرها لندن تحقق في العنف الذي تمارسه الدول، إلى نتائج مماثلة.

وأظهر التحليل أن الأراضي الزراعية والبساتين كانت تغطي 170 كيلومتراً مربعاً، أو 47% من المساحة الكلية للأراضي في غزة قبل 7 أكتوبر.

وبنهاية فبراير الماضي، دمرت العمليات العسكرية الإسرائيلية أكثر من 65 كيلومتراً مربعاً، أو 38% من الأراضي، وفقاً لتقديرات Forensic Architecture.

وكانت الدفيئات الزراعية (الصوبات)، التي كان يبلغ عددها 7 آلاف و500 دفيئة، تشكل جزءاً حيوياً من البنية التحتية الزراعية في القطاع، إلى جانب الأراضي المزروعة.

ووجد تحليل المجموعة البريطانية أن ما يقرب من ثلث هذه الدفيئات دُمرت بالكامل، و90% منها تقريباً في شمال غزة، كما نحو 40% في محيط خان يونس.

ووصفت سامانه موافي، مساعدة مدير الأبحاث في Forensic Architecture، التدمير بـ"المنهجي"، موضحة أن الباحثين استخدموا صوراً مُلتقطة بالأقمار الصناعية لتوثيق عملية متكررة في مواقع متعددة.

وبعد الأضرار الأولية الناجمة عن القصف الجوي، قامت القوات البرية الإسرائيلية بعد وصولها بتفكيك الدفيئات الزراعية بالكامل، بينما اقتلعت الجرافات، والدبابات، والمركبات بساتين النخيل وحقول المحاصيل، وفقاً لموافي التي أضافت: "ما بقي هو الدمار. ومنطقة لم تعد صالحة للعيش".

وتضمن التحقيق الذي أجرته Forensic Architecture إحدى الأراضي الزراعية في شرق جباليا بالقرب من الحدود الشمالية الشرقية لقطاع غزة. وكانت عائلة أبو صفية تزرع هذه الأرض طوال العقد الماضي.

ونزحت عائلة أبو صفية إلى الجنوب، وتم تدمير أرضهم واقتلاع بساتين النخل بالكامل واستبدالها بتحصينات عسكرية.

وقال أحد أفراد العائلة: "لم يتبق شيء تقريباً يُمكن التعرف عليه هناك، لا توجد آثار للأرض التي عرفناها، لقد محوها تماماً".

وأضاف: "لقد أصبحت كما كنت من قبل: صحراء. لا توجد شجرة واحدة هناك. ولا يوجد أثر لحياة سابقة. إذا ذهبت إلى هناك، لن أتمكن من التعرف عليها".

وأشارت إسرائيل في وقت سابق إلى إمكانية مواصلة بعض عملية الهدم، فيما اقترح بعض المسؤولين إنشاء "منطقة عازلة" على طول الحدود بين غزة وإسرائيل، حيث تتواجد معظم الأراضي الزراعية.

ومهدت بعض عمليات الهدم الطريق أمام إنشاء بنية تحتية عسكرية إسرائيلية، بحسب "الجارديان".

وقالت مجموعة التقصي "بيلينجكات" إن نحو 4 آلاف و300 فدان تم إخلاؤها في المنطقة الواقعة جنوب مدينة غزة، حيث ظهر طريق جديد، تطلق عليه إسرائيل اسم الطريق 749، ويمتد عبر كامل عرض المنطقة.

ووصف الجيش الإسرائيلي الطريق بأنه "كان ضرورياً من الناحية العسكرية"، وأُنشئ لوضع موطئ قدم في المنطقة والسماح بمرور القوات والمعدات اللوجستية.

وقال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي للصحيفة إن "حماس تعمل في كثير من الأحيان من داخل البساتين، والحقول، والأراضي الزراعية"، لافتاً إلى أن "الجيش الإسرائيلي ملتزم بتخفيف الأضرار الواقعة على المدنيين والبيئية خلال الأنشطة الميدانية".

ومع إزالة الأشجار، أصبحت التربة المتبقية مهددة بسبب القصف العنيف وعمليات الهدم.

وقال برنامج الأمم المتحدة للبيئة إن القصف العنيف للمناطق المأهولة بالسكان يُمكن أن يلوث التربة والمياه الجوفية على المدى الطويل، سواء من خلال الذخائر نفسها، كما يؤدي انهيار المباني إلى انتشار مواد خطيرة، مثل الأسبستوس، والمواد الكيميائية الصناعية، والوقود، في الهواء المحيط، والتربة، والمياه الجوفية.

وألقت إسرائيل منذ بداية الحرب عشرات الآلاف من القنابل على غزة، وأظهرت تحليلات الصور الفضائية المُلتقطة منذ يناير الماضي، أن ما بين 50% إلى 62% من جميع المباني في غزة تضررت أو دمرت.

ومنذ يناير الماضي، خلّف القصف 22.9 مليون طن من الحطام والمواد الخطرة، ويحتوي معظم الأنقاض على أشلاء بشرية، وفقاً لتقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة.

وسجلت بلدية غزة الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية، وأشارت إلى تراكم نفايات صلبة يبلغ حجمها 70 ألف طن منذ 7 أكتوبر.

وأدى انقطاع التيار الكهربائي، الناجم عن قطع إسرائيل الوقود عن غزة بعد 7 أكتوبر، إلى عدم إمكانية ضخ مياه الصرف الصحي إلى محطات المعالجة، ما يؤدي إلى تدفق 100 ألف متر مكعب من مياه الصرف الصحي يومياً إلى البحر، بحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة.

إبادة بيئية

وأدى حجم الدمار وتأثيره في المدى الطويل إلى دعوات تطالب بالتحقيق فيه باعتباره "جريمة حرب" محتملة، وتصنيفه على أنه "إبادة بيئية"، والتي تشمل الضرر الذي يلحق بالبيئة من خلال أعمال متعمدة أو إهمال، بحسب "الجارديان".

وينص نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أن تعمد شن هجوم مع العلم بأن هذا الهجوم سيسفر عن إحداث ضرر واسع النطاق وطويل الأجل وشديد للبيئة الطبيعية يُعد "جريمة حرب".

كما تحظر اتفاقيات جنيف استخدام الأطراف المتحاربة وسائل أو أساليب "تُلحق بالبيئة الطبيعية أضراراً بالغة واسعة الانتشار وطويلة الأمد".

تصنيفات

قصص قد تهمك